من أجل تأمين الاستحقاقات الانتخابية القادمة
تؤشر معطيات متواترة، تحتاج إلى تدقيق وتأكيد حول مدى صحتها من عدمه، إلى أن أجواء الإعداد للانتخابات القادمة لا تسير وفق المعول عليه. أقله إحاطتها بضمانات الحياد والارتقاء إلى متطلبات المرحلة. لكن الاستناد إلى هذه المعطيات الواردة من طرف هيآت المعارضة يقابلها نوع من تشنج المواقف حيال من ستميل صناديق الاقتراع إلى ترجيح مترشحيه. وكأن هذه المحطة تشكل نهاية العالم، مع أنها امتداد طبيعي لإجراء التطبيع مع الانتخابات.
في خلفيات الحدث أن الصراع بين المعارضة والحكومة، خرج عن نطاق منافسات البرامج والأفكار والاقتراحات، ويكاد يستقر عند التنابز بالألقاب وتصفية الحسابات واستخدام شتى النعوت والأوصاف التي لا تليق بمتطلبات النضج السياسي. وقع مثل هذا في حوارات دستورية داخل البرلمان، وامتد إلى الاجتماعات والمنتديات الحزبية وفضاء التواصل الاجتماعي. ولئن كانت الحروب السياسية يزيد لهيبها اشتعالا كلما اقترب موعد الحسم عبر صناديق الاقتراع. فإن جدواها لن تغير شيئا في الواقع، في حال عدم تركيزها على تقديم برامج وتصورات مدققة بالأرقام والمواعيد للنهوض بمظاهر الحياة العامة اقتصاديا واجتماعيا.
الغائب الكبير في السجال الدائر هو القضايا الجوهرية المرتبطة بالتدبير المحلي. وإذا كان عرض البرامج يظل رهن بدء المنافسات المشروعة، وليس قبلها أو بعدها، فلا أقل من أن تحظى الديمقراطية المحلية بنقاش مفتوح، يستقصي جوانب ضعفها وقوتها. ولحد الآن لم نسمع عن حوار علمي وموضوعي بهذا الصدد. يعتمد مقاربة جذابة، من شأنها أن تدفع الناخبين إلى الإقبال على صناديق الاقتراع. ولم نسمع في غضون ذلك عن تقييمات موضوعية لمسار التجربة المغربية في هذا النطاق. خصوصا وأن انتخابات البلديات والجهات ومجلس المستشارين ستكون الأولى من نوعها بعد إقرار الدستور المعدل، بل إن الحوار حول القوانين التنظيمية لا يتعدى عتبة المؤسسة التشريعية.
صدمة استئثار «العدالة والتنمية» بصدارة المشهد الحزبي في تشريعيات العام 2011، لازالت قائمة، بالرغم من أن ظروفها وأسباب نزولها تبدو مختلفة كليا عن الاستحقاقات المرتقبة، إن على مستوى تباين الاقتراعين التشريعي والمحلي، أو في نطاق المستجدات التي عرفتها الساحة السياسية، وطنيا وإقليميا، وبدل تقييم أداء المنتسبين إلى الأحزاب السياسية في تدبير المجالس البلدية والجماعات الحضرية، يصار إلى تغليف الصورة برداء سياسي محض، قد لا يكون له ما يبرره في آليات إدارة الصراع الحزبي، غير أنه لا يختزل كل الصورة، سيما وأن الاستحقاقات المحلية لها علاقة مباشرة بالقضايا اليومية للمواطنين.
في الوقت الذي عرفت فيه المدن المغربية توسعا ملحوظا، لم يحل دون استمرار ظاهرة البناء العشوائي وأحزمة الفقر، يكون حريا أن تحظى هذه القضية بمركز الصدارة، تأسيسا على النتائج التي تحققت سلبا أو إيجابا في خيار وحدة المدن، وكذلك الأمر بالنسبة لإخفاق تجربة المدن الناشئة، على اعتبار أنها لم تستجب لمتطلبات التوسع العمراني الذي يوازيه توسع مواز في المرافق والخدمات، كذلك فإن مسألة التدبير المفوض لازالت تطرح نفسها، من دون إغفال مجال النظافة والتخلص من النفايات وإقامة المزيد من المطارح، بعيدا عن المدن الآهلة.
لا تنفصل رهانات الديمقراطية المحلية عن خيار سياسة القرب، من منطلق إيجاد منافذ التشغيل وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية وتقوية البنيات الاقتصادية المؤهلة لاستيعاب المشاريع المدرة للدخل وتنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية. وتحديدا في مجال البنيات السياحية ومنشآت المواصلات الحضرية، وتطوير قدرات الإنتاج المحلي بالنسبة للمناطق الزراعية وغيرها من مجالات الإنتاج.
ينضاف إلى ذلك البحث في تقوية مردودية خيار التوأمة بين المدن المغربية ونظيراتها الأوروبية والإفريقية والأمريكية والآسيوية، في ظل الانفتاح على مختلف العوالم.
يُطرح السؤال تلقائيا، كيف يمكن لبنيات التدبير المحلي الذي لم يتخلص من عقلية متجاوزة أن يحقق قفزة نوعية على مستوى التدبير العصري الواعد بأفق كبير؟ الأمر ممكن طبعا من خلال الانفتاح على النخب الجديدة المؤهلة. هنا بالذات تكمن مسؤوليات الهيآت السياسية في تقديم مترشحين أكفاء ونزهاء وذوي إلمام. ذلك أن الرهان على الوجوه التي تستطيع استمالة الناخبين لاعتبارات خاصة، يجب أن يقترن بالمردودية وليس كسب الأصوات فقط. فقد حان الوقت للتخلص من «إقطاعيات انتخابية» ثبت أنها لا تواكب التطورات.
في الإطار النظري والقانوني تميزت الديمقراطية المحلية منذ انطلاقها بالاستناد إلى قوانين وإجراءات متطورة في حينه، لكن اللعبة السياسية أفسدت نجاعتها. وما دام المغرب دخل نادي الديمقراطيات الناشئة، وإن لم يكتمل مساره في هذا الاتجاه، فإن إغناء التدبير المحلي بالأطر والنخب ومناخ التحفيز، من شأنه أن يقطع مع أساليب التدبير الماضوي. غير أن مستويات النقاش الدائر لا يبدو أنها في الطريق إلى بناء ديمقراطية محلية على قدر الطموح والرغبات.
فقط يتعين العودة إلى منطق النضج السياسي لإحاطة التجربة بمتطلبات النجاح. ولن يكون ذلك بعيدا في حال التقت النوايا والإرادات ومنهجيات العمل الجدي.