ملك فوق الانتظارات
رفع الملك محمد السادس السقف عاليا جدا في معالجته لتداعيات الزلزال الذي ضرب المملكة المغربية، واتخذ قرارات صدرت خلال جلسة العمل الملكية جد مشرفة، بل تفوق الاستجابة لتطلعات المتضررين، من خلال خريطة طريق بأهداف واضحة وأجندة دقيقة، وبميزانية ضخمة، لتعويض أضرار 300 ألف ضحية.
فأن يعقد الملك محمد السادس في ظرف من الزمن محدود لا يتجاوز الأسبوعين جلستين ملكيتين، فهذا بحد ذاته ضمانة كافية، تجسد حرص أعلى سلطة في البلد على المتابعة الدقيقة لكل تفاصيل مواجهة تداعيات الزلزال.
والجميل في الخطة الملكية أنها عالجت الملف من كل جوانبه المالية والتشريعية والحمائية والهندسية، لكن ما يبعث على الاطمئنان بأن المغاربة يعيشون في كنف ملك أب، هو قرار محمد السادس بإدراج الأطفال يتامى الزلزال ضمن مكفولي الأمة، حيث ستتكفل بهم الدولة إلى حين بلوغ سن الرشد، والتكفل بتمدرسهم وطعامهم وملبسهم وصحتهم، وهذه التفاتة ملكية بالغة الإنسانية.
واليوم الكرة بملعب الحكومة لتنزيل القرارات الملكية، في أقرب الأوقات، وإيجاد الموارد المالية لتنفيذ خريطة الطريق بعيدا عن جيوب المواطنين، سيما محدودي الدخل الذين يعانون مصاعب المعيشة. وأمام الحكومة عشرات الموارد الداخلية للوفاء بفاتورة تقديم مبلغ ثلاثة ملايين كدعم استعجالي للأسر المتضررة، وتخصيص 14 مليونا كدعم للأسر التي فقدت بيوتها، بالإضافة إلى تقديم 8 ملايين للأسر التي هدمت بيوتها بشكل جزئي.
الفاتورة الكبيرة لمواجهة تداعيات الزلزال، تستوجب من الحكومة مزيدا من سياسة «تزيار السمطة» في نفقات الحسابات الخصوصية لأكثر من 70 حسابا خصوصيا، حيث يمكن أن يلغى بعضها في مشروع القانون المالي
لـ2024 بسبب هاته الظروف، بالإضافة إلى ميزانية شراء المعدات والسيارات والتجهيزات، وتوجيه جزء من ميزانية الاستثمار كاعتمادات مفتوحة، نحو مشروع إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلازل؛ كما يمكن الاستفادة من الميزانية المخصصة للنفقات الطارئة والمخصصات الاحتياطية.
أمام الحكومة بالإضافة إلى المساهمات التطوعية الداخلية والخارجية من أشخاص ذاتيين ومعنويين، خيارات متعددة لإيجاد الموارد المالية لصندوق تدبير الزلزال، وتنزيل الخطة الملكية على أحسن وجه، ولا نظن أنها عاجزة عن ذلك، لكن أكبر مورد يمكن أن يكون حاسما في نجاح التصور الملكي، هو وجود ما يكفي من مخزون الجدية والمسؤولية والوطنية في إنجاز هذا التحدي الوطني، وهذه قيم لن يتم التساهل مع غيابها من طرف ملك البلاد.