يونس جنوحي
هي فعلا قضية مُعقدة حتى قبل أن تتحدث عنها سفارة التايلاند في الرباط، لتوضح في بلاغ رسمي أن المعلومات الرائجة عن اختطاف مواطنين مغاربة تم استدراجهم إلى التايلاند تحتاج إلى التدقيق، دون أن تنفي السفارة أن تايلاند قد تكون فعلا نقطة عبور للشبكات الإجرامية المسؤولة عن عمليات الاختطاف.
الشباب المغاربة اليوم مولعون بالتجارة الإلكترونية. يتابعون الدروس عبر الأنترنت، بعد أن فقدوا الأمل في التقديم لوظائف حقيقية في شركات توجد مقراتها في العمارات الزجاجية. وضعوا سيرهم الذاتية جانبا، واتجهوا صوب الشاشات وقضوا أمامها الساعات الطوال لكي يفهموا أصول التجارة الإلكترونية. لكن بدل أن يلجؤوا إلى تجار حقيقيين، يجدون أنفسهم في الغالب أمام نصابين يقدمون أنفسهم على أنهم رجال أعمال ناجحين يعرضون أمامك تجربتهم «لتعميم الفائدة». وهذه هي المرة الأولى في تاريخ البشر، التي يُظهر فيها الإنسان استعداده لكي يوقف أعماله وأرباحه ويجلس أرضا لكي يُعلمك الطريقة التي حصد بها كل تلك الملايين!
منذ انطلاق طفرة ثورة الاتصالات في المغرب، وانتشار المحتوى البديل على الأنترنت، اتجه آلاف الشباب نحو التجارة الإلكترونية، وراكموا أرباحا بفضل وجود ثغرات في أنظمة البيع والشراء. إذ أن بعضهم أحدثوا منصات وهمية تقوم أساسا على النصب على مواطنين من جنسيات دول أمريكا أو آسيا، ويحصلون منهم على أموال طائلة من وراء بيع سلع لا يملكونها أساسا.
ولأن الطلب على ميدان التجارة الإلكترونية أصبح كبيرا، فمن الطبيعي أن تدخل عصابات الاتجار بالبشر على الخط. إذ يكفي أن تضع «التجارة الإلكترونية» و«التداول» في أي إعلان لكي تستقطب آلاف الشباب الراغبين في إنقاذ عائلاتهم لعبور خط الفقر.
وهذه الإعلانات تكون وراءها أحيانا عصابات للاتجار بالبشر.
سفارة التايلاند في الرباط تقول إن بلادها قد تكون فعلا نقطة عبور لهذه العصابات، لكن الواقعة تحتاج إلى تحقيقات موسعة لكشف أطراف هذه الشبكة.
العائلات المغربية المعنية بالموضوع، لا تزال تنتظر وصول أخبار عن أبنائها، وهناك عائلات أخرى لا تعرف أي شيء عن مصير أبنائها، وترجح أن يكونوا بدورهم ضحايا لمثل هذه العصابات ما داموا لم يؤكدوا لأسرهم بعد أنهم وصلوا إلى وجهتهم.
منطقة جنوب شرق آسيا تُعتبر الآن بؤرة ساخنة تنشط فيها عصابات الاتجار في البشر وخلايا النصب الإلكتروني. حكومة الولايات المتحدة التي يطور جيشها أعقد أنظمة التعقب والاتصالات وحماية البيانات، تقف أحيانا عاجزة أمام هذه العصابات التي تنهب سنويا ملايين الدولارات من المواطنين الأمريكيين بعد سرقة بياناتهم البنكية. بل إن الاختراق وصل إلى مؤسسات وشركات يفترض أنها تتمتع بحماية حكومية، لكن أنظمتها انهارت أمام شبان من مختلف الجنسيات يستوطنون بعض الدول الآسيوية ويمارسون منها أنشطة القرصنة، ويحصلون على كل تلك الأموال في حسابات بنكية افتراضية لا تطولها المراقبة.
ضحايا النصب الإلكتروني في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، فقدوا ملايين الدولارات في عمليات معقدة، وكل ما يتذكرونه، اللكنة الآسيوية للشبان الذين نصبوا عليهم في مكالمات هاتفية اخترقوا بعدها حساباتهم البنكية أو نصبوا عليهم في عملية بيع إلكترونية.
عندما يسمع شبان مغاربة عاطلون مثل هذه القصص عن «ثورة» التجارة الإلكترونية والأموال الطائلة التي راكمها شباب من دول فقيرة، بينهم مغاربة، فإنهم يتحمسون ويتدبرون أمر تذكرة ذهاب من مطار محمد الخامس، والوجهة تكون في العادة بلدا من البلدان التي لا تشترط التأشيرة ويكون الجواز الأخضر وحده كافيا لدخول ترابها. لكن النهاية لا تكون سعيدة دائما. حيثما وُجد المال، توجد المشاكل، وهذه قاعدة أصيلة تعود إلى ما قبل عصر الحواسيب.