شوف تشوف

الرأي

مفاهيم شائعة ولكنها مغلوطة

الكثير من المفاهيم الرائجة في الثقافة الإسلامية التقليدية مبنية على أرض من ملح؛ إذا فاجأها السيل ذابت، وتهدم المعبد، وهذا يدفع إلى إعادة النظر في الثقافة المتداولة، وإعادة بنائها، كما نعرفه نحن في جراحة الأوعية الدموية بإعادة التصنيع لشريان مهترئ (Reconstruction).
من هذا (علم الحديث) الذي كتب متأخرا عن ضبط القرآن، في جو الصراع السياسي، ومنه فإن الكثير من ثقافتنا حرفت ليس برسم الحروف، ولكن بتطويع المفاهيم الصحيحة لمفاهيم مغلوطة، بحيث يقرأ الناس قرآنا آخر ليس اسمه القرآن وكأنه قرآن. نرى واضحا في القرآن الكريم غلطات أهل الكتاب الثلاث: نسوا حظا مما ذكروا به + يحرفون الكلم من بعد ما عقلوه وهم يعلمون + يلبسون الحق بالباطل، ويكتمون الحق، ويشترون به ثمنا قليلا فبئسما يشترون.
وهذه الآفات لم يسلم منها أهل كتاب، والمسلمون لا يشكلون استثناء على هذه القاعدة؛ فعلم الحديث أدخلنا إلى متاهات لابد من ضبط البوصلة فيها، ورسم خارطة الطريق، ومعرفة الاتجاهات، وعلامات وبالنجم هم يهتدون.
من هذه المشكلات موضوع الموسيقى والغناء واللباس والمحرم واللحية بل وقتل المرتد وآخر من شكله أزواج.
وهنا يجب الانتباه إلى (علم الحديث) وذيوله التي أوصلتنا إلى (السلفية الجهادية)، بحيث استنفرت مطارات العالم، ويفتش الناس في المطارات مثل اللصوص، كله لأن السلفية (غير الجهادية) البريئة المحنطة، هي التي فرخت وأنبتت حفيدتها الحركية من (الجهادية السلفية) بجهاد الكفار في كل مكان وزمان، تحت آية سورة التوبة (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة).
وهنا يجب الانتباه إلى كرونولوجيا (التسلسل الزمني والترابط النسقي) الآيات، وهو ما سوف نتعرض له بالتفصيل في بحث لاحق، ولكن من المهم أن نعرف أن ما يسمى بالسلفية هو اتجاه يقتل القرآن ويعطله بالحديث، وفي كلية الشريعة درسنا أن الحديث يفيد (غلبة الظن) وهو في معظمه أحاديث آحاد، ولكن السلفية تقتل القرآن قتلا بأحاديث تعطل روح القرآن كله، مثل (قتل المرتد) وأن هناك حديثا يفيد بذلك (اقتلوا من بدل دينه) وهو يصطدم بنصوص كثيرة في محكم التنزيل، بأن الإيمان والكفر قناعة شخصية، يبدلها صاحبها حسب رؤيته للأشياء كيفما أراد زمانا ومكانا. (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، كما أن آية سورة النساء (الآية 138) قالت أن هناك إمكانية أن يدخل الإنسان، ثم يعود إلى الكفر، ثم إلى الإيمان والكفر مرتين، ثم يزداد كفرا فيبقى على قيد الحياة، ليكفر من جديد، بدون أن يخسر رأسه مرة واحدة، وترك الحكم للآخرة، أنهم ضلوا السبيل ولا أحد له سلطان عليهم بقطع رؤوسهم، كما تفعل داعش وفاحش. (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا).
وهذه الخطيئة في الاتجاه السلفي ليست الوحيدة، بل هناك ثلاث خطايا أخريات لا تقل عن هذه، فهي تدب على ثلاثة مفاصل؛ (الحرفية) و(الطقوسية) و(الرجوع للخلف) حين نريد المشي للأمام.
وهذه القضايا في غاية الحساسية ومنها مثلا أن المسلمين عام 2015م يصومون 22 ساعة في شمال الأرض فهل هذا معقول؟ وهو ضد مبدأ (ما جعل عليكم في الدين من حرج).
ألا يوجد فقه راشد منطقي وعاقل وسببي يستنبط من روح الشريعة والقرآن شيئا مختلفا، مثل أن يكون الصيام 12 ساعة فقط واليوم نصفه إفطار ونصفه إمساك؟
كذلك فضيحة رؤية الهلال التي يختلف عليها العالم الإسلامي، والله قال عن النسيئة أنها من الكفر، حين كان يلعب الناس في الأشهر الحرم فيحلونه عاما ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله، حين نرى بلدا يصوم متأخرا أو متقدما عن آخر، والكرة الأرضية واحدة والله رب العالمين.
يا قوم لقد حدد علماء الفلك حضيض عطارد، ومتى يأتي مذنب هالي كل سبعين عاما، وأرسلوا الباثفايندر إلى المريخ، ورست المركبة (سوجرنير) على ظهر الكوكب الأحمر، وأرسل تلسكوب هابل إلى عمق مائة كيلومتر في الفضاء، يستنطق الكون عن لحظة الانفجار العظيم قبل 13,7 مليار سنة، وفي نيتهم أن يرسلوا تلسكوب أفظع من هابل (جيمس ويب) إلى عمق 1,5 مليون كيلومتر، في الخلاء الكوني، كي يرسل أخبار السماء بالصور الملونة وهل ثمة كائنات أخرى تعيش في المجرة.
ومنها ما أعرفه أنا من صلاة التراويح والأدعية، حيث يحرص الإمام على (صلب) المصلين بحرصه ولو بقراءة من هذر ومذر وكأنه موتور ديزل، لإتمام جزء من القرآن كل يوم، والقرآن جعل لراحة القلوب، والاستفادة من محتوى معناه.
ومما روى لي صديقي أنس من الجديدة أن والدته وصديقتها رجعتا نصف مريضتين، بعد أن انحبستا خلف إمام متحمس يبكي في دعاء استغرق نصف ساعة، والله يعلم غيب السموات والأرض ويعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون، ورسول الرحمة (ص) كان يوصي معاذ بقوله: أفتَان أنت يا معاذ؟ اقرأ لهم قصار السور، ومما نقل عن نبي الرحمة (ص) أنه كان في صلاة الجمعة يقصر الخطبة ويطيل الصلاة وكانت صلاته الطويلة في الجمعة سورة الغاشية والأعلى، وهي من قصار السور، فكم كان طول الخطبة إذن؟
لقد حضرت خطبة الجمعة يوما فكان الخطيب يتحدث عن العمل بعد الموت؟؟ صدق أو لا تصدق؟
وبالمناسبة هذه الثقافة المريضة تنتشر في طول وعرض العالم الإسلامي، طالما كانت الخطبة مصادرة بيد وعاظ السلاطين وفقهاء السلطة، ممن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، ويصدون عن سبيل الله كل من أراد قلبه أن يتفتح للحكمة.
أذكر أنني صليت في مونتريال في صلاة العيد والثورة السورية تحصد أرواح الشباب الأطهار البررة، الذين يريدون حياة أفضل فخرج الإمام يتحدث عن تعليم الصبيان.
إي والله فما كان مني إلا أن استنكرت وصرخت في من حولي للانصراف، وكنت محظوظا أن خرجت بدون لكمات ورفسات.
ومن هذه المفاهيم المغلوطة موضوع الحجاب والتشريعات التي تحتاج لتطوير؛ فلا يعقل أن تقطع يد سارق من أجل عشرين دولارا، كما أن تغطية الرأس أصبحت من أصول الإسلام الستة؟ ومن هذه المفاهيم أيضا التي لا نعثر عليها في القرآن (رجم الزانية) ولا توجد آية واحدة في القرآن تقول برجم الزانية.
والحبل على الجرار كما يقول المثل، لعشرات المفاهيم الحساسة جدا، في موضوع حصر الحج للمسلمين، وكل الآيات القرآنية مفتوحة للناس جميعا (ولله على الناس حج البيت ـ وأذن في الناس بالحج ـ إن أول بيت وضع للناس ـ إلخ)، وكذلك (الإرث) و(الطلاق)، و(ملك اليمين) حيث تذهب الزوجة بعد عشرة نصف قرن ـ إذا غضب عليها زوجها فطلقها ـ بدون أي تعويض ليس كما تفعل كندا باقتسام نصف الثروة، أو مفهوم (حرية التعبير) حيث يقول الفقهاء بأن من ارتد يقتل، ولا توجد آية واحدة في القرآن تفيد بأن من يغير رأيه يكلفه طيران رأسه.
وبين يدي بحث يجب أن يكرر بدون ملل في جو تصاعد تيارات سلفية جهادية مع داعش وفاحش في استلهام معنى الشهادة لقتل الآخرين وليس ثمة آية واحدة تعني أن الشهادة هي القتل والقتال. لنتتبع ذلك بتمعن، فليس هناك كلمة تهز الوجدان مثل الشهيد، ولا توجد كلمة أسيء استخدامها مثل كلمة الشهيد. وفي القرآن جاءت مفردات هذه الكلمة 82 مرة ولم تكن مرة واحدة في ما يريده الناس. وفي يوم كنت نزيل السجن في بلد ثوري فقرأت على الحائط الكئيب «وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين»؟.
فهذه هي وظيفة الكلمات في عصر الظلمات العربي. اغتيال الحقائق ورفع الشعارات.
وما زلت أتذكر نفسي وأنا طالب في المرحلة المتوسطة في الحقبة الناصرية حينما خرجنا نهتف بحياة (الشهيد) (باتريس لومومبا) وكان الناس يتهامسون من يكون هذا الرجل؟
وفي يوم مررت على قبر مجرم لمع نجمه كجلاد فقرأت على قبره «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون؟» وشغل المذكور منصب رئيس مخابرات في بلد ثوري عربي، وكان يحب ضرب كرام الناس بنعله على وجوههم. وفي يوم وقع تحت يده رجل دين مسيحي فقال له أعلم أن الفاتيكان سيتدخل لإنقاذك ولكنك ستمضي عندي يومين هما في عمر الزمن سنتان، ثم أمر بحبسه في دورة المياه؟ ثم سلط الله عليه من هو أشد بأسا فدفعه للانتحار فقتل على يد حافظ الأسد جزار حماة وتدمر وجسر الشغور وصيدنايا وسجن المزة العسكري وكراكون الشيخ حسن التي دخلتها وعرفتها بلحمي وعظمي ودمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى