شوف تشوف

الرئيسية

مغاربة حصلوا على البراءة من أحكام سجنية قاسية

آخرهم أحمد الطموحي الذي برأته المحكمة العليا الإسبانية

قصص تصلح للأفلام، لكنها واقعية

مواطنون مغاربة موزعون فوق خريطة العالم، صدرت ضدهم أحكام بتهم ثقيلة. وبعد أن اعتقدوا أن حياتهم حرفيا قد انتهت، لاح لهم الضوء في آخر النفق، وناضلوا لإثبات براءتهم.

آخرهم، لكن ليس أولهم، المغربي أحمد الطموحي، المنحدر من مدينة الناظور والذي هاجر إلى برشلونة الإسبانية، قبل أن يعيش سنة 1991 مأساة غيرت حياته إلى الأبد. إذ وجهت إليه تهمة اغتصاب سيدتين، ومنذ 1999 وهو يناضل لرد الاعتبار، إلى حدود الأسبوع الماضي، حيث حكمت المحكمة العليا الإسبانية رسميا ببراءته من كل ما نسب إليه.

قصص مغاربة آخرين، لا تقل غموضا وإثارة، اقترب فيها أصحابها من حبل المشنقة، ثم غادروا أسوار السجن.

في حالات أخرى، وجدنا مغاربة صدرت فعلا ضدهم أحكام بالإعدام، لكن لا تتوفر إلى الآن معطيات تفيد بتنفيذ تلك الأحكام، وما زالت عائلاتهم تعيش على أمل العثور عليهم يوما، بعد أن اتضح لها أن الأحكام التي صدرت في ظروف خاصة ضدهم لم تنفذ.

 

يونس جنوحي

 

المغربي الذي أدانته صحف لندن ونجا من المشنقة بأعجوبة

في سنة 1889، وصل مغربي اسمه «محمد بن موسى» إلى لندن، بعد أن فر على متن باخرة من ميناء الصويرة، مع حمولة شركة بريطانية، بمعية تاجرين بريطانيين وعداه بتوفير عمل له معهما.

وسبب فرار بن موسى أن ضرائب كثيرة تراكمت عليه لصالح المخزن المغربي وقتها، وسمع عن قصة اليهودي المغربي «مقنين» الذي سبق له أن فر من ميناء الصويرة إلى بريطانيا بالطريقة نفسها ما بين سنتي 1823 و1825، فقرر أن يعيد التجربة ذاتها ويبدأ حياة جديدة في أوروبا.

كان بن موسى يمتلك تجارة كبيرة في الصويرة، لكن الضرائب التي يدين بها للمخزن، والرشاوى التي طُلب منه دفعها لبعض موظفي ميناء الصويرة، كلها عجلت بسقوط تجارته، ليقرر الهرب مع التاجرين البريطانيين، حيث كانت تربطه بهما علاقات تجارية.

أحد هذين التاجرين كان اسمه «ج. ماكنزي»، ووعد بن موسى بأن يشتغلا معا في بيع السلع التي حملاها على متن الباخرة القادمة من الصويرة.

لكن ما وقع أن جريمة قتل وقعت، بعد أيام فقط على بدء بن موسى العمل مع التاجرين البريطانيين، حيث وُجد «ماكنزي» مقتولا في قلب مكتبه بفرع الشركة التي كانت تستورد وقتها بعض المواد الطبيعية من الصويرة، مثل القنب والسكر.

سبب الوفاة كان طعنة قاتلة في القلب. وقام رجال الشرطة وقتها مباشرة باعتقال بن موسى، ووجهت إليه تهمة القتل العمد. حاولت السلطات في بريطانيا لملمة الموضوع، حتى لا تنشر تفاصيله في الصحافة. إذ لم يكن سهلا وقتها أن يضبط الأمن لدى رأي عام هائج يتابع تفاصيل محاكمة أحد طرفيها بريطانيا، والطرف الآخر مغربي. كان واضحا أن بوادر الانتقام ستكون حاضرة في تفاصيل المحاكمة.

لكن ما وقع بعد عشرة أيام فقط على اعتقال بن موسى، أن المنفذ الحقيقي للجريمة اعترف بنفسه في حانة بلندن، بحضور عشرات الشهود، بأنه قتل شريكه بسبب خلاف تجاري بينهما، وألصق التهمة بالتاجر المغربي الذي حل في لندن لكي يشاركهما التجارة.

ومباشرة بلّغ بعض الحاضرين رجال الشرطة لكي يفتحوا التحقيق مع المتهم، ويعترف فورا بأنه نفذ الجريمة في غياب بن موسى، وانتظر إلى أن حل في مكتب السيد «ماكنزي» لكي يحتجزه داخل المكتب ويتصل بالشرطة، ليبدو الأمر وكأنه هو المنفذ الحقيقي للجريمة.

طُويت القضية بإطلاق سراح بن موسى، ولكن يُجهل، في ظل غياب ما يكفي من وثائق الأرشيف، مصيره ومصير ثروته في بريطانيا، سيما وأن المؤرخ عبد الهادي التازي سبق له وأن حاول الوصول إلى وثائق تتعلق بالمحاكمة، دون نتيجة. كما أن الدبلوماسي والوزير السابق عبد الهادي بوطالب حاول هو الآخر النبش في الموضوع، لكن لم تتوفر غير معطيات قليلة من تلك التي صدرت في الصحافة البريطانية، خلال تلك السنة التي وقعت فيها الجريمة.

حصل بن موسى إذن على البراءة، من تهمة أدين بها حتى قبل أن تبدأ محاكمته، ولولا المصادفة لربما صدر في حقه حكم عاجل بالإعدام.

هذه الواقعة، لم تكن سوى بداية تاريخية لما سيعيشه مواطنون مغاربة لاحقا حول العالم، من مغامرات لا يستطيع أكثر المخرجين السينمائيين جرأة أن يتخيلوا بعض التفاصيل المؤلمة المرتبطة بها.

 

 

الحسن الثاني تدخل أكثر من مرة لينصف مغاربة من غموض التحقيقات

لم تكن سنة 1996، هي المرة الأولى التي تدخل فيها الملك الراحل الحسن الثاني لدى الرئيس الفرنسي، الذي كان وقتها هو جاك شيراك، لكي يعيد فتح التحقيق في قضية إدانة المغربي عمر الرداد بثماني عشرة سنة سجنا، في قضية سوف نعود إلى تفاصيلها الدقيقة في هذا الملف.

بل كانت هناك قضية سابقة ما بين سنتي 1983 و1985، تتعلق بمواطن مغربي حاصل على الجنسية الفرنسية، يشتغل مهندسا في فرنسا، حُرم من رؤية أبنائه، بسبب حكم قضائي صدر ضده يقضي بمنح حضانة الأطفال لأمهم التي كانت تحمل أيضا الجنسيتين المغربية والفرنسية.

اطلع الملك الراحل الحسن الثاني على تفاصيل القضية في صحيفة «لوموند»، التي نقلت تصريحا للزوج يشتكي فيه مما أسماها خروقات شابت المحاكمة، مُلمحا إلى أنه سبق له متابعة زوجته بتهمة إبعاد أبنائه عنه وترحيلهم إلى فرنسا بدون موافقته.

لكن أكثر ما أثار انتباه الملك الراحل، تفصيل صغير يتعلق بتصريح هذا المهندس المغربي. إذ قال إن حماته المغربية، والتي كانت تنحدر من أسرة فاسية عريقة، كانت تهدده هاتفيا بأنها تتوفر على نفوذ واسع، وإن بوسعها سجنه إن فكر في فتح ملف في المحاكم المغربية لاستعادة أبنائه.

وهنا أمر الملك الراحل الحسن الثاني بتزويده بكل معطيات الملف، واتصل رأسا بالرئيس الفرنسي وقتها «فرانسوا ميتران»، وطلب منه إيلاء الاهتمام الكافي لملف المواطن المغربي الذي صدر مقال بشأن قصته في صحيفة «لوموند»، وأمر الملك الراحل أيضا بفتح تحقيق في المغرب في الاتهامات التي ذكرها المهندس في تصريحه للصحيفة، وفعلا تأكد للملك الراحل أن العائلة التي يواجهها المهندس المغربي لديها علاقات واسعة في المغرب، وأمر الملك الراحل الحسن الثاني باتخاذ المتعين لضمان محاكمة تضمن للطرفين حقوقهما كاملة.

بعض المصادر تحدثت عن حدوث لقاء بين الملك الراحل الحسن الثاني والمواطن المغربي، لكن لم يتأكد فعلا ما إن سبق له أن التقى الملك الراحل، لكن المؤكد في الملف أن المحاكمة أعيدت من جديد للبت في حضانة الأطفال، وأن الأطراف خُيرت بين متابعة المحاكمة في فرنسا أو في المغرب، خصوصا وأن أفراد الأسرة جميعا كانوا يحملون الجنسيتين المغربية والفرنسية، وأن الأطفال رُحلوا في إحدى العطل الصيفية من المغرب صوب فرنسا دون علم والدهم، ولم يفلح في الوصول إليهم في فرنسا، ووُجهت إليه تهم كيدية بمضايقتهم.

تَدَخُلُ الملك الراحل الحسن الثاني مكن من إعادة فتح التحقيق في ادعاءات المعنية بالأمر، خصوصا عند اتضاح استعمال أسرتها للنفوذ في المغرب لتجميد الشكايات التي وضعها الزوج، وعند رحيله إلى فرنسا بعد العطلة الصيفية لتلك السنة، فوجئ بأنه متابع في فرنسا بتهمة المساس بسلامة زوجته وأبنائه، ليعيش كابوسا كاد ينهي مساره المهني لولا تدخل الملك الراحل الحسن الثاني، لتحكم المحكمة في الأخير ببراءته من كل ما نسب إليه.

عمر الرداد.. براءة بطعم الغموض بعد إدانة بـ18 سنة

عندما يتعلق الأمر بقضية المغربي عمر الرداد، فإن المنتسبين إلى العدالة الفرنسية يطأطئون رؤوسهم.

والسبب أن خروقات كثيرة شابت التحقيق مع الشاب المغربي ما بين سنتي1991 و1994، في قضية مقتل مشغلته الفرنسية المُسنة «جيزلين مارشال»، والتي كانت تعطف عليه وشغّلته بستانيا في حديقة الفيلا التي كانت تسكنها.

ورغم أن التحقيق لم يخلص إلى دليل قطعي يدين عمر الرداد، إلا أنه لم يلتفت أحد إلى القضية، وكان هناك إصرار على أن يغرق المهاجر المغربي، الذي لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة، في التهمة حتى يتم إغلاق القضية نهائيا، خصوصا وأن مقتل المواطنة الفرنسية بتلك الطريقة البشعة، خلف استياء واسعا لدى الرأي العام الفرنسي.

في الثاني من فبراير سنة 1994 صدر حكم إدانة ضد عمر الرداد، وُحكم عليه بالسجن لثماني عشرة سنة نافذة، رغم أنه ظل متمسكا طيلة فترتي التحقيق ثم المحاكمة، ببراءته. ولم تحصل المحكمة على أي دليل مادي يدينه، ورغم ذلك صدر الحكم ضده.

كان مسرح الجريمة، عند اكتشاف الجثة، يتوفر على عنصر إدانة وحيد، لكنه لم يكن كافيا، بل إنه لا يمكن أن يعتبر عنصر إدانة ضد عمر أساسا. وهذا العنصر هو كتابة بالدم، زُعم أنها للضحية عندما كانت تحتضر، حيث أقدمت على الكتابة بأصبعها، في الجدار الذي لفظت أنفاسها الأخيرة بالقرب منه، عبارة باللغة الفرنسية تقول: «عُمر قتلني».

كل معارف السيدة «مارشال» أكدوا أن الخط الذي كُتبت به العبارة ليس خطها، وحتى الذين لم ينفوا أن يكون ذلك خطها، لم يستطيعوا أن يؤكدوا أنها كتبت تلك العبارة.

ورغم أن فرضية كبيرة تفيد بأن هناك من يريد إغراق البستاني عمر الرداد، لأنه مهاجر بسيط ولا يتحدث الفرنسية، إلا أن التحقيق في هذه الجزئية لم يعمق.

وعندما صدر الحكم، اعتبره حقوقيون فرنسيون مسرحية حاولت من خلالها المحكمة امتصاص الغضب العارم الذي اجتاح منطقة «موجان»، التي وقعت فيها الجريمة. إذ كيف يُعقل أن يُحكم على شخص في قضية قتل بثماني عشرة سنة فقط، سيما في ظل محاولات لإلصاق التهمة بعمر الرداد.

وأكثر ما أثار استغراب المتابعين، أن عمر الرداد لم يحظ بمحاكمة عادلة، ولا بجلسات تحقيق متوازنة لإثبات براءته. وتم خرق القانون الفرنسي أكثر من مرة في قضيته، دون أن يتحرك أحد لتصحيح مسار المحاكمة.

وحسب ما سبق لمحاميه، جاك فيرجيس، أن صرح به، فإن عمر الرداد لم يكن يتحدث الفرنسية وبالكاد يفهم بعض الكلمات الضرورية لقضاء أغراضه اليومية الضرورية، ليجد نفسه أمام قاضي التحقيق وهيأة المحكمة، ويُطلب منه أن يرافع ليثبت براءته. بالإضافة إلى اضطراره إلى الرد على أسئلة معمقة لم يفهمها، تتضمن مصطلحات قضائية دقيقة.

ورغم أن المحكمة لم تحصل على دليل مادي يثبت تورط عمر الرداد، الذي كان غائبا عندما وقعت الواقعة، إلا أن الملف طُوِيَ بإرساله إلى السجن 18 سنة.

تدخل الملك الراحل الحسن الثاني في سنة 1996، بعد أن قضى عمر قرابة سنتين في السجن، وطلب من الرئيس الفرنسي وقتها جاك شيراك، أن يعيد فتح الملف على الأقل للوقوف على الخروقات التي شابت المحاكمة، وفعلا خرج عمر الرداد من السجن وأعيد فتح القضية لتدخل مسارا طويلا منذ سنة 1996 إلى حدود أكتوبر 2022، حيث صدر حكم من المحكمة الفرنسية برفض مراجعة المحاكمة الأصلية التي أدانت الرداد سنة 1994.

القضية توصف في فرنسا بأنها الأكثر غموضا في تاريخ البلاد، خصوصا وأن محققين فرنسيين أكدوا أن الخط الذي كُتبت به العبارة مشكوك فيه، كما أن وزن الضحية وحالتها الصحية والجسدية يستحيل أن تُسعفها لكي تنهض وسط دمائها، مع كميات الطعنات التي وجدت في جثتها، وتكتب بالدم العبارة الشهيرة التي أدين الرداد بسببها، رغم أنها لم تكن كافية لإدانته.

 

أحمد الطموحي.. براءة مُستحقة بعد 15 سنة سجنا ونضال لثلاثين سنة

لا حديث في إسبانيا هذه الأيام إلا عن المغربي أحمد الطموحي، الذي عرفته الصحافة الإسبانية عندما غطت القضية التي أدين فيها بـ 24 سنة سجنا، قضى منها خمس عشرة سنة معتقلا بتهمة اغتصاب.

نظرات أحمد الطموحي إلى كاميرات الصحافة الإسبانية وهي تغطي خبر براءته، كافية لفهم سبب حصوله على البراءة.

نظرة ثاقبة وإصرار على براءته، كانتا وراء مواصلته معركة تصحيح الحكم الصادر ضده.

ينحدر أحمد الطموحي من مدينة الناظور، وكغيره من آلاف أبناء المنطقة، فقد قرر أن يهاجر إلى إسبانيا بحثا عن مستقبل أفضل، ولكي يعيل أسرته في البلد.

اشتغل الطموحي في البناء عند وصوله إلى مدينة برشلونة في إسبانيا، وفي سنة 1991 سوف يعيش تجربة سوداء رافقته منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، وغيرت حياته، بل وقلبتها رأسا على عقب.

ألقي القبض على أحمد الطموحي سنة 1991، دون أن يعرف سببا لاعتقاله واقتياده إلى مركز الشرطة لكي يبدأ معه التحقيق في واقعة لم يكن يعرف عنها أي شيء.

وجهت إليه الشرطة الإسبانية تهمة اغتصاب سيدتين. وبما أنه كان مهاجرا، فقد كان هناك تعاطف مع الضحيتين، ولم يركز رجال الشرطة على ضمان تحقيق عادل للمتهم.

استمرت أطوار القضية للسنوات اللاحقة، ولم يستسلم الطموحي حتى بعد صدور الحكم بسجنه 15 سنة. واستمر في نضاله من السجن لإعادة فتح التحقيق وإثبات براءته، إلى حدود سنة 1999، عندما برأته المحكمة فعلا حينما تبين أن الضحيتين ارتكبتا خطأ جسيما، وأشارا إلى الطموحي على أنه المغتصب، لأنه كان يشبه المغتصب الحقيقي الذي اتضح للمحكمة أنه إسباني اسمه «أنطونيو كاربونيل». وفعلا كان هناك شبه بين الطموحي والمغتصب.

لكن أين المشكل ما دامت المحكمة اتجهت نحو تبرئة الطموحي؟ المشكل أن الطموحي طُلب منه أن يقدم طلب عفو إلى المحكمة، وهو ما رفضه رفضا قاطعا مصرا على إثبات براءته كاملة، واستعادة كرامته ورد الاعتبار كاملا.

ومنذ سنة 1999 والطموحي يخوض المعارك القضائية، إلى أن صدر، الأسبوع الماضي، حكم نهائي في قضيته، يقضي ببراءته تماما، بعد اقتناع المحكمة، إثر اطلاع المحكمة على تقرير خبرة، ظل مخفيا عن المحكمة ولم يعرض من قبل. التقرير يقول بصراحة إن المغتصب ليس هو الطموحي، «بل شخص آخر يشبهه». وظل تقرير الخبرة هذا مُغيبا ضمن عناصر التحقيق طيلة هذه السنوات إلى أن اطلعت عليه المحكمة العليا الإسبانية أخيرا، وهي أرفع درجة للتقاضي في إسبانيا، لتصحح مسار المحاكمة وتحكم ببراءة أحمد الطموحي من كل ما نسب إليه.

 

ألمانيا تُبرئ مغربيا اتهمته بالإرهاب وسبق لها تسليمه إلى أمريكا

في سنة 2003، تعالت أصوات حقوقيين في ألمانيا لإعادة فتح ملف مهاجر مغربي يحمل الجنسية الألمانية، سلمته السلطات الألمانية إلى الولايات المتحدة، على إثر ذكر اسمه في لائحة المطلوبين للولايات المتحدة.

«الأخبار» اتصلت بالمهاجر المغربي المعني بالأمر، وصرح بأن حياته الآن تسير بصورة أفضل، وأنه قرر ألا يلتفت نهائيا إلى المأساة التي عاشها، والتي يقول إن سببها تشابه في الأسماء لا غير.

وتعود تفاصيل القضية إلى سنة 2002، أي سنة واحدة فقط بعد أحداث 11 شتنبر. فوجئ المهندس المغربي بأفراد من القوات الخاصة الألمانية يقتحمون شقته، ويعتقلونه، ويضعون ثوبا على رأسه ويقتادونه إلى مكان سري، لكي يبدأ التحقيق معه في هويته، وبعض المعلومات الشخصية، ثم تم تسليمه عبر طائرة إلى وجهة لم يعرفها في البداية، قبل أن يتأكد له أنه في معتقل غوانتانامو. يقول هذا المهندس المغربي لـ«الأخبار»: «لقد عشت تجربة مأساوية لأكثر من سنة ونصف السنة، تمسكت خلالها ببراءتي من التهم التي نسبت إلي، وهي العلاقة بتنظيم القاعدة، وزيارة أسامة بن لادن، والمشاركة في التخطيط لهجمات 11 شتنبر. رغم أنه لم تكن لدي أي علاقة نهائيا لا بالقاعدة ولا برموزها، ولم يسبق لي أن تواصلت مع أي شخص لديه اتصال بهم. لكن المحققين كانوا مصرين على استخراج اعتراف مني بوجود علاقة لي مع القاعدة. لكن في سنة 2004، سوف يعرف التحقيق منحى آخر، بعد اكتشاف المحققين أن الأمر يتعلق بتشابه في الأسماء، وأن المخابرات الألمانية وصلت إلى عنواني بسبب تشابه الأسماء بيني وبين مبحوث عنه من نشطاء تنظيم القاعدة، في إطار ما عرفت وقتها بـ«خلية هامبورغ»، ولم يكونوا يتوفرون على صورته الشخصية لتمييزه.

لقد عشت تجربة مأساوية، تسببت لي في أزمة نفسية. لكن الحقيقة أن السلطات الألمانية فور اكتشاف الخطأ بادرت إلى الاعتذار لي ولعائلتي، وأدرجتني في برنامج خاص لإعادة التأهيل النفسي، لكي أتجاوز الأزمة النفسية التي لحقتني جراء الاعتقال والترحيل إلى خارج ألمانيا».

توجد ملفات أخرى لمغاربة تم التحقيق معهم في ألمانيا، بسبب تنظيم القاعدة، كما أن هناك مغاربة تم ترحيلهم من دول أوروبية، وليس ألمانيا فقط، إلى غوانتانامو، وقضوا هناك سنوات ليحصلوا في الأخير على حكم البراءة.

الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما اعترف سنة 2017، بأن أعدادا من السجناء الذين مروا من غوانتانامو وصلوا إلى المعتقل سيئ السمعة عن طريق الخطأ، وأن اتساع دائرة التحقيق والسرعة التي تم بها الوصول إلى المتهمين وترحيلهم، كانت سببا في حدوث أخطاء كثيرة واعتقال أبرياء وترحيلهم إلى «غوانتانامو» للتحقيق معهم، قبل أن يتقرر إعادتهم إلى بلدانهم.

 

مغاربة مجهولو المصير واجهوا أحكام الإعدام في العراق..

من بين القضايا الشائكة التي أدين فيها مواطنون مغاربة بتهمة الإرهاب، أو الخيانة، تلك التي تتعلق بالمغاربة المقيمين في العراق، خلال فترة الاجتياح الأمريكي وسقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين.

إذ مباشرة بعد سقوط النظام، اعتقل مواطنون مغاربة في العراق، لم تعرف أعدادهم بالضبط، وأدانتهم المحاكم العراقية التي تأسست بعد إسقاط النظام السابق، وحكمت على بعضهم بالإعدام، بتهمة حمل السلاح في العراق والقتال مع الموالين للرئيس الأسبق صدام حسين.

وتحدثت «الأخبار» إلى مصدر من تنسيقية المغاربة العائدين من العراق وسوريا، وهي التنسيقية التي برزت منذ سنة 2020  للدفاع عن حقوق العائدين وعائلاتهم وإدماجهم في المجتمع المغربي. المصدر الذي تحدثنا إليه رفض الكشف عن اسمه، وصرح بالآتي:

«لدينا ملف شائك للمغاربة مجهولي المصير في العراق. وأحدهم أدين فعلا بالإعدام، لكننا لا نعرف إلى اليوم ما إن نُفذ فيه الحكم، أم أنه لقي مصرعه في السجن أو خارجه.

والسبب، هو الظروف التي كانت تعيشها العراق منذ سنة 2003 إلى حدود انسحاب القوات الأمريكية من البلاد. ورغم المحاولات الكثيرة لربط الاتصال ببعض الإخوة الذين كانوا في العراق، أو عادوا منه في عز الأحداث، إلا أن عائلة المعني بالأمر لم تتوصل بأي معلومات عن مصيره.

وكما لا يخفى عليكم، فإنه في ظل عدم وجود تمثيلية دبلوماسية رسمية مغربية في العراق، فإنه يتعذر علينا ربط الاتصال بالإدارات العراقية لمعرفة مصير المغربي الذي صدر فعلا ضده حكم بالإعدام، في محاكمة صورية أدانته بتهمة القتال مع المدافعين عن نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، والمشاركة في أعمال استهدفت القوات الأمريكية في العراق.

علما أن هذا المغربي، حسب ما توفر لدينا من معلومات، لم تتوفر أدلة كافية لإدانته وإصدار حكم إعدام ضده، سيما وأن الأوضاع في البلاد كانت غير مستقرة، وأن المغربي المعني بالأمر كان مهاجرا يعمل في العراق، ولم يذهب إليه في إطار الدعوات إلى الجهاد وقتال القوات الأمريكية».

المثير في هذا الملف، أن أطرافه لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم كما في الحالات السابقة التي تطرقنا إليها. إذ إن الأمر هنا يتعلق ببلد كان يعيش على صفيح ساخن، بسبب التحولات السياسية والعسكرية. والتهم التي قد يدان فيها الأفراد بأحكام الإعدام ما بين سنتي 2003 و2006 لا تشكل اليوم أي خطورة، بل تدخل في إطار المقاومة ضد «الاحتلال» الأمريكي للعراق.

وحسب المصدر الذي تحدثت إليه «الأخبار»، فإن الأمر يتعلق بمغاربة آخرين مفقودين في سوريا والعراق، ولم تتوفر أدلة كافية لإدانتهم أو تأكيد تهمة حمل السلاح في العراق، ضدهم. إذ إن الأمر يتعلق بمهاجرين مغاربة كانوا يعيشون في العراق قبل الاجتياح الأمريكي، ورفضوا مغادرة البلاد، في الوقت الذي سبق للولايات المتحدة أن دعت إلى فرض عقوبات عليها. وفضلوا البقاء في العراق إلى أن بدأت الحرب. وآخر اتصال لهؤلاء المغاربة مع عائلاتهم، كان خلال فترة انتظارهم للأحكام، لتنقطع أخبارهم تماما مع صدور الحكم، دون أن تتوفر للعائلات أي معلومات بشأن تنفيذ الأحكام من عدمه.

يقول مصدر «الأخبار» إن بعض العائلات تتوصل بين الفينة والأخرى بمعلومات تؤكد لها عدم وجود أسماء أبنائها لا في لوائح الذين نُفذ فيهم حكم الإعدام، ولا في لوائح السجناء الذين أفرج عنهم لاحقا. وهو ما يضع تساؤلا كبيرا بشأن مصير هؤلاء المغاربة، خصوصا وأن المحاكمات التي أدانتهم، وبشهادة حقوقيين دوليين، شابتها خروقات بالجملة، بل وكان فيها تصفية حسابات سياسية بين التيارات العراقية. وهو ما يعني وجود احتمال كبير ببراءة هؤلاء المغاربة الذين أدينوا بتلك التهم.

فهل يأتي يوم نرى فيه هؤلاء المغاربة ينالون حكم البراءة، ولو غيابيا، من التهم التي نسبت إليهم في سياق دولي ساخن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى