شوف تشوف

الرأي

معنى أن تموت في كندا..

يونس جنوحي
في الوقت الذي يطالب فيه الأجانب الذين قرروا الاستقرار النهائي في المغرب، بأن يُدفنوا بين المغاربة في مقابر خاصة بهم، وبينهم مشاهير وكُتاب وأثرياء ينحدرون من أسر أرستقراطية أوربية، يعاني المغاربة الذين هاجروا إلى كندا مع دفن أحبائهم أو نقل جثامينهم إلى المغرب.
وهذه المعاناة ليست مرتبطة فقط بظروف الحجر الصحي وإغلاق بعض الدول لمجالها البحري والجوي، وإنما تمتد إلى سنوات خلت بسبب تعقيدات الإجراءات وارتفاع تكلفة خدمة نقل الموتى جوا ليُدفنوا في المغرب، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف مراسيم الدفن في دولة مثل كندا، وفق تعاليم الشريعة الإسلامية.
هناك من لم يجدوا اختيارا رغم وصايا أقربائهم قبل وفاتهم بأن يُدفنوا في مسقط رأسهم، واستسلموا للأمر الواقع وقرروا التوجه إلى مصالح بلديات المدن التي يقطنون بها لمباشرة إجراءات الدفن في كندا، مع ما يمثله كل ذلك من خيبة أمل وعجز عن تنفيذ وصايا مواطنين مغاربة قضوا أكثر من نصف حياتهم مغتربين يحولون خلالها الملايين إلى المغرب ليوفروا العملة الصعبة ويعيلوا عائلاتهم، وعندما رغبوا فقط في أن يُدفنوا في بلدهم الأصلي، لم يجدوا من ينفذ طلبهم الأخير.
قام الصحافي المغربي المقيم في كندا أمين الإدريسي ببحث في الموضوع، ونشر مقالات بخصوص معاناة الأسر المغربية مع ارتفاع تكاليف الجنائز وقيام بعض الجهات المحسوبة على الإشراف على الشأن الديني بمراكمة التبرعات باستغلال أسماء المتوفين وجمع مبالغ كبيرة من وراء تلك المناسبات، بل وكثرة الوسطاء الذين يشتغلون في هذا المجال مستغلين تقدير الجالية الكندية للقيمين على المساجد والمراكز الإسلامية المنتشرة في البلاد.
بل وهناك حالات لتعرض عائلات مغربية في كندا للنصب والاحتيال على يد من ينصبون أنفسهم قائمين بالشأن الديني هناك، وبينهم مغاربة للأسف، حيث يطلبون من العائلات مبالغ مرتفعة لإنهاء إجراءات الدفن أو تنظيم مراسيم وفق الشريعة الإسلامية، حتى أن إحدى المفارقات الساخرة تتجلى في أن الشيء المجاني الوحيد هو تغسيل الميت فقط، إذ يتولى بعض المتطوعين القيام به «لوجه الله» ويرفضون نهائيا تقاضي أي تعويض عنه، وهو ما يحرم الوسطاء من مبالغ إضافية.
إذا كانت الأسر ميسورة، فإن الوسطاء يحاولون السمسرة في تكاليف الإجراءات للاحتفاظ بهامش ربح مرتفع من وراء معاناة الآخرين، حيث يحتفون بأكثر من ألف دولار على أقل عملية وساطة.
أما إذا كان المتوفى معوزا، أو لم يستطع أقرباؤه تسديد تكاليف نقل الجثمان جوا إلى المغرب، فإن الحدث يصبح فرصة ذهبية أمام بعض هؤلاء السماسرة الذين يجمعون مبالغ طائلة من وراء العملية مستغلين تعاطف الجالية المغربية والمسلمة في كندا، في غياب تام للشفافية ورغبة المحسنين في ألا تعرف أسماؤهم ولا حجم المبالغ التي تبرعوا بها.
ومع ظروف الوباء والحجر الصحي والإغلاق التام، فإن تكلفة الجنائز في كندا أصبحت تفوق المتوقع، وهو ما يجعل معاناة المهاجرين المغاربة تتفاقم.
الجيل الأول من المغاربة الذين هاجروا إلى كندا، ليسوا من أفواج المهندسين الذين تستقطبهم وكالات تهجير الكفاءات في إطار هجرة الأدمغة. فقد كان أغلب هؤلاء السباقين إلى الاستقرار بكندا، من المهاجرين الذين عملوا في قطاع التجارة وتسيير المقاهي والمتاجر والنقل الطرقي وحتى في قطاع الفلاحة. وهؤلاء من رسخوا مكانة المغاربة في كندا، وقضوا أزيد من نصف قرن هناك بعد أن نجحوا في الاندماج داخل المجتمع الكندي، ومنهم من رفضوا الحصول على الجنسية الكندية، رغم أن أبناءهم ولدوا في كندا. وظلوا يحملون الجواز المغربي الأخضر إلى آخر يوم في حياتهم. وهو اليوم الذي لم يجدوا فيه حتى يتطوع لنقلهم إلى القرى والمداشر والمدن التي قضوا حياتهم في تحويل أموالهم إليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى