كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن معطيات صادمة بخصوص استمرار تنامي ظاهرة تزويج القاصرات بالمغرب، حيث يتم تزويج حوالي 30 ألف طفلة سنويا دون احتساب عدد الطفلات اللواتي يتم تزويجهن عن طريق ما يسمى بزواج الفاتحة، وأوصى المجلس بتجريم تزويج الأطفال بشكل غير قانوني والوساطة في ذلك.
وأكد المجلس، في دراسة حول المبررات القضائية المعتمدة لتزويج الطفلات، أن تزويج الأطفال بالمغرب يعتبر ظاهرة مقلقة، مشيرا إلى أن مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004، كثورة هادئة على التقاليد وعلى الأعراف وعلى الممارسات الضارة، ألغت أشكالا من التمييز بين الجنسين في عدة مجالات، من بينها تحديد سن الزواج للجنسين في 18 سنة، إلا أن ما نصت عليه من استثناء يجيز للمحاكم إمكانية إصدار اذن بتزويج من لم يبلغ سن 18 سنة، بموجب مقرر قضائي معلل يحدد الأسباب والمصلحة، جعل هذا المقتضى يتحول من استثناء إلى قاعدة.
وتؤكد الإحصائيات الرسمية، الصادرة عن وزارة العدل بشأن تطبيق مدونة الأسرة، أنه خلال سنة 2018 تم تقديم 32104 طلبات تتعلق بالزواج من أطفال، مقابل 30312 طلبا سنة 2016، مما يؤكد تنامي الطلبات المقدمة إلى المحاكم بهذا الخصوص. وتؤكد الاحصائيات نفسها أنه خلال الفترة ما بين 2011 و2018 استجابت المحاكم إلى 85 بالمائة من هذه الطلبات، وخلال الفترة ما بين 2007 و2018 تؤكد هذه الإحصائيات أن الطفلات يشكلن حوالي 99 بالمائة من مجموع المعنيين بهذه الطلبات.
وكشفت الدراسة أنه إذا كان الاعتقاد السائد يذهب لاعتبار تزويج الأطفال وبالأخص الطفلات بالمغرب يبقى ظاهرة قروية بامتياز، فإن المؤشرات العددية تؤكد عدم وجود اختلاف واضح بين الوسطين القروي والحضري بخصوص معدلات الزواج دون سن الأهلية خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن إحصائيات وزارة العدل تقتصر على الزواج القانوني والذي يتم أمام محاكم الأسرة ولا تشمل زواج الفاتحة.
وخلصت الدراسة إلى أن تزويج الطفلات تحول من استثناء إلى قاعدة بسبب ارتفاع نسب الاستجابة إلى الطلبات المقدمة إلى المحاكم، كما أن مدونة الأسرة لم تحط تزويج الأطفال أو القاصرين بضمانات قوية. ورصدت الدراسة عدة ثغرات قانونية تتجلى في عدم التنصيص على سن أدنى للزواج، وعدم التنصيص على إلزامية الجمع بين البحت الاجتماعي والخبرة الطبية، وإغفال الطرف الراشد الراغب في الارتباط بطفلة، حيث يبدو أجنبيا على مسطرة الإذن بزواج قاصر، وعدم التنصيص على الاستماع للطفل (ة)، وعدم تحديد مفهوم المصلحة، وعدم إلزامية احترام مقتضيات المواد 20 و21 من مدونة الأسرة، بإمكانية الالتفاف عليها من خلال مسطرة ثبوت الزوجية.
وأمام قصور النص القانوني، أشارت الدراسة إلى أن أقسام قضاء الأسرة طورت ممارسات فضلى في تطبيق مقتضيات المواد 20 وما يليها من مدونة الأسرة، من قبيل الاستماع إلى الطفلة على انفراد للتأكد من عدم تعرضها لأي إكراه أو ضغط، وعدم الإشارة في حالة وجود إكراه في مقرر رفض الإذن إلى هذه العلة، لتجنيب الطفلة أي ضغوط من طرف أسرتها، والاكتفاء بتعليل رفض الطلب لكون مصلحة الطفلة لا تكمن في تزويجها في سن مبكر، واستدعاء الخطيب للاستماع إليه لتكوين قناعة المحكمة في منح الإذن أو رفضه، وتكليف الخطيب بالإدلاء بوثائق إضافية من قبيل السجل العدلي أو وثيقة تثبت دخله، والتأكد من تقارب السن بين الطرفين، مع إصدار مقررات اسمية تتضمن اسم الخطيب الذي استمعت إليه المحكمة لتفادي أي تحايل على الإجراءات.
وحسب خلاصات الدراسة، يلاحظ أن المبررات التي تعتمد عليها المحاكم تركز بشكل كبير على الظروف الاجتماعية والاقتصادية، بحيث يبدو وكأن الهدف من تزويج الطفلة هو إيجاد حل آني لمشاكل الفقر والهشاشة والتسرب المدرسي.
ويلاحظ غياب المعطيات المتعلقة بالصحة الإنجابية في معالجة طلبات تزويج الأطفال، فالأسئلة التي توجه إلى الطفلات غالبا ما تركز على تاريخ صيام رمضان كمؤشر لمعرفة تاريخ وصول الطفلة إلى سن البلوغ، في المقابل يلاحظ عدم إعطاء أي معلومات للطفلة حول مخاطر الزواج المبكر ومخاطر الحمل المبكر سواء من طرف القضاء أو المساعدين الاجتماعيين؛ كما أن بعض الأذون القضائية تركز على معياري السن والمظهر الخارجي للبت في الطلبات المقدمة إلى المحاكم، ويلاحظ في عدة حالات الاستغناء عن إجراء الخبرة الطبية لتجنيب الأطراف مصاريف إضافية خاصة إذا كانوا ينتمون إلى فئات هشة، ويلاحظ وجود تفاوت كبير بين المحاكم في تقدير المبررات المعتمدة لقبول طلبات تزويج الطفلات، خاصة ما يتعلق بحالة الفتيات اللواتي تعرضن إلى حمل خارج إطار مؤسسة الزواج، أو تعرضن للاغتصاب، وما يسهم في طرح هذا الإشكال هو عدم الاعتراف القانوني بالأطفال المزدادين نتيجة اغتصاب أو تغرير بقاصر واستمرار تجريم الإيقاف الإرادي للحمل وتضييق إمكانية اللجوء إلى الإجهاض الآمن في الحالة التي يشكل فيها خطرا على صحة الفتاة، ويؤدي تعارض المقتضيات القانونية بين مدونة الأسرة والقانون الجنائي في عدة حالات إلى إفلات المغتصبين من العقاب.
ويلاحظ أنه كلما تشددت المحاكم في الاستجابة إلى طلبات تزويج الأطفال بإضافة شروط جديدة أو في تدقيق الإجراءات للتأكد من جدية الطلبات المقدمة إليها، إلا وانعكس ذلك سلبا على وضعية الطفلات حيث يلجأ عدد من أولياء الأمور إلى الإحجام عن تتبع المسطرة القضائية، والاكتفاء بإبرام زواج الفاتحة، وهو زواج لا يمنعه القانون، بل يلاحظ وجود اتجاه للتساهل معه حماية لمصلحة الفتيات بعد الإنجاب.
محمد اليوبي