النعمان اليعلاوي
على بعد أيام قليلة من اجتماع مجلس الأمن الدولي للتداول حول ملف الصحراء المغربية، أقدمت عناصر من جبهة البوليساريو المتواجدين بمنطقة الكركرات الحدودية، على تنفيذ عدد من الاستفزازات، في تحد صارخ لتوجيهات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتريس، الذي كان قد طالب بشكل مباشر تلك العناصر الانفصالية بالانسحاب من المنطقة العازلة وعدم المساس بالسيرورة العادية لحركة النقل بالمنطقة الحدودية بين المغرب وموريتانيا، وهي التوجيهات التي ضربتها المجموعة الانفصالية عرض الحائط، وأقدمت، في تصرف استفزازي تصعيدي آخر، على تخريب الطريق المعبدة الرابطة بين معبري “بير كندوز” و”انواذيبو”، في تحد صارخ للمنتظم الدولي.
في أول تعليق رسمي على التوتر الذي شهده المعبر الحدودي، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة الداخلة، «إن من يمارس الاستفزازات يخرج عن الشرعية الدولية، ويضع نفسه في مواجهة مع الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهذا ليس بغريب على جماعات تشتغل بمنطق العصابات».
وأوضح بوريطة، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيريه من غينيا بيساو كارلا باربوزا، ومن غينيا الاستوائية سيميون أويونو إيسونو أنج، عقب افتتاح قنصليتي بلديهما بالداخلة، أن المغرب كان موقفه على الدوام أنه «لا مسار سياسي مع عصابات، لا مسار سياسي مع قطاع الطرق، لا مسار سياسي مع من هو فاقد للمصداقية، ومن يشتغل كجماعات مسلحة وكعصابة».
وتابع الوزير قائلا: «اليوم، نرى قطاع طرق بالمعنى الحقيقي.. هذا لا يمكن أن يكون مخاطبا للمغرب، ولا يمكن أن يشكل أساسا لأي مسار سياسي»، معتبراً أن «أعمال قطاع الطرق لن تؤثر على المسار الذي اتخذه المغرب، والذي يمشي فيه بقناعة الدول، وبالشرعية الدولية، وبالمواقف الواضحة للأمم المتحدة حول هذه الاستفزازات وحول عدم شرعيتها، سواء من قبل مجلس الأمن في قراراته في 2017، أو من قبل الأمين العام للأمم المتحدة».
مزايدات وتصريف لأزمات داخلية
قال الموساوي العجلاوي، الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية، إن «الدوافع وراء التحرك الأخير للعناصر الانفصالية في المنطقة الحدودية بين المغرب وموريتانيا، هي دوافع متعددة ومتداخلة، بمصالح مختلفة، أولها أن قيادة جبهة البوليساريو الحالية هي من صنع البشير طرطاك، وهو جنرال كان مكلفا بتنسيق المؤسسات الأمنية، وهو اليوم معتقل، وبالتالي فقيادة البوليساريو هي من نتاج جهاز انقرض داخل الدولة الجزائرية»، مضيفا أن «قيادة البوليساريو تعيش على وقع المزايدات بين تيارات متنافسة حول من هو الأقرب إلى «القضية». وقد ظهر هذا الجانب في عدة تصريحات من داخل الجبهة»، يضيف العجلاوي، مبرزا أن «التحركات الأخيرة للعناصر الانفصالية هي ترجمة لنوع من التسابق بحثا عن شرعية ما، وهذا سبب من داخل البوليساريو وراء هذه التحركات».
من جانب آخر، أكد العجلاوي على أن هناك سببا آخر للأحداث الأخيرة يرتبط بالجارة الشرقية الجزائر، وهو أن «الواجهة الجديدة بالجزائر بحاجة إلى إفهام الجيران والعالم أن هناك تحولا في النظام الجزائري، وأن الجزائر أصبحت شرسة في سياستها الخارجية، من خلال ثلاثة ملفات، وهي الملف الليبي والملف المالي وملف الصحراء»، مؤكدا على أنه «لا يمكن للبوليساريو أن تتحرك دون ضوء أخضر من الأجهزة الأمنية والعسكرية الجزائرية»، حسب العجلاوي، الذي أوضح «هناك مستوى ثالث يرتبط بالتحول في الموقف الدولي، وهو التحول الذي ينعكس من جهة من خلال عدم استعجال المنتظم الدولي في تعيين مبعوث الأمين العام، كما أن كل التقارير الجديدة للأمين العام للأمم المتحدة أو لمجلس الأمن الدولي، تؤكد على أن لا وجود لأي شيء اسمه الأراضي المحررة».
وقال العجلاوي إن «النبش في ملف الكركرات ومنطقة المهيريز، كلها تبين أن البوليساريو تخرق وقف إطلاق النار الذي وقعته مع المينورسو، في دجنبر سنة 1991، في الوقت الذي وقع المغرب اتفاق وقف إطلاق النار مع المينورسو في يناير من سنة 1992، وبالتالي فخرق البوليساريو لهذا الاتفاق يتيح للمغرب الرد السريع»، مبينا أن «التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، وحركية كوهلر التي تجسدت في الموائد المستديرة، والتي تؤكد على إقليمية النزاع وأن الدولة الجزائرية هي جزء من الإشكال والنزاع، وجبهة البوليساريو خدمة للدولة الجزائرية لا تريد هذا الطرح، وبالتالي فالهدف وراء هذه التحركات الأخيرة هو تغيير مرجعية النزاع في الصحراء».
واعتبر العجلاوي أن فتح 15 دولة لقنصلياتها في الأقاليم الجنوبية، هو مكسب مهم بالنسبة للمغرب من الناحية الديبلوماسية، مبرزا أن «البوليساريو تلعب بورقة أنها «دولة» عضو في الاتحاد الإفريقي، وهي الورقة التي سقطت من يدها بعدما أكدت عدد من الدول الإفريقية سيادة المغرب على الصحراء، وهذه الأمور في مجملها ضربة للطرح الانفصالي»، مبينا أن «هذا التحول في ملف الصحراء على المستوى الدولي، دفع البوليساريو إلى هذه الممارسات الطفولية الأشبه بممارسات قطاع الطرق منها إلى ممارسات منظمة تبحث عن حل سياسي»، مشددا على أن «مجلس الأمن هو المكلف وفق المادتين 34 و35 المتعلقتين بالسلم والأمن الدوليين، باتخاذ قرارات أو إنزال عقوبات معينة، وفي ملف الصحراء يصعب الحديث عن اتخاذ عقوبات خصوصا تجاه أي طرف بالتحديد في هذه الوضعية».
رد فعل على فشل متلاحق
يرى تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي بالرباط، نائب رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، أن الخلفيات وراء التحرك الأخير للعناصر المحسوبة على جبهة البوليساريو في منطقة الكركرات، مردها إلى أن «البوليساريو وجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة، سواء على مستوى الملف لدى مجلس الأمن الدولي ودور الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، أو على مستوى التطور الإيجابي لصالح المغرب في المنطقة، من خلال فتح قنصليات لعدد من البلدان الإفريقية في الأقاليم الجنوبية»، حسب الحسيني، الذي أشار إلى أن «البوليساريو تعلم أن هذه التطورات لا تعمل لصالحها، لذلك ارتأت أن تخلق المفاجأة عن طريق حشد عدد من مناصريها للقيام بأعمال أقل ما يقال عنها إنها أعمال قطاع الطرق، بحيث لم يقتصر الأمر على التجمهر في الطريق المؤدية إلى موريتانيا، ولكن بلغ الأمر إحداث حفر ومطبات في هذه الطريق لجعلها غير صالحة للاستعمال».
وبين الحسيني أن «الهدف لدى البوليساريو وراء هذا التحرك الأخير هو استفزاز المغرب لغرض إثارة انتباه مجلس الأمن الدولي، والدفع به إلى اتخاذ قرارات مختلفة عن طبيعة التوجه الذي يسير فيه إلى حد الآن»، مؤكدا أن «السلطات المغربية تفهمت هذا الواقع وقررت التعامل معه بما يناسب الوضع، وقد حافظت على رباطة الجأش، والتزام السلوك الأمني المنضبط، وكانت النتيجة أن مجلس الأمن سيجتمع للبت في الملف اليوم (الثامن والعشرين من أكتوبر)، وستبقى الأمور على ما كانت عليه، وسيتم تمديد مهمة المينورسو لسنة كاملة، كما ستفتح المزيد من البلدان تمثيليتها في قلب المدن الجنوبية وسترتفع الاستثمارات الاقتصادية الكبرى في مدن الداخلة والعيون وغيرها، وهذا ما يبحث عنه المغرب في اللحظة الراهنة، ليرتفع الاقتناع بطرح الحكم الذاتي».
وأشار الحسيني إلى أنه «بعد اجتماع مجلس الأمن، الذي سيعقد اليوم، من المنتظر أن يتخذ المغرب قرارا جديدا، من قبل تمديد الجدار الأمني نحو الحدود مع الأراضي الموريتانية، وهذا يدخل في إطار ممارسة المغرب لسيادته على أراضيه، كما يمكن أن نشهد ارتفاعا لعدد الدول التي تفتح تمثيليات ديبلوماسية في الأقاليم الجنوبية، والتي تتبنى مشروع الحكم الذاتي وتدافع عنه، وكلها مسارات موازية يمكن أن تؤطر المسارات التي دفع لها المغرب من قبيل التسوية السلمية للنزاع مع الجزائر»، مبرزا أنه وإن كانت «نافذة الجزائر الآن ستبقى مغلقة إلى حين، حيث إن القيادة الحالية في الجزائر غير مستعدة للتوصل إلى توافق مغاربي، وإن كانت الكرة الآن في يدها بعد التوجه الملكي إلى المطالبة بإنشاء لجنة ثنائية لمناقشة كل القضايا ذات الاهتمام المشترك بما فيها موقف الجزائر من الصحراء وقضية إغلاق الحدود».
وأكد الحسيني على أن البوليساريو «دأبت كلما اقترب موعد اجتماع مجلس الأمن لمناقشة ملف الصحراء المغربية، على القيام بهذه الاستفزازات، من قبيل الاستعراضات العسكرية في المناطق التي يحرم عليها الوصول إليها، والتي تدخل في إطار المناطق العازلة بما فيها المنطقة الأولى والثانية والتي لا يمكن أن تتواجد فيها البنايات لا المدنية ولا العسكرية، أو من خلال التهديد الصريح من خلال قياداتها على أنهم سيضطرون إلى حمل السلاح والدخول في حرب، وهذا الخطاب غالبا ما يكون موجها إلى مجلس الأمن لحثه على اتخاذ قرارات أكثر صرامة تجاه المغرب، أو تحريك بعض الأطراف التي تقوم بالدفاع عنهم بما فيها الجزائر أو جنوب إفريقيا، في محاولة يائسة لإقحام الاتحاد الإفريقي في التسوية لهذا الملف، وهذا الأمر كان من بين الروتين المعروف للبوليساريو كلما اقترب اجتماع مجلس الأمن».
وضع هش ومحاولات واهنة
اعتبر خالد شيات، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة، أن «التحركات الأخيرة للأفراد المحسوبين على البوليساريو في منطقة الكركرات، يحكمها ظرفان، أولهما مستمر والثاني متقطع، فالمستمر يتمثل في الوضع الذي يرى فيه الانفصاليون أنفسهم في منظومة دولية وإقليمية، من خلال تراجع التأثير العاطفي وما يوازيه من منن ومنح مالية ومساعدات، وأيضا مواقف سياسية من جهات رسمية وحكومية، وخاصة في ما يتعلق بالمواقف التي باتت تعبر عن ثقتها في المسار السياسي تحت إشراف الأمم المتحدة، في الوقت الذي أصبح الخيار الداعم للانفصاليين محصورا جدا في مواقف بعض الدول الداعمة وعلى الخصوص جنوب إفريقيا والجزائر»، مبرزا أن «هذا الوضع الهش الذي تعيشه البوليساريو في علاقتها مع الدول وحتى الحكومات ومنظمات المجتمع المدني بالخصوص في أوروبا أو أمريكا الجنوبية، أوجد الكيان الانفصالي أمام حالة ملحة للتدخل على مستوى ما يسمى بانفصاليي الداخل، وأيضا على المستوى الإقليمي مدفوعا من الجزائر».
وأكد شيات أن «العامل المتقطع الذي يحكم مثل هذه الاستفزازات التي يقوم بها انفصاليو البوليساريو، هو تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وهذا يكون دائما محركا لمثل هذه التحركات»، مشيرا إلى أن «هذا يعطي فكرة حول مستوى الوهن الذي وصلت إليه البوليساريو وحليفتها الجزائر، حيث إنه إذا كانت هذه هي الآليات التي باتت في يدها من أجل محاولة التأثير على الموقف الدولي، فإننا في مواجهة طرف لا يملك أي طرق، سوى هذه التي هي في الأصل واهنة، ولعل أوهن الطرق التي باتت في يد البوليساريو هي محاولة إيقاف معبر الكركرات، وبالتالي محاولة بلقنة المنطقة»، مبرزا أن «هذه الاستفزازات قد تستمر أياما وقد تستمر أكثر من ذلك، والمغرب لن ينجر وراءها، وينتظر ما ستقوم به المينورسو والقرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن الدولي».
وأشار شيات إلى أن «البوليساريو في حاجة إلى محاولة بلقنة الوضع، على اعتبار أنه ليس في صالحها الوضع الحالي، وبالتالي فإن هذا الواقع يمكن أن يستمر من الناحية الزمنية، وإذا صدرت في ظل قرار مجلس الأمن الدولي إشارة إلى ضرورة احترام الوضع القائم وحفظ السلم، فستكون حينها البوليساريو مجبرة على التراجع عن هذه الأعمال وإلا ستكون خارج إطار القانون الدولي وغير محترمة له»، مشيرا إلى أن «اختصاصات المينورسو تنحصر في مراقبة الوضع والتزام الأطراف بحفظ السلام، وعدم تعيين المبعوث الشخصي للأمين العام في المنطقة ربما ساعد في عدم وضوح الرؤية خلال هذه المرحلة بالنسبة للأمم المتحدة، ويمكن القول إن الأمين العام للأمم المتحدة من اختصاصاته تقديم تنبيهات وتوجيهات، لكن ما سيصدر عن مجلس الأمن الدولي هو الذي سيكون ذا طابع ملزم وقانوني».