معارضة الزمن الضائع
إذا أردت أن تعرف معنى معارضة الزمن الضائع، فما عليك إلا أن تستمع إلى خطابات النائب العيدودي، المتابع من طرف جرائم الأموال في قضايا اختلالات، والذي يحفظ بضع كلمات غريبة قبل أن يدخل البرلمان للتباهي بها، أو أن تستمع إلى مزايدات محمد أوزين، وزير «الكراطة» الأسبق، الذي يبحث عن الوصول إلى منصب الأمانة العامة لحزبه، عبر توظيف العنتريات في الجلسات الدستورية، قبل محاولة تبريد الطرح بمكالمات هاتفية يقوم بها بعد خراب مالطا، أو الطبيب عبد الله بوانو الذي أصبح يقتصر دوره على لعب دور الفقيه في القانون الدستوري، ويقوم خلال كل جلسة برلمانية للتذكير بمساطر النظام الداخلي وقرارات المحكمة الدستورية.
في الحقيقة من يسمع خطابات هؤلاء وغيرهم، خلال جلسات دستورية منقولة مباشرة على قنوات الإعلام العمومي المؤدى عنه من جيوب دافعي الضرائب، يتأسف أن جيلا من السياسيين في زمن ولى أمضوا نصف عمرهم في السجون والمنافي، من أجل أن تخلفهم طبقة سياسية تائهة وتافهة تضيع وقت المغاربة.
والأدهى والأمر من كل ذلك، أن من يتدخلون باسم المعارضة المفترى عليها، لا قضية عندهم سوى الهرولة من أجل ضمان مكانة مهمة في حزبهم لم يكونوا يحلمون بها، أو القيام بـ«البوز» السياسي لشراء شهرة مبتذلة، هروبا من الوقوف أمام محكمة جرائم الأموال، أو التباكي على ولايتين غير مأسوف عليهما. لذلك وجدنا أنفسنا أمام شخصيات كاريكاتورية، البعض يناضل لكي يكون أمينا عاما، والبعض يمني نفسه بأن يتهرب من المساءلة القضائية، والبعض لا يريد أن يستوعب أنه أصبح حزبا مجهريا لا يكاد يرى بالعين المجردة، ويوهم نفسه بالعيش على الماضي.
إن أكبر خطر يواجه أي نظام سياسي، هو عندما يفتقد برلمانه إلى كتلة معارضة تكون رقيبة على أعمال الحكومة وتحد من توغلها وتغولها، ولعل جلسات «السيرك» التي يعيشها البرلمان، منذ انطلاق هاته الولاية، هي من نتاج فقدان هذا الدور الرقابي للمعارضة على الحكومة، فالمعارضة تلهث وراء المزايدات والبوليميك وإهدار زمن المغاربة، بدل تفعيل الدور الرقابي على السلطة.
وبدون شك فإن استمرار فقدان المعارضة للبوصلة، باعتبارها الجزء الأهم من العملية الديمقراطية، سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى أمرين أحلاهما مر، الأول غياب وجود أحزاب بديلة، ليتم انتخابها بعد نهاية الولاية بشكل طبيعي أو غير طبيعي، أما الأمر الآخر فهو اتخاذ الرأي العام زمام المبادرة، وتشكيله هو بذاته جبهة المعارضة الشعبية للتعبير عن سخطه وامتعاضه من هذا الفراغ القاتل، لأن أي جزء من الشعب لم يجد من يمثله بشكل حقيقي داخل المعارضة، سيقوم للعب ذلك الدور بنفسه في وسائل التواصل الاجتماعي أو الفضاء العام، فالسياسة تأبى الفراغ.