الزواج طقس بشري وممارسة اجتماعية لأغراض بيولوجية ودينية واقتصادية. يتزوج البشر لإتمام نصف دينهم، أو لإتمام نصف «صاليرهم»، أو لعقد هدنة بين الممالك المتطاحنة أو للحفاظ على الثروة المتوارثة داخل العائلة الواحدة. ظل المجتمع المغربي، إلى وقت قريب، مجتمعا محافظا منغلقا على نفسه. «زيتنا فدقيقنا وخبزنا ماياكلو البراني»، حيث كان الشكل الوحيد للزواج المختلط في بلادنا هو ارتباط أهل الصحراء بأهل الشمال مثلا. غير أن هذا الترابط «الجيني» القوي للمغاربة سيتلقى ضربات متتالية ستعمل على تفكيك أواصره المتينة. كان لانفجار أول بئر بترول في أراضي الخليج تأثير الفراشة على باقي دول المنطقة. سمحت الطفرة «الترشرشية» للخليج بامتلاك السلاح والأبراج الشاهقة، والأندية الرياضية والكثير من العرائس الأجنبيات. نتذكر الأصوات الداعية إلى الزواج من «البوسنيات» لإنقاذهن من أهوال الحرب والتهجير. أصوات لم يسمع لها صدى أثناء حرب السودان أو مجاعات إفريقيا جنوب الصحراء.
برزت ظاهرة زواج المغربيات من أهل الخليج مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حيث أصبح الإقبال على الزوجة المغربية «الحادكَة المتقنة للمسمن والبغرير» تقليدا خليجيا متداولا. ساهم زواج بعض الفنانات المغربيات من أمراء أو رجال أعمال خليجيين في تعزيز رغبة الكثير من الشابات في ملاحقة حلم «العريس البترودولاري». حلم سرعان ما تبخر أمام الواقع المر للزواج المختلط من عنف زوجي أو إهمال في النفقة، أو اختطاف للأطفال أو إنكار للنسب. خلف هذا النوع من الزواج مآسي اجتماعية عديدة وتعقيدات قانونية شائكة. «تكافينا غير مع المغاربة لي ناكرين ولادهم وهاربين بالنفقة».
انتعشت تجارة زواج «الخليج بالمحيط»، حيث ظهرت العديد من المهن التي تسهل «توفيق راسين فالحلال»، من «خطابات» ووسطاء ينتقون لزبنائهم «سلعة نقية». لا ننكر أن الاستمرارية والنجاح كانا حليف الكثير من الزيجات المختلطة، حيث ساهم زواج بعض المغربيات من أهل الخليج في انتشال أسر عديدة من براثن الفقر والحاجة، إذ إن ارتباط شابة مغربية بثري خليجي كان يعتبر بمثابة نهضة اقتصادية داخل أسرتها ومعارفها. «كلشي كيتصوفا»، ليعيش الجميع في رفاهية وبذخ تحت ظل «طال عمره». تدهور سوق الزواج المختلط في السنوات الأخيرة بعد اقتحام لاعبين إقليميين ودوليين «محرتكين» للساحة «التزاوجية». شهدت عملة العروس المغربية سقوطا مدويا في سوق البورصة الخليجية، مقابل انتعاش ملحوظ في البورصات المصرية والباكيستانية والبنغلاديشية.
كيف تحولت المغربية من عروس مدللة، مهرها مرتبط بسعر برميل البترول، إلى «أم شنطة» تلاحق العرسان «المكَردين» في مصر والهند؟
كيف لشابات في عمر الزهور أن يخضن مغامرات غير محسوبة العواقب، ويتنقلن بمفردهن إلى دول غير آمنة من أجل الزواج بالعاطلين والفاشلين و«المسطيين»؟ والعودة برفقة «أزواج الغفلة» إلى المغرب؟ ليصبحوا عالة على بلد «لي فيه يكفيه». نشاهد يوميا آلاف الضحايا اللواتي يناشدن السلطات، عبر فيديوهات استغاثة، لإنقاذهن من العنف والاحتجاز وسوء المعاملة. مظهر آخر من مظاهر الاستغلال يتجلى في المتاجرة بالزوجة المغربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح «حب المغرب» عملة مربحة تسترزق بها بعض الجنسيات، وشعار «أنا بحب المغرب قوي» مهنة من لا مهنة له. لقد «لحست» الدراما التركية عقول المغربيات. أصبحنا نرصد سيناريوهات غرامية باهتة على أرض الواقع. نسخ «مزغبة» من «مهند التركي» وموديلات عاطلة عن العمل من «البشمهندس المصري». الزواج ليس فقط «سبعيام د الباكور»، وإنما هو قرار مصيري مبني على الاستقرار المادي والحماية القانونية للطرفين. فأي استقرار وأية حماية تكمن في الارتباط بالوهم؟ لا تقتصر رحلات الزواج الاستكشافية على النساء فقط، فالرجل المغربي له باع طويل في «سوق الكَاوريات». يخوض الشاب المغربي رحلة البحث عن «صكوك الغفران» طمعا في الخلاص من سجن البطالة و«راس الدرب»، وأملا في الوصول إلى ضفاف الفردوس المفقود حيث ينتظره نصيب من الإنسانية و«السوسيال».
رحلة بحث يقايض فيها المغربي شبابه مقابل جواز سفر أزرق. شاهدنا جميعا نماذج مخجلة لشباب يمارسون النصب والاحتيال على «عاقيصات» أمريكيات في برامج تلفزيون الواقع. صورة مسيئة للوطن وللرجل المغربي على حد سواء. ليس من الشهامة أو «القفوزية» التلاعب بمشاعر نساء في أرذل العمر من أجل ضمان تذكرة سفر نحو حياة أفضل. يطرح تصاعد معدلات الزواج المختلط لدى المغاربة أكثر من سؤال.
صحيح أن التزاوج بين الأعراق المختلفة سنة من سنن الله في الأرض، لكن الرغبة المتزايدة لدى الشباب في تنفيذ هروب جماعي كبير نحو المجهول مؤشر خطير على فقدان الثقة والأمان والإحساس بالانتماء لوطن أصبح يلفظ أبناءه. تحاصر معضلة الزواج المختلط طابوهات عرقية وجندرية شائكة. أصوات مناهضة لاستفحال ظاهرة الأزواج الأجانب العاطلين «المكسلين فديور نسابهم». وأصوات قلقة على مصير الخريطة الجينية للمغاربة مستقبلا. تثير هذه التساؤلات قلقا مشروعا حول نوع جديد من الاستعمار الناعم.
تساؤلات تواجه باستهجان من طرف حراس معابد الصوابية السياسية «لي عندهم دايما العام زين». اتهامات بالعنصرية والتمييز الجنسي ضد النساء والنيو- نازية. اتهامات مجانية لمغاربة همهم الوحيد أن تحافظ الأجيال القادمة على «إتقان الرفيسة والرقص على أنغام أحيدوس والاستمتاع بكاس اتاي مغربي مشحر».