طنجة: محمد أبطاش
احتفلت جماعة طنجة أخيرا بأنها استطاعت تحرير سكان المدينة من أزمة المطرح العمومي، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في رئة المدينة على مدار 45 سنة، وتحويله رسميا إلى منطقة المنزلة بضواحي المدينة، بعد معاناة الجميع. غير أن هذا الاحتفاء سيتحول إلى نقمة على مستوى الجماعة المستقبلة لهذا المطرح.. في هذا الخاص، تكشف «الأخبار» كيف أن المطرح الجديد سيتسبب في إعدام قرى هادئة بمحيط البوغاز، فضلا عن القضاء على آخر المحميات الطبيعية التي تمتد على نحو 14 ألف هكتار في ظل ضعف المواكبة التقنية، ما نتج عنه ظهور تسربات لعصارة النفايات في المراحل التجريبية الأولى لهذا المطرح…
قالت مصادر محلية إن محمية تهدارت، التي تعتبر المتنفس الوحيد لمدينة طنجة عبر مساحة تقدر بـ 14 ألف هكتار، تبدأ من ضاية سيدي قاسم بقرب مطار ابن بطوطة إلى حدود مدينة أصيلة بواد غريفة تمر بمزارع أحد الغربية ثم غابة حجر النحل، باتت مهددة بالإعدام بسبب المطرح الجديد، إذ في سنة 1980 تم إطلاق هذه المحمية التي تضم أنواعا كثيرة من الطيور المهاجرة والأسماك والغابات، إلا أن التوسع المرتقب الإعلان عنه بخصوص هذا المطرح سيساهم لا محالة في إعدامها، أو دفع الطيور المهاجرة للابتعاد عن هذه المناطق، الأمر نفسه بالنسبة للمحميات المائية التي ستجف وستتعرض للتلوث نتيجة غبار حرق النفايات من جهة، وتضرر الفرشة المائية من جهة ثانية.
واستغربت هذه المصادر لتجاهل المادة 50 من القانون رقم 10-95 المتعلق بالماء والنصوص المتخذة لتطبيقه من القانون، والتي تنص على أنه لا يمكن الترخيص بإقامة المطارح المراقبة بجوار المناطق الحساسة والمناطق المحظورة والمحمية المنصوص عليها في نفس القانون، كما لا يمكن الترخيص بإقامة هذه المطارح بجوار المنتزهات الوطنية والمجالات المحمية والمناطق ذات المنفعة السياحية والمواقع ذات المنفعة البيولوجية والإيكولوجية والمناطق الرطبة والغابوية والمدارات المسقية والمناطق البورية ذات الطاقة الإنتاجية الزراعية المرتفعة وكذا خارج المواقع المعينة في المخططات المديرية لتدبير النفايات المنصوص عليها في هذا القانون. كما تم كذلك تجاهل عرائض تقدمت بها جمعيات المجتمع المدني بجماعة «حجر النحل» بإقليم طنجة، حيث أكدت هذه الفعاليات أن المطرح من شأنه أن يهدد صحة المواطنين فضلا عن المحميات المجاورة، منها «تهدارت» لكونها تتضمن أصنافا نادرة من الطيور منها طائر «الحبارى الملتحية» الذي لم يتبق منه سوى أربعة أنواع، وتتأثر بالروائح. وأضافت الفعاليات أن هذا المطرح سيكون مجاورا للسدود المحلية، إلى جانب الفرشة المائية لمحمية «تهدارت» التي ستكون مهددة وفق تعبير هذه الجمعيات المدنية.
وتقول مصادر محلية إن هذا المشروع سيضع أكثر من 20 مدشرا بالمنطقة في قلب المعاناة اليومية، بسبب الروائح التي يخلفها، إلى جانب الغبار الذي سيعتلي سماء المنطقة، كما هو الشأن بمنطقة مغوغة التي سبق لسكانها أن راسلوا في مرات متعددة المجالس المتعاقبة، بسبب ما تخلفه هذه الروائح من أمراض الجلد والحساسية.
مفاجأة التسربات
في ظل استعداد جماعة طنجة لإعلان نقل المطرح العمومي صوب المنزلة القروية، تفجرت قضية تسربات لعصارة النفايات باتجاه أراضي الفلاحين والسكان القاطنين بجواره، مما أكد مشروعية تخوفات الساكنة والنشطاء بخصوص إعدام المداشر المحلية والمحميات وغيرها، مما جعلهم يخرجون في احتجاجات واسعة، ليتبين، بعد تحريات قامت بها اللجان المختصة، أن الشركة الفائزة بالصفقة والمنجزة للدراسة تواجه مشاكل في عدد من الأحواض التي تم إنشاؤها بطرق مغايرة لتلك التي تشتغل بها في عدد من الدول، وباتت هذه الأحواض مهددة بالاختفاء في ظرف زمني لا يتعدى عاما ونصف العام نظير أطنان من النفايات التي ينتظر أن تنقل إلى المطرح الجديد من مدينة طنجة، وهو الأمر الذي سينعكس سلبا على عمليات الفرز وتدوير النفايات.
يأتي هذا في الوقت الذي تواجه الشركة كذلك مشاكل عديدة مرتبطة بموقع المطرح العمومي الجديد، الذي يتواجد بدوار سكدلة التابع لجماعة المنزلة، وتأثيره الفعلي على البيئة بالمنطقة والمرتبط أساسا بعمليات الطمر أمام مواجهة انجرافات للتربة المبللة على طول السنة تقريبا، ما يهدد عددا من الأحواض في حال شهدت المنطقة تساقطات مطرية قياسية. فما الحل، إذن، حتى يتسنى الحد من رقعة التسربات وحصرها في المكان المحدد حاليا؟
حواجز وهضبات
تقول بعض المصادر إنه لا حل للمشكل المطروح بخصوص مطرح النفايات بطنجة سوى إعادة بناء حواجز لتجمع المياه الملوثة ومنع تسربها إلى الفرشة المائية، وتثبيت هضبة المطرح، وتقوية حواجزه وتأهيل مداخله. وتهم المرحلة الأولى، التي اعتبرتها دراسة أنجزتها المؤسسة الألمانية للتعاون التقني في وقت سابق، بناء حاجز لتجميع المياه الملوثة يساهم أيضا في تثبيت الهضبة ومنع انزلاقها، وبالتالي الرفع من قدرات استغلال المطرح في انتظار إيجاد حل جذري لإشكالية معالجة النفايات الصلبة بمدينة طنجة. هذه الدراسة، تقول المصادر المتتبعة للملف، سرعان ما تم إهمالها في ظروف غامضة، مما يجعل قضية التسربات واردة في كل خطوة تخطوها الشركة الوصية على تدبير الملف، في حال قيامها بحفر مطامر جديدة لتخزين النفايات، أو الإبقاء عليها في دائرة واحدة بعيدا عن أراضي السكان والفلاحين الصغار، الذين يعتبر قطاع الفلاحة التضامنية مصدر رزقهم الوحيد.
غاز الميثان المستقبلي
وقفت «الأخبار» على معضلة خطيرة تتعلق بغاز الميثان المتواجد على مستوى المطرح القديم بمنطقة مغوغة، وما يشكله من خطورة على ساكنة المدينة، خصوصا وأن تقريرا رسميا حذر من مغبة تجاهله. وتبين أن الجماعة باتت عاجزة، باعتراف عمدة المدينة، عن إيجاد حل وسط لمسألة غاز الميثان، فبينما تفكر الجماعة في تحويله لطاقة تستفيد منها المدينة، فإن أصواتا محلية تنبه لمخاطر الأمر، نظرا لوجود المطرح المطمور على بعد أمتار فقط عن منازل الساكنة، مما سيجعل هذا الأمر يشكل تحديا حقيقيا.
هذا الموضوع المتعلق بغاز الميثان بات يشكل هاجس خوف على مستوى المداشر المتواجدة بجماعة المنزلة، حيث إن الشركة الوصية على تدبير المطرح وضعت ضمن خطتها ضرورة القيام بطمر النفايات الصلبة والمنزلية، وهي قنبلة موقوتة تزحف صوب هذه المداشر الهادئة، خصوصا وأن مطرح مغوغة لايزال شاهدا على الأمر.
وسبق لتقرير رسمي صادر عن لجنة التعمير وإعداد التراب والمحافظة على البيئة داخل جماعة طنجة، أن حذر من خطورة التأخر الحاصل في عملية نقل مطرح مغوغة إلى المطرح الجديد، وذلك بعد رصد اللجنة لمخاطر باتت تهدد المدينة بأكملها، وتتعلق بإمكانية انفجار غاز الميثان السام على خلفية أطنان من النفايات التي يتم تخزينها تحت تراب مقاطعة مغوغة، في ظل تقلص المساحة المخصصة لهذا المطرح، وهو ما وصفه المسؤول المذكور بالقنبلة الموقوتة التي بات من الواجب التحرك لإيجاد حل لها. وقال التقرير إن «هذا الجيل الثالث من المطارح أثبت بعض السلبيات من خلال كون مجموع ما نجمعه من النفايات تذهب إلى الأرض، والكل يعرف أن الأراضي الحضرية تكون تكلفتها مرتفعة جدا، علما أن طنجة تخزن مليون طن من هذه الأزبال في السنة».
نشطاء: «صمت جماعة المنزلة كان وراء تمرير القرار» ورئيس الجماعة يعتذر
قال ناشط محلي بجماعة المنزلة فضل عدم الكشف عن هويته، في حديث مع «الأخبار»، «إن الكل تضامن مع ساكنة مدينة طنجة، لأنها عانت الأمرين لسنوات، خصوصا القاطنين بمقاطعة مغوغة بحكم مجاورتهم للمطرح، غير أن عملية تنقيله لجماعة المنزلة كان يجب أن تكون نموذجية، حيث إنه سيتسبب في عدة عوائق من بينها تلوث الفرشة المائية بالأراضي المجاورة للمطرح بحكم تسرب العصارة المستخلصة من النفايات المنزلية، وانبعاث الروائح الكريهة بعد ما كانت المنطقة هادئة ومحاطة بملك غابوي شاسع إضافة إلى الرعي، حيث سيشكل خطرا على الماشية التي تقتات من الأراضي المحيطة به».
وأضاف المصدر نفسه أن من بين أخطاء تدبير الملف اختيار الرئيس المطرح بعيدا عن المنطقة وكذلك اختيار شركة لبنانية، متسائلا عن المعيار الذي اعتمدته جماعة طنجة والسلطات الوصية لاختيار هذه الشركة مع العلم أن دولة لبنان ليست متفوقة في تدبير النفايات، مؤكدا أنه كان من اللازم اختيار دول متفوقة مثل ألمانيا، هولندا إسبانيا أو فرنسا»، مشددا على أن الجميع يحمل المسؤولية لجماعة المنزلة لصمتها تجاه مرور القرار دون أن تسجل موقفها بهذا الخصوص.
ومن جهتها، ربطت «الأخبار» الاتصال برئيس الجماعة عبد الإله أفيلال، حول ما ورد على لسان نشطاء محليين وصمت الجماعة تجاه موضوع تنقيل المطرح لنفوذها الترابي، غير أنه اعتذر عن الكلام في الموضوع حتى وقت لاحق كما جاء على لسانه، دون تفاصيل أكثر.
في ظل استعداد جماعة طنجة لإعلان نقل المطرح العمومي صوب المنزلة القروية، تفجرت قضية تسربات لعصارة النفايات باتجاه أراضي الفلاحين والسكان القاطنين بجواره، مما أكد مشروعية تخوفات الساكنة والنشطاء بخصوص إعدام المداشر المحلية والمحميات