شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

مشروع عُمره تسعون عاما!

 

مقالات ذات صلة

 

يونس جنوحي

 

في سنة 1934، أي قبل تسعين سنة من اليوم، اجتمع عشرة مغاربة، في إطار لجنة أطلقوا عليها «لجنة العمل المغربية»، ووقعوا وثيقة يمكن اعتبارها واحدة من أقدم وأهم الوثائق السياسية المغربية، قدموا خلالها تصورا واضحا لإصلاح سياسي في مغرب تتحكم فيه فرنسا في ذلك الوقت، ولا تسمح بأي نشاط سياسي كيفما كان نوعه.

أغلب أعضاء اللجنة كانوا دون الأربعين وهم من الأسماء التي صار لها شأن سياسي في المغرب بعد ذلك، وتفرقت بهم السبل جميعا ومنهم من اغتيل بعد الاستقلال على يد المتعصبين. نجا من الاستعلامات الفرنسية والمخبرين واليد الحمراء ومناصري اليمين الفرنسي في الرباط والدار البيضاء، لكنه قُتل على يد أبناء بلده، بسبب حسابات سياسية ضيقة جاءت في ظروف 1956.

وحتى الذين لم يتم اغتيالهم، فقد اغتيلوا سياسيا مثل محمد بن الحسن الوزاني الذي ظل يصرخ بعد الاستقلال في جريدته «الرأي العام»، ويندد بالاختطافات التي تعرض لها أعضاء حزبه «الشورى»، دون أن يتوقف النزيف السياسي في المغرب.

هؤلاء العشرة كانوا هم: «عبد العزيز بن ادريس، أحمد الشرقاوي، محمد الديوري، محمد غازي، عمر بن عبد الجليل، علال الفاسي، محمد بن الحسن الوزاني، محمد المكي الناصري، محمد اليزيدي وأبو بكر القادري».

هؤلاء العشرة جميعا، تركوا وراءهم إرثا من الوثائق والمؤلفات، ومنهم من اشتغل في مناصب دبلوماسية ووزارية، لكن لم يكتب لهم أن يقودوا أي مشاريع سياسية طيلة ما تبقى من حياتهم، رغم أنهم حملوا هَمَّ الإصلاحات السياسية في المغرب منذ بداية الثلاثينيات.

في سنة 1937، سوف يجتمع المنخرطون في الحركة الوطنية المغربية لتأسيس نواة عمل سياسي مغربي هو الأول من نوعه، لكن للأسف بدا واضحا لمن حضروا الاجتماع أن اجتماعات سريا قد عُقد في فاس، قبل الاجتماع الرسمي المرتقب، وظهرت «الكواليس» السياسية في ذلك الوقت، ليخرج المشروع السياسي الأول في المغرب «مائلا» من الخيمة. ومن يومها والانقسامات هي العنوان الأبرز في تاريخ الأحزاب الوطنية.

استمر الذين حملوا هم الإصلاح في الكتابة النقدية، حاملين مشاريعهم السياسية معهم إلى آخر أيام حياتهم.

ماذا وقع منذ تسعين سنة إلى اليوم؟ لماذا لم تعد جل الأحزاب السياسية تحمل مشاريع سياسية تنويرية، وتقترح إصلاحات من هذا النوع؟

أغلب الأحزاب اليوم تستعين بمكاتب خدمات في التواصل، وبموظفين يتولون صياغة البلاغات وكتابة أجوبة السيد الأمين العام وأعضاء المجلس الوطني وتعميمها في الصحافة، لأن أغلب وجوه النخب تعجز للأسف عن تكوين جملة مفيدة، فما بالك باقتراح برنامج سياسي أو إثراء نقاش عمومي حول قضية من القضايا.

عندما اجتمع العشرة الذين ذكرناهم أعلاه للتوقيع على مشروع الإصلاحات، اقترحوا أن يُترجموه أيضا إلى الفرنسية. وكم كانت صدمة المسؤولين الفرنسيين كبيرة وهم يطالعون الكُتيب الذي صدر بعنوان «Plan de Réformes Marocaines».

فرنسية أنيقة وأفكار واضحة وجمل حادة، حملت توقيع «لجنة العمل المغربية»، صدرت في سياق سنة 1934 الذي كانت خلاله الإدارة الفرنسية مشغولة عسكريا وتخاطب المغاربة بالمدافع وبناء الثكنات على أطراف جبال الأطلس. لذلك اهتزت وزارة الخارجية الفرنسية عندما طالع موظفوها الكُتيب، ليدركوا أن عليهم خوض حرب أخرى ضد المغاربة، في معترك السياسة أيضا.

عندما تتأمل المصير السياسي للعشرة الذين هندسوا المشروع، لا يمكنك إلا أن تتأكد أن أخطر ما في السياسة، أنها تُجهز على أصحابها أولا، بل وتجعل بعضا منهم يتولون هذه المهمة بأنفسهم!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى