شرع عشرات الآلاف من سكان غزة في شد الرحال إلى مناطق سكنهم شمال القطاع، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء بين إسرائيل وحركة حماس حيز التنفيذ. الفلسطينيون النازحون شدوا الرحال للعودة إلى منازلهم، بعدما أجبروا على مغادرتها من جراء عمليات القصف غير المسبوق التي تعرضوا لها في حرب الإبادة الجماعية، التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حقهم، ردا على عملية الهجوم التي نفذتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، يوم السابع من أكتوبر 2023.
الأخبار + وكالات
بعد أكثر من 15 شهرا من الحرب المدمرة، التي خاضتها إسرائيل ضد سكان غزة، بعد هجوم السابع من أكتوبر، بدأ آلاف النازحين الفلسطينيين، أول أمس الاثنين، رحلة عودتهم إلى شمال القطاع.
وفي مشاهد ملحمية، بدأت جموع الفلسطينيين بالعودة عبر «شارع الرشيد» في تمام الساعة السابعة صباحا بالتوقيت المحلي، وذلك سيرا على الأقدام، بناء على اتفاق وقف إطلاق النار.
كما بدأ آلاف النازحين المرور بمركباتهم من جنوب قطاع غزة، عبر محور نتساريم إلى مناطق سكنهم، في محافظتي غزة والشمال.
وقال شهود عيان إن مركبات تحمل نازحين وأغراضهم بدأت بالمرور من محور نتساريم وسط القطاع عبر شارع صلاح الدين، بعد خضوعها لتفتيش أمني.
وتخضع المركبات التي تمر عبر المحور من شارع صلاح الدين لتفتيش أمني بجهاز (X-RAY)، وفق اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في 19 يناير الجاري.
فرحة وأهازيج وتكبيرات
بمجرد ورود أنباء فتح نقاط العبور، انطلقت صيحات الفرح من آلاف الأسر النازحة في الملاجئ والمخيمات. وقالت غادة وهي أم لخمسة أطفال: «ما في نوم.. أنا جهزت كل الأغراض مشان (لكي) أرجع مع أول ضوء نهار». وأضافت: «على الأقل إحنا راجعين لبيوتنا، هلقيت (الآن) بقدر أقول الحرب خلصت وأتمنى أن يستمر الهدوء».
وسادت حالة من الفرحة في صفوف النازحين العائدين إلى منازلهم، والذين انتظروا بدء هذه اللحظة في شارع الرشيد الساحلي منذ السبت الماضي. وردد العائدون الفلسطينيون أهازيج وطنية في طريق عودتهم من محافظات جنوب القطاع والوسطى إلى محافظتي غزة والشمال، كما رددوا التكبيرات.
وحزم عشرات الآلاف من النازحين أمتعتهم وخيامهم، يوم السبت الماضي، وتوجهوا إلى شارع الرشيد الساحلي، بالتزامن مع تسليم كتائب القسام المجندات الإسرائيلية الأربع.
الطريق الساحلي للقطاع عرف حركة عودة مستمرة منذ فتح الحاجز، صباح أول أمس الاثنين، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، حيث يتدفق آلاف النازحين من جنوب ووسط القطاع، سيرا على الأقدام، في أجواء تختلط فيها مشاعر الفرح بالعودة مع واقع الدمار المنتظر.
«وإن كانت البيوت ركاما»
على مسافة كيلومترين فقط من محور نتساريم، تدفقت حشود هائلة من النازحين على شارع الرشيد. هنا، تستريح العيون قليلا، بعد رحلات نزوح مريرة لتنظر نحو الشمال، حيث تنتظر البيوت المدمرة عودة أصحابها.
«نريد أن نذهب إلى الركام، نريد أن نعيش كما يتيسر لنا»، بهذه الكلمات يختصر رجل من تل الهوا حكاية العودة، وفي صوته أمل، وهو يتحدث عن بناء عريش أو خيمة على أنقاض منزله.
على جنبات شارع الرشيد الذي يشهد تدفق آلاف النازحين، يضيف الرجل: «نريد أن نعيش.. إن شاء الله يكون هذا آخر دمار.. ويسترنا الله ويشفي جرحانا».
وعلى طريق العودة شمالا أيضا، يقول نازح آخر: «الفرد منا متشوق للعودة إلى داره، ليرى أولاده ومنزله»، في جملة تلخص مشاعر آلاف المبتهجين العائدين إلى مناطقهم التي اضطروا إلى مغادرتها منذ بداية الحرب، بالرغم من أن منازلهم التي تركوها لن تكون صامدة في أغلب الحالات.
الفصائل ترحب
أكدت الفصائل الفلسطينية أن عودة النازحين، من مناطق جنوب القطاع إلى الشمال، أفشلت كل مخططات التهجير القسري للسكان، خارج قطاع غزة.
وقال منذر الحايك، المتحدث باسم حركة فتح، في تصريح صحافي، إن «مشهد عودة النازحين إلى غزة والشمال، على الرغم من الدمار وعدم وجود مساكن تؤوي العائدين، هو بمثابة رسالة واضحة أن الشعب الفلسطيني يرفض التهجير الطوعي والقسري وسيبقى متمسكا بأرضه».
في السياق ذاته، قالت حركة حماس، في بيان أصدرته، إن عودة النازحين «انتصار لشعبنا، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير»، لافتة إلى أن مشاهد عودة الحشود الجماهيرية إلى مناطقهم التي أجبروا على النزوح منها، رغم بيوتهم المدمرة، «تؤكد عظمة شعبنا ورسوخه في أرضه، رغم عمق الألم والمأساة».
وتعليقا على المشهد، كتب عزت الرشق، القيادي في حماس: «هنيئا لشعبنا في غزة هذه العودة الميمونة». وأضاف: «هذا يوم عظيم، ومشهد عودة النازحين إلى الشمال تتحطم أمامه كل أحلام وأوهام الاحتلال في تهجير شعبنا الفلسطيني».
كما أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن عودة مئات آلاف النازحين إلى شمال قطاع غزة، الذي دمره الاحتلال، في «مشهد أسطوري»، «رد على كل الحالمين بتهجير الشعب الفلسطيني».
وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إن «مشهد عودة جماهير شعبنا إلى منازلهم في غزة والشمال هو صفعة مدوية لمخططات الاحتلال، وبداية فشل مشروع التهجير القسري، الذي سعى العدو إلى فرضه بالنار والدمار والمجازر وحرب الإبادة»، وأشارت إلى أن الشعب الفلسطيني يثبت مرة أخرى بإرادته الصلبة ودماء شهدائه ومقاومته الباسلة، أن «كل محاولات الاقتلاع والإبادة ستتحطم أمام صموده الأسطوري».
من جهتها، قالت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إن «عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة، تمثل فشلا إضافيا لحكومة الاحتلال الإسرائيلي وخطة الجنرالات، لتهجير أبناء شعبنا».
تحذيرات إسرائيلية
حذر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي من «الاقتراب من قوات الجيش في كل أماكن انتشارها وتمركزها في منطقة جنوب القطاع، ومن معبر رفح ومنطقة محور فيلادلفيا». كما حذر من «ممارسة السباحة والصيد والغوص والدخول إلى البحر، خلال الأيام المقبلة».
وجاء بيان أدرعي بعد أن أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في وقت متأخر من مساء السبت الماضي، أن إسرائيل وحركة حماس توصلتا إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن 6 أسرى إسرائيليين، بينهم أربيل يهود، مقابل السماح للمهجرين الفلسطينيين بالعودة إلى شمال القطاع.
ومنعت إسرائيل عودة النازحين إلى غزة والشمال، حيث ربط رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عودتهم بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود، وفق بيان صادر عن مكتبه يوم السبت المنصرم.
ومساء السبت الماضي أيضا، أعلنت قطر أنه في إطار الجهود المستمرة التي يقودها الوسطاء، تم التوصل إلى تفاهم بين الطرفين يقضي بأن تقوم حركة حماس بتسليم «يهود» واثنين من الأسرى الإسرائيليين، قبل الجمعة المقبل، كما ستقوم حماس بتسليم 3 أسرى إضافيين، يوم السبت، وفقا للاتفاق.
وفي المقابل، تتضمن التفاهمات -وفق البيان- أن «تسمح السلطات الإسرائيلية، ابتداء من صباح الاثنين بعودة المواطنين النازحين في قطاع غزة من الجنوب إلى المناطق الشمالية من القطاع».
من جانبها، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) – في بيان- إنها سلمت الوسطاء قائمة بأسماء الأسرى الإسرائيليين، الذين ستفرج عنهم طيلة المرحلة الأولى من الاتفاق.
ويكمن الخلاف الأساسي في تصنيف هذه الأسيرة، فبينما تصر المقاومة الفلسطينية على أنها تُعد «عسكرية»، تصر إسرائيل على أنها «مدنية»، وفق إعلام إسرائيلي.
الحاجة إلى المساعدات
مع توقع عودة أكثر من مليون نازح إلى شمالي غزة، تبرز الحاجة الملحة إلى الخيام والمساكن المتنقلة لتوفير مأوى مؤقت للعائدين، خاصة مع حجم الدمار الكبير الذي لحق بالمباني السكنية والبنية التحتية في المناطق الشمالية.
ومنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تتدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر 3 معابر رئيسية.
ويستقبل الجنوب النصيب الأكبر منها، حيث تعبر ما بين 300 و400 شاحنة يوميا من معبري رفح البري وكرم أبو سالم. في حين يدخل إلى شمالي القطاع ما بين 150 و200 شاحنة عبر معبر إيرز، ليصل إجمالي الشاحنات اليومية إلى نحو 600 شاحنة.
وبينما تتواصل عودة النازحين إلى شمالي غزة، تستعد المنظمات الإنسانية لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
وفي هذا الجانب، قال كاظم أبو خلف، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، إن عودة النازحين إلى مناطقهم تمثل «نقطة فارقة» في العمل الإنساني، خاصة بعد شهور من التنقل القسري، بسبب أوامر الإخلاء المتكررة.
وأوضح أن اليونيسف أدخلت عشرات الآلاف من قطع «المشمع» الكبيرة، التي يمكن استخدامها كخيام مؤقتة، مشيرا إلى دخول شاحنات تحمل مواد تنظيف ومواد غذائية.
وتابع أن الاستجابة الإغاثية تشمل جميع المؤسسات العاملة في المجال الإنساني، سواء التابعة لمنظومة الأمم المتحدة، مثل اليونيسف والأونروا ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، أو المؤسسات الشريكة مثل الصليب الأحمر ووزارة الصحة الفلسطينية.
وأوضح أن المنظمات الإنسانية «تنسق مع وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، لمراقبة وصول المساعدات إلى مستحقيها، خاصة في ظل ما شهده القطاع من حالات نهب سابقة»، مؤكدا استمرار تقديم المساعدات رغم هذه التحديات.
وأشار إلى أن «16 أو 17 مستشفى فقط من أصل 36 تعمل بشكل جزئي حاليا، إضافة إلى توقف عشرات المراكز الصحية المنتشرة في قطاع غزة عن العمل».
وأكد أن العاملين في المجال الإنساني «على درجة عالية من التنسيق»، مشيرا إلى أن «تحسن الوضع وتوفر المواد وانخفاض الأسعار، سيحتاج إلى وقت».
وقال: «المسألة تحتاج إلى وقت حتى يبدأ الناس بالشعور بالفرق، لكن على كل الأحوال بدأنا والناس بدؤوا يتحركون، وهناك إلى حد ما التزام بوقف إطلاق النار، سينتج عنه توسع في العمل الإنساني».
+++
مؤطر
«استسلام كامل»
اعتبر إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل، أن عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة هي «جزء مهين آخر من الصفقة المتهورة» لوقف إطلاق النار.
وقال بن غفير في تغريدة على منصة «إكس»: «إن افتتاح طريق نتساريم هذا الصباح (أول أمس الاثنين)، ودخول عشرات الآلاف من سكان غزة إلى شمال قطاع غزة، صورتان من انتصار حماس، وجزء مهين آخر من الصفقة المتهورة. هذا ليس ما يبدو عليه «النصر الكامل» – هذا ما يبدو عليه الاستسلام الكامل».
وأضاف: «لم يقاتل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي الأبطال، ولم يضحوا بأرواحهم في قطاع غزة، لجعل هذه الصور ممكنة».
وطالب وزير الأمن القومي السابق بالعودة إلى الحرب في قطاع غزة، وقال: «يجب علينا العودة إلى الحرب والتدمير!»
وفي وقت سابق، أعلن حزب القومية اليهودية «عوتسماه يهوديت»، الذي يترأسه بن غفير، استقالة زعيمه ووزيرين آخرين من أعضاء الحزب من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بسبب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.