شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

مسلمون بلا حدود..

يونس جنوحي

من اتجاهاته الأربعة، تابع مسلمو العالم أجواء وقفة عرفة بالبقاع المقدسة في أول موسم حج بعد الاحترازات التي فرضتها أجواء كورونا وما تبعها من إغلاق شامل وحجر صحي وفرض للإجراءات الاحترازية.

وهذا العام، أول موسم حج يحاكي، ولو بعدد أقل من الحجاج، مراسيم السنوات السابقة.

هناك انتقادات كثيرة يقودها بعض «التقدميين» ويدعون من خلالها إلى عدم الاهتمام كثيرا بتفاصيل مراسيم الحج ويوم الوقفة، كما لو أن مشاكل العالم مع الأوبئة مصدرها موسم الحج. والحال أن بعض التجمعات غير المعلن عنها في أكثر من مكان في العالم، تسببت في انتشار وباء كورونا، علما أن موسم الحج ألغي خلال العامين السابقين، وحتى عندما تم السماح بدخول المعتمرين، خصوصا خلال رمضان، فإن العملية رافقتها إجراءات مشددة لتفادي انتشار الفيروس في صفوف المعتمرين القادمين من مختلف أنحاء العالم.

العلماء المتخصصون في علم الأوبئة يعرفون أكثر من غيرهم أن العالم مر بمحطات تشبه كثيرا ما وقع خلال انتشار وباء كورونا. ولم تكن هذه المرة الأولى التي ألغي فيها موسم الحج أو يضطر فيها الحجاج إلى العودة أو يفرض عليهم الحجر الصحي. بل إن القرنين الماضيين سجلا حالات انتشار لأمراض كانت أفتك من «كورونا» قبل أن يجد لها العلم لقاحا فعالا. وكان موسم الحج وقتها مناسبة لكي يرفع الناس أكفهم إلى الله طلبا للشفاء.

عندما يلجأ المسلمون إلى السماء، يُسمى الأمر تخلفا. لكن عندما يدعو رؤساء الدول المتقدمة التي تقود العالم، رهبان الكنائس والبابا شخصيا لكي يؤدوا صلوات يطلبون فيها رفع الوباء، يسمى الأمر «ارتباطا بالروحانيات».

دونالد ترامب الذي كان رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة انتشار جائحة كورونا وكان ضحاياها داخل البلاد بعشرات الآلاف يوميا، اجتمع مع ممثلي المؤسسات الكنسية وتلا معهم الصلوات أمام الكاميرات. ورؤساء وزراء دول تعتبر إلى اليوم على رأس لائحة الدول التي تتوفر على خدمات طبية متطورة جدا، ربطوا القضاء على «كورونا» بـ «حلول السماء» بعد أن انتهت لديهم حلول الأرض.

وعلى كل حال، فإن الذين يوجهون اللوم للمسلمين لأنهم لا يزالون متمسكين بموسم الحج والشعائر المقدسة ويحجون إليها من كل مكان في الأرض، نسوا أن ديانات أخرى لديها تجمعاتها الخاصة.

الهندوس مثلا لديهم حج يأتون إليه من كل دول العالم ويجتمع الملايين سنويا للقيام بزيارة إلى معبد مقدس يضم تماثيل آلهة الهندوس ويجتمع فيه «متصوفة» يكرسون حياتهم لخدمة ما يؤمنون به.

 وللإشارة فقط فإن بعض هؤلاء الذين يعيشون داخل المعابد ولا يغادرونها أبدا، كانوا في السابق أساتذة جامعيين وعلماء في أكبر مراكز الأبحاث في أوربا وأمريكا، لكنهم قرروا خوض تلك الرحلة الروحية التي تستغرق من بعضهم سنوات متواصلة، ويزهدوا في متع الحياة مقابل السلام الروحي الذي لا يجدونه إلا في تلك الخلوة. وعندما انتشر فيروس كورونا، لا أحد وجه انتقادات لتلك التجمعات أو شكك في مدى خطورة انتشار الفيروس داخلها.

هناك قصص مؤثرة لمسلمين ذهبوا إلى الحج مشيا على الأقدام. ومنهم حجاج مغاربة أعادوا إحياء الطريقة القديمة التي ذهب عبرها أجدادنا إلى الحج قبل أن تصبح تذكرة الباخرة ثم الطائرة في المتناول. الرحلة استغرقت من بعضهم قرابة السنة، ركبوا خلالها المواصلات العامة خلال مرورهم بالجزائر ونزلوا في تونس لمواصلة الرحلة نحو مصر دون دخول ليبيا بسبب ما تعيشه من أحداث، وركبوا مجددا لعبور البحر واختتام «رحلة العمر» التي لم يُقاطعها أجدادنا أبدا رغم ظهور الأوبئة والحروب.

أزيد من مليار مسلم حول العالم يتابعون بتأثر كبير صور الحجاج وهم يتضرعون إلى الله، ثم يحتفلون بعيد الأضحى، وتسمع انتقادات مجددا تصف المسلمين بالمعتدين على الحيوانات. وكأن أجود أنواع اللحم الذي يأكلونه في مطاعم العالم، ينزل عليهم من السماء. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى