شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةسري للغايةسياسية

مسار الجنرال العماري من شرطي بسيط إلى عقل مدبر للملفات

يونس جنوحي

إلى اليوم، لا يزال عدد كبير من المعارضين الجزائريين الهاربين من النظام السابق، يوجهون الاتهام للجنرالات الأحد عشر بالضلوع في ارتكاب المذابح في عدد من القرى الجزائرية، وترويجها في الإعلام الرسمي على أنها جرائم نفذها «الإرهابيون»، ويقصدون أعضاء جبهة الإنقاذ، ذات التوجه الإسلامي.

 

ملف أحمر

هذا الملف اكتسب حمرته من الدماء التي أريقت خلال العشرية السوداء. طيلة سنوات التسعينيات، ومنذ أحداث أكتوبر 1988 التي تفجرت في احتجاجات في الشوارع وقمعها الجيش وأطلق الرصاص الحي على الذين طالبوا بالكرامة والخبز، وموضوع المجازر التي تبادل الإسلاميون والجيش مسؤوليتها يؤرق عددا من الباحثين عن الحقيقة. بالنسبة لهشام عبود فالأمر محسوم سلفا. إذ إن الجيش هو المسؤول الأول عن افتعال عدد من المجازر لجر جبهة الإنقاذ إلى المُساءلة بل والعقاب.

يقول متحدثا عن إسماعيل العماري: «إنه مهندس المفاوضات مع جيش جبهة الإنقاذ الإسلامية، لكنه في الحقيقة لم يكن سوى منفذ لقرارات «نادي» الجنرالات الأحد عشر. انضمام الجنرال إسماعيل إلى النادي كان بفضل الخدمات التي قدمها أمنيا. كان هو والجنرال توفيق، الوحيدان من فريق المقررين، اللذين لم يسبق لهما ارتداء بذلة الجيش الفرنسي. وقد كان الجنرال محمد بتشين وراء تجنيدهما وجعلهما ضمن فريق «أطفال المقاتلين».

 

ملفات سرية

هذا الماضي الذي لم يكن معروفا للجزائريين عن الجنرال إسماعيل، كشفه هشام عبود بالقول إن الجنرال كان من بين الذين تم تجنيدهم قبل بلوغهم سن الرشد. أي أنه كان أصغر سنا من بقية الجنرالات الذين اشتغل معهم. فالحياة العسكرية عند هؤلاء بدأت خلال فترة الحرب العالمية الثانية وبعدها بقليل خلال فترة الحرب الهند صينية. بينما الحياة العسكرية للجنرال إسماعيل العماري بدأت بالضبط عندما تأسس جيش التحرير الوطني، وتم تجنيده وهو لا يزال يافعا، واستطاع أن يشق طريقه وسط آلاف «الأطفال» واليافعين غيره، لكي يلفت انتباه القيادة وتتم ترقيته إلى أن أصبح جنرالا.

بالنسبة لهشام عبود، فإن وصول هذه المرتبة لم يكن ليتحقق بفضل كفاءة أو موهبة في القتال، بقدر ما يتحقق بفضل تنفيذ التعليمات دون نقاش، وإظهار الولاء المطلق. تلك كانت الطريقة الوحيدة للنجاح. أما اضطلاع الجنرال إسماعيل العماري بقيادة التفاوض مع جبهة الإنقاذ، فمرده إلى طبيعة شخصيته المراوغة، ونظراته التي يستحيل تفسيرها أثناء الحديث معه. كما أنه كان مُدركا لنبض الشعب ويعرف جيدا كيف يتحدث أثناء التفاوض. فهو ابن سائق سيارة أجرة، وينحدر من وسط فقير من منطقة بني سليمان الواقعة في جهة «تيتري»، ولم تكن حياته تختلف كثيرا عن حياة سكان منطقة الأحراش ككل. إذ كان الفقر عنوانها. ومنطقة الأحراش، للإشارة، لم تكن سوى حي هامشي جدا من الأحياء العشوائية الفقيرة في العاصمة الجزائر، والتي ينزح إليها البدو والقرويون من كل المناطق التي أصابها الجفاف، ويأتون للعاصمة بحثا عن حياة أفضل.

 

الشرطي الجنرال

يقول هشام عبود، أيضا، إن الجنرال إسماعيل العماري بعد أن تم استقطابه وهو لم يبلغ السن القانوني، وجُند وحمل السلاح سنة 1961، تم إلحاقه لاحقا بجهاز الشرطة، «بوليسيا» عاديا، قبل أن يقدم أوراقه ويطلب الالتحاق بالبحرية الوطنية. وربما لولا أنه لم يقدم على هذه الخطوة، لوصل إلى نفس الطريق من خلال البحرية، لكنه ربما كان سيحتاج إلى سنوات إضافية لكي يصل إلى نادي الجنرالات.

قضى الجنرال إسماعيل سنوات السبعينيات في العمليات. ولفت الانتباه إليه لكثرة الطلبات التي رفعها لكي يجتاز مباريات الترقية. واتضح للجنرالات، في الأعلى، أنهم أمام شاب طموح جدا لا يتوقف عن الرغبة في تحسين وضعيته. إذ اجتاز بنجاح مباريات ترقية الليوتنان المساعدين، ومباراة أخرى في الاستعلامات، وهي المصلحة المخابراتية التي كانت تملك ملفات حساسة جدا عن كل مسؤولي الجيش، ودخولها لم يكن متاحا لأي موظف عادي في الجيش أو البحرية الوطنية الجزائرية.

يقول هشام عبود إن زملاء إسماعيل العماري، وكانوا كلهم من الضباط، لاحظوا أنه تغير كثيرا منذ أحداث 1992، والحقيقة أنهم كانوا يجهلون أنه جُند للتجسس عليهم وأيضا للتحكم في ضباط آخرين كانوا بمثابة مخبرين يرفعون إليه التقرير. وكان أمر اشتغاله لصالح جهاز سري آخر، سرا لم يعرفه أحد إلا عندما تمت ترقيته، وأصبح ضمن نادي أقوى المسؤولين العسكريين في البلاد، وبرز اسمه في الصحافة الجزائرية وقتها على اعتبار أنه أحد كبار المسؤولين العسكريين في البلاد، الذي يشرف لوحده على ملف التفاوض مع جبهة الإنقاذ لإيقاف المجازر التي ذُبح بسببها سكان قرى كاملة في الجزائر، في إطار الصراع بين الجيش وقيادة جبهة الإنقاذ الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى