مراكز علاج الإدمان.. تكلفة باهظة لعلاج غير متكامل
نورا أفرياض
سبق لوزارة الصحة أن قامت، سنة 2006، ببحث ميداني، بإعانة من منظمة الصحة العالمية، أفضى إلى أن ما بين 4.2 بالمائة و4.8 بالمائة من ساكنة المغرب الذين تتجاوز أعمارهم 17 سنة يتعاطون المخدرات. أما مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض، فأفادت بأن 600 ألف مغربي مدمنون على المخدرات، من بينهم 15 ألف مدمن على المخدرات الصلبة من قبيل الكوكايين والهيروين. هذه الأرقام المخيفة مرشحة للارتفاع في ظل ندرة مراكز علاج الإدمان أما الخصوصية منها فتفرض أسعارا خيالية تجعل كل مدمن باحث عن العلاج يقلع عن الفكرة جملة وتفصيلا.
مصلحة طب الإدمان
غير بعيد عن كلية الطب بالبيضاء، توجد مصلحة طب الإدمان. وتفتح أبوابها في وجه الباحثين عن التخلص من براثن الإدمان ابتداء من الساعة الثامنة صباحا إلى غاية الثانية بعد الزوال. من بين الحالات التي تستقبلها مصلحة طب الإدمان، المدمنون على العديد من المخدرات دفعة واحدة، المدمنون على الحبوب المهلوسة والحشيش ومخدر المعجون، فضلا عن مدمني المخدرات الصلبة وبعض الأدوية ذات المفعول المخدر، والتي تترك مدمنيها في حالة هدوء تام، كما أن لديها آثارا منومة ومزيلة للقلق. وتصيب مدمنيها أيضا بحالة من الهلوسة واضطرابات نفسية وكذا أوهام جنون العظمة. هذه الأدوية المخدرة تروج وفقا لمصدر داخل مصلحة طب الإدمان رفض الإفصاح عن هويته، بمجموعة من الأحياء الشعبية وأمام الثانويات الكائنة بأحياء راقية. بهذه المصلحة يتم علاج حالات الإدمان السلوكي على العادات السيئة كالكذب وغيرها، استنادا إلى معطيات استقتها «الأخبار» من عين المكان.
إثر حلول «الأخبار» بمصلحة علاج الإدمان بالبيضاء، بدا تذمر واضح على محيا أولياء أمور شباب مدمنين على المخدرات جاؤوا للاستفسار حول أسعار العلاج ليفاجؤوا بأن سعر مكوث أبنائهم للاستشفاء يكلف 500 درهم لليلة الواحدة، بينما يحدد سعر حصتين من العلاج في 100 درهم، إذ يتم دفع ثمن الحصة الأولى والحصة الثانية تكون مجانية ولا يتم الدفع مجددا إلا ابتداء من الحصة الثالثة.
يقول عبد الصمد التحفي، عن مركز التنمية البشرية لحماية الشباب من التعاطي للمخدرات، إن مراكز علاج الإدمان بالمغرب تبقى ضئيلة نظرا للأعداد الكبيرة للمدمنين الذين يقدرون بالآلاف مقارنة مع الطاقة الاستيعابية لهذه المراكز. وبالنسبة لمدينة الدار البيضاء، فإن مركز علاج الإدمان الوحيد لا يتجاوز عدد الأسرّة به 10 وعشرات المدمنين ينتظرون دورهم بقائمة الانتظار بتكلفة علاج تصل إلى 500 درهم لليلة الواحدة، علما أن مدة العلاج التي يقضيها كل مدمن تتعدى شهرا على أقل تقدير. التحفي يشير إلى أن تكلفة العلاج الباهظة بمصلحة علاج الإدمان تحرم الطبقات الفقيرة من الاستشفاء لدرجة أن مجموعة من الحالات التي تقصد مركزهم لا تجد مالا لتسديد سعر سيارة الأجرة التي تستقلها من أجل الوصول إلى المصلحة. وفي ما يخص مراكز علاج الإدمان الخاصة، فتكلفة العلاج تبقى خيالية وكذلك الشأن في ما يتعلق بالاستشارات الطبية بها. ويرى المختص في علاج الإدمان أنه كان حريا على الوزارة الوصية إيلاء أهمية قصوى لتكوين أطباء وممرضين مختصين في طب الإدمان بكليات الطب، إذ لا يجب الاستغراب في حالة استفحال العنف وارتفاع منسوب الجرائم المقترفة من قبل العديد من المدمنين، مشيرا إلى أن هذا الأمر «توصلنا إليه بعد اشتغالنا ما يناهز 10 سنوات من العمل تحت شعار «قافلة لا للقرقوبي لا للمخدرات»، يؤكد عبد الصمد التحفي.
شيدت مصلحة علاج الإدمان بالبيضاء بغلاف مالي إجمالي بلغ 5.5 مليون درهم من تمويل مؤسسة محمد الخامس للتضامن، وذلك يوم 2 دجنبر 2009. وتمتد المصلحة المعنية على مساحة 1000 متر مربع. وتشمل 3 قاعات مخصصة للكشف و3 قاعات للعلاج النفسي، فضلا عن قاعات خاصة بالرعاية التمريضية، المساعدة الاجتماعية وقاعة أخرى متعددة التخصصات. وتتضمن مصلحة علاج الإدمان 7 غرف للعلاج إضافة إلى مطعم، قاعة للتربية البدنية، مكتبة متعددة الوسائط.
وبالنسبة لحصص العلاج، فيخضع فيها كل مدمن إلى علاج نفسي سيكولوجي، علاج باستخدام أدوية طبية وبديلة، وأخرى تعويضية تعوض نقص مواد في دماغ المدمن. فضلا عن ذلك، يخضع الباحثون عن العلاج إلى علاجات مهنية مع ممارسة الرياضة بقاعة مجهزة لهذا الغرض. مصلحة علاج الإدمان تستقبل يوميا ما يزيد عن 40 حالة زيادة على طلبات المرضى الراغبين في تلقي العلاج داخل المركز، إذ تسجل أعداد كبيرة من المرضى في قائمة الانتظار لتوافد بعضهم من مناطق نائية.
علاج غير متكامل
أشار الحسن البغدادي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات، إلى أن هناك نوعين من مراكز علاج الإدمان فمنها من يتوفر على مرافق للإيواء ومنها التي لا توجد بها هذه المرافق فأما فيما يتعلق بالخدمات العلاجية فهي مقتصرة بالنسبة للنوع الثاني من المراكز على حصص التشخيص وإعطاء الأدوية التي تساعد نوعا ما من التقليل من الإدمان العضوي ويقوم بالإشراف على العملية معالجون أطباء وأخصائيون نفسانيون فيما النوع الأول من المراكز، فإنه يتوفر على خدمات إضافية تكمن أساسا في التتبع عن قرب والمباشر لنزلائها وتقديم حصص علاجية منتظمة من جوانب متعددة في شقها العضوي والنفسي والسلوكي بحيث يشتمل البرنامج العلاجي على المراقبة المستمرة والوقوف على مدى امتثاله له والمحدد لكل حالة على حدة.
ومما تجدر الإشارة إليه، والقول دائما للبغدادي، أن عدد هذه المراكز بنوعيها معدودة على رؤوس الأصابع ولا تتوفر في معظمها على منظومة متكاملة للعلاج من الإدمان في بعده الثلاثي كما أسلفت الذكر، كما أنها لا تستجيب مطلقا لطلبات العلاج التي يتضخم حجمها يوما بعد آخر وغالبية الحالات متقدمة تستدعي الاستشفاء على وجه الاستعجال. بالنسبة للمركزين اللذين يتوفران على أسرة، فالعلاج بهما مكلف جدا خاصة مع ضرورة المكوث بالمركز لمدة قد تصل إلى ستة أشهر أحيانا أو أكثر ويظهر حجم التكلفة جليا إذا علمنا أن الإقامة وحدها أو الاستشفاء تكلف في المتوسط 500 درهم لليوم الواحد وهذا المبلغ لا تستطيع أغلبية الأسر المغربية توفيره وهذا ما يفاقم الوضع بالنسبة لتلك الأسر ويزيد من معاناتها لعدم وجود وجهة طبية وعلاجية قادرة على احتضان أبنائهم أو قريبهم مع العلم أن غالبية الأسر المتضررة هي أسر فقيرة. كما سلفت الإشارة إلى ذلك وبصرف النظر عن مركز الدار البيضاء والجناح التابع لمستشفى الرازي للأمراض العقلية بمدينة سلا، اللذين توجد بهما خدمات شبه متكاملة، فإن باقي المراكز لا تقدم إلا بعض الأدوية المعوضة كـ»الميثادون» كما هو الشأن بالنسبة للمركز الموجود بمدينة طنجة، إضافة إلى بعض الخدمات كالتشخيص والتوجيه.
جلال توفيق، مدير مستشفى الرازي بسلا، أبرز في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن المغرب انخرط مؤخرا في إحداث مراكز لعلاج الإدمان على المخدرات بعدة مدن (الرباط، الدرالبيضاء، طنجة، الناظور، فاس، وجدة ومراكش)، وذلك لكون مستشفى الرازي غير قادر لوحده على استيعاب الأشخاص المدمنين على المخدرات. وزاد موضحا أن المغرب نهج منذ سنة 2010 مقاربة تروم التعامل مع المدمنين كمرضى يتمتعون بحقوقهم كاملة، وذلك بهدف التصدي لظاهرة الإدمان على المخدرات وعلاج المدمنين.
إدمان مكلف
علاج الإدمان بمراكز خصوصية يكلف مبالغ ضخمة، نظرا للتكلفة الباهظة للاستشفاء، ما يضطر ثلة من المدمنين إلى صرف النظر عن فكرة العلاج من أساسها مع العلم أن الإدمان هو البوابة الرئيسية للولوج إلى عالم الجريمة والانحراف.
أرقام مخيفة صادرة عن مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض تفيد بأن 600 ألف مغربي مدمنون على المخدرات، من بينهم 15 ألف مدمن على المخدرات الصلبة من قبيل الكوكايين والهيروين. وتحظى المدن الشمالية بنصيب الأسد في أعداد الشباب مدمني المخدرات الصلبة خصوصا المنحدرين من عدد من الأحياء التي باتت توصف بالخطيرة.
وأمام الانتشار الكبير للظاهرة، يستغرب المتتبعون وجود مركز وحيد لمحاربة الإدمان بالدار البيضاء مقابل آلاف المدمنين.
مريم، شابة من مواليد 1989، تعاني من إدمان على المهدئات والمنومات، خارج النطاق الطبي، ما يجعل وعيها متدنيا في عموم أوقات يومها. لكن الأمر المقلق لمحيطها هو نزعتها الإجرامية التي تجعلها تؤذي نفسها وذويها لا شعوريا. وقد أقدمت هذه الأخيرة على محاولة الانتحار مرتين مع عزمها على إعادة الكرة كلما سنحت لها الفرصة. والدة مريم تؤكد أن تكاليف علاج ابنتها تصل إلى 2500 درهم عن كل ليلة استشفاء بمركز خصوصي لعلاج الإدمان والأمراض النفسية بمنطقة «الوازيس» بالبيضاء، قبل أن تردف بأن ارتفاع سعر العلاج جعلها توقفه بعد مدة وجيزة وهي الآن تشاهد ابنتها تعاني أمام عينيها ويزيد توترها يوما بعد يوم لتغادر مقاعد الدراسة وتمضي أيامها متسكعة لدرجة أنها تضيع طريق العودة في أكثر من مناسبة، حسبها. أما يوسف (في الأربعينات من العمر) فهو مدمن هو الآخر على مخدر الحشيش، إذ لم يتمكن من علاج إدمانه سواء بمصلحة علاج الإدمان أو بمراكز علاج خصوصية، نظرا لعوزه وعدم توفره على عمل بل يعيش عالة على أسرته ولم يتمكن من توفير تكاليف العلاج المرتفعة. وقد أكد في حديث للجريدة أن الحل الوحيد لعلاج المدمنين مثله هو فتح مراكز مجانية للعلاج، وفق تعبيره.