مذهب القتل
العالم العربي يغلي مثل مريض الحمى بالعنف، وهو ليس الوحيد فقبل عدة سنوات وقعت مذبحة مروعة للأساتذة في مدينة (إيرفورت) الألمانية راح ضحيتها 17 شخصاً، بمن فيهم الفاعل، الذي ختم حمام الدم بانتحاره؟! هذه الحادثة هزت المجتمع الألماني فعكف اختصاصيون من علوم شتى، على دراسة هذه الظاهرة المرعبة، ومن الناحية الفلسفية، يخضع أي حدث لعلاقة جدلية بين السبب والنتيجة، فكل حدث هو في حالة ديناميكية، فهو بنفس الوقت سبب ونتيجة، فهو نتيجة لما كان قبله، وهو سبب لما سيأتي بعده.
هكذا ركب الكون وتتالت الأحداث، فهذه نقطة أولى.
والثانية أن كل حدث يخضع لـ(مجموعة) من العناصر، تكونه وتفجر حدوثه، وبـتأمل أصغر حدث نرى فيه هذين القانونين. والقرآن حينما يضرب المثل بالبعوضة والذبابة والعنكبوت، فإنه يفتح عيوننا على أن سر الصنعة واحد، والقانون يتخلل الوجود في كل مستوياته، وأكثر شيء إعجازاً، هو بناء الخلية، والكود الوراثي.
وهذا تشترك فيه شجرة التفاح والحشرة ونحن. فهذه حقيقة ثالثة.
وحادثة (شتاين هويزرStein Heuser) الألماني، ومصعب الزرقاوي، الذي أعلنت الفضائيات صيف 2006م مصرعه، لا يختلفان عن بعضهما، وكذا (رامس فيلد) في شيء؛ فالكل من مذهب القتل، ويرى أن أفضل الحلول في القتل.
والعنف يدخل فيه لا يقل عن عشرة عناصر:
الجنس: فالمرأة خزان الرحمة؛ فلا تقتل إلا في أضيق الأحوال، وتحدث في جو صراع الأجيال، والمعركة بين الطلاب والأساتذة، وهل هناك أثر للجينات. ثم مشكلة اقتناء السلاح، ففي ألمانيا لوحدها عشرين مليون قطعة سلاح غير مرخصة؛ وفي أميركا يمكن اقتناؤه مثل شراء البطاطا.
يضاف لما مر أثر أفلام الرعب، الفشل التربوي، دور المخدرات، والإحباط الاجتماعي.
وهكذا فالعنف شجرة خبيثة تربتها الكراهية، وثمرتها الخوف والجريمة، تتبرمج في النفس، من خلال دورة حضانة للأفكار، تترسخ في اللاوعي، لتطفح في النهاية على السلوك، مثل المرض الفيروسي في إنتاجه مرض جنون البقر والبشر، يمارسه أناس خارج المصحات العقلية، صفتهم أنهم عقلاء يفكرون.
ولكن ما هو العنف تحديداً؟ هل هي ممارسة الحرب وإطلاق الرصاص؟
أما (سكينر) عالم النفس السلوكي فقد رأى أن برمجة العنف تبدأ في الصدور، قبل تراشق الصواريخ.
العنف يحتل طيفاً عريضاً من مشاعر النفس؛ فتعبر عنه قسمات الوجه بالحقد، واللسان بالتعبير السام، واليد بالبطش، والمجتمع بالحرب.
ولكن الحوض الأساسي للعنف يبدأ من البرمجة الذهنية، واستيلاء مشاعر الكراهية، كمرض ثقافي يتشربه اللاوعي فيفرز السلوك، ويعمل مثل المرض العضوي، ويبدأ في ضخ مظاهره الإمراضية.
إنه يشبه الأمراض تماماً؛ ففيروس البوليو يعطب الجهاز الحركي عند الأطفال فتشل السيقان، وجرثومة الكوليرا تحتل الأمعاء فتتدفق بإسهال منهمر، ولولبية الزنا الشاحبة تقود إلى صمغ الدماغ، فيختل بالعته والجنون.
وإذا كان مرض العضوية يحدث بالوحدة الإمراضية، من فيروس وبكتيريا، فإن مرض العنف وحدته الإمراضية الفكرة المدمرة. وتقوم مشاعر الكراهية بنفي الآخر، والارتداد على الذات، فلا تتوحد مع الآخرين ولا تعترف بهم أو يبقون.
الكراهية تشحن كل المشاعر السلبية، من الغمز واللمز والانتقاص والأذية حسب كثافتها؛ فإذا استعرت؛ قادت إلى إفناء الآخر بالجرعة القصوى بالحرب.
الكراهية هي التربة التي تمد جذور العنف بأسباب البقاء.
وعندما يلجأ أحد إلى توظيف القوة وممارسة الإكراه واغتصاب إرادة الآخرين فإن المقاومة تنشأ بطريقتين ظاهرة وباطنة، من التظاهر بالرضوخ مع الكذب خارجا،ً والكراهية داخلياً.
وعندما تلجأ الروح إلى تربة الكراهية فإنها تستلهم العنف آلياً، وعندما يغتصب الفرد إرادة الأمة تنكسر رافعة التوازن النفسي، والطبيعة تقوم على التوازن، وتوازن النفس هنا هو رد الاعتبار، في برمجة العنف من جديد.
والمشكلة في العنف أنه لا يحل مشكلة، بل يقود إلى دورة عنف أشد هولاً وأعظم نكراً.
هكذا علمنا التاريخ باتساع دورات الحروب.