شوف تشوف

الرأي

مدير الأمن تاجر مخدرات

على مكتب الملك الحسن الثاني وضعت برقية عاجلة، من بين تقارير سرية ختمت بالشمع الأحمر، تقول البرقية إن مدير الأمن الوطني ضالع في الاتجار في المخدرات.
كان المحامي الربيع والد الأمين العام السابق للحكومة عبد الصادق الربيع، تولى الإدارة العامة للأمن الوطني خلفا للعقيد أحمد الدليمي، الذي كان واحدا من الذين ترافعوا لفائدته في الطبعة الثانية للمحاكمة الشهيرة، في قضية اختطاف واغتيال المعارض المهدي بن بركة.
أرادت السلطات أن تنزع عن إدارة الشرطة طابعها الأمني من خلال إسناد المسؤولية إلى شخصيات ذات مرجعيات قانونية، كما في حالة الوكيل السابق مولاي سلميان العلوي. وجاء اختيار ربيع، كأنه نفحه «ربيع» لتجاوز مؤاخذات عكرت مزاج العلاقات المغربية – الفرنسية. وفي الوقت ذاته حملت رسالة اطمئنان حيال أوضاع الداخل المتوترة، في سياق الاحتقان الاجتماعي.
لا بد إذن من اختراق أصعب الأبواب للوصول إلى الحقيقة إزاء التورط المحتمل لمدير الأمن في قضية مثل هذه. التقارير تفيد بأنه أجرى اتصالات لتأمين صفقات توريد المخدرات، وكل الشهادات تؤكد أنه ضالع حتى أذنيه في علاقات مشبوهة مع أباطرة مخدرات ينشطون داخ المغرب وخارجه. كيف إذن لهذا المحامي المقتدر الذي يغرز عينيه في الملفات، ولا يرفعها إلا بعد أن يكون اتخذ القرار الملائم، سمح لنفسه بأن ينساق وراء أهواء المغامرين؟
انتصبت أسئلة محيرة بلا أجوبة. هل تورط فعلا أم أن اسمه زج به للإفلات من أية رقابة أو متابعة؟ تقارير استخباراتية أجنبية تسمي القط قطا، تفيد بأن ربيع تحدث مرات عدة في شأن صفقات مشبوهة، ولا تعوزها دلائل الإثبات.
في خلفيات الحكاية أن ربيع عند توليه مسؤولية إدارة الأمن، طلب أربع خطوط هاتفية، تكفل له سرعة الاتصال بمسؤولي إدارته والمراجع المتنفذة، كلما تطلب الموقف ذلك، ومرة أخرى فإن حيازة أرقام الهاتف لم تكن يسيرة، حتى على كبار المسؤولين.
إلى إقامة المدير العام، استجمع عاملون في قطاع البريد أسلاكهم وهواتفهم وأرقامهم، وتوجهوا لترتيب خيوط الاتصال، وهم يتساءلون: أربعة هواتف دفعة واحدة: أليس في الإمكان اختزالها إلى اثنين أو ثلاثة.
ما أشبه الهواتف بتوزيع الثروة! غير أن رسام الكاريكاتير اختزل الصورة وفق نزوته، فقد رسم رجلا ينظر من النافذة إلى شاب تحملق حوله أربع فتيات، وعلق على ذلك، إنه سوء توزيع الثروة، مع الاعتذار لتك الفتيات، كي لا يعاتبنه بسوء «المناصفة» قبل ظهور تقليعتها.
استقر رأي موظفي البريد على تركيب ثلاثة خطوط فقط، والاحتفاظ برقم واحد، يمكن أن يصبح من نصيب من يدفع أكثر، وفي حال سأل المدير العام للأمن عن الأمر، فقد يستوحون لذلك أعذارا تقنية، مقبولة بمنطق الأسلاك والأضواء. أما إذا نسي، فكم من الأمور يتم قضاؤها بتركها.
أصيب أولئك الموظفون بعدوى الرشوة، فقدموا الرقم الرابع لمن كان بوسعه أن يدفع أعلى سومة، كان مهاجرا جزائريا يقيم في المغرب وقتذاك، يقدم نفسه بصفة تاجر في عالم التسويق والتصدير، كان كتوما لا يتحدث إلا قليلا. وكان أكثر إصرارا على امتلاك خط هاتفي، يفضل ألا يكون باسمه.
سواء أكان الاختيار وقع عليه، أم أنه أوقعه في شباكه، فقد سر كثيرا بعملية لم تكلف أية وثيقة غير الأوراق المالية. وعبر ذلك الهاتف السري باشر تجارته المشبوهة، وهو مطمئن إلى مكانه في الظل.
بسبب خطأ أو وشاية، تأتى لجهات أمنية أجنبية أن ترصد مصدر مكالماته التي يعتقد أنها كانت مفتوحة على الخارج، وبسبب أن رقم الهاتف كان مسجلا باسم المدير العام للأمن الوطني، ارتدت القضية بعدا ضخما، وكلما كانت التحريات تمضي قدما، كانت الألغاز تكبر إزاء الدور المحتمل للمسؤول الأول عن جهاز الأمن المغربي.
هكذا كان حتى وضع الملف على مكتب الملك الراحل الحسن الثاني، فيما كان ربيع بعيدا عن مجريات التحقيق. فكم من جريرة ترتكب خطأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى