شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاص

مخطوطات مغربية سليبة في الإسكوريال

كنوز تجب مطالبة إسبانيا بإعادتها إلى المغرب

في ظل أجواء «الوفاق والتفاهم» التي أمست تعرفها العلاقات الثنائية المغربية- الإسبانية، وتماشيا مع التقارب والتداني اللذين أصبحا يميزان هذه العلاقات، بعدما انقشعت الغيوم التي طالما نشرها خصوم المغرب بين البلدين على امتداد عقود من الزمن، والتي ولت اليوم بدون رجعة، أليس حريا بالمغرب – والحالة هذه- أن يطالب إسبانيا باسترجاع مخطوطاته التاريخية، وكنوزه العلمية النفيسة التي لا تقدر بثمن، والقابعة منذ قرون في دير الإسكوريال الذي لا يبعد عن العاصمة الإسبانية سوى ببضعة كيلومترات؟

هذه المخطوطات ما فتئ المغرب يطالب بها إسبانيا بإلحاح في كل مناسبة منذ السطو عليها عام 1612، من طرف القراصنة الإسبان بالقرب من مدينة سلا المغربية. والسؤال الذي يعود ليطرح نفسه بإلحاح من جديد: أما آن الأوان لأن يبادر المغرب بهذه الخطوة التاريخية، مثلما عملت العديد من البلدان العربية، وفي آسيا، وإفريقيا وفي بلدان أمريكا الجنوبية عندما طالبت باسترجاع كنوزها التراثية، وآثارها الفنية، وموروثاتها التاريخية، ولقد تمكنت هذه البلدان بعد المساعي التي بذلتها من استرجاع العديد من قطعها الأركيولوجية الأثرية، وكنوزها المسلوبة.

 

السفير محمد محمد الخطابي *

 

ينبغي التذكير بأن للمخطوطات المغربية السليبة، الموجودة في دير الإسكوريال قصة مثيرة وفريدة عاشتها هذه المخطوطات النفيسة العائدة إلى السلطان المغربي زيدان السعدي، حتى زج بها القدر بعيدا عن موطنها الأصلي في دهاليز وأروقة ورفوف «دير سان لورينثو» بمكتبة الإسكوريال الفخمة، التي أسست منذ ما يربو عن خمسة قرون، ما بين 1533- و1584. وحري بنا أن نسلط الأضواء على هذه المكتبة الفريدة، وذلك لصلتها الوثقى بتاريخنا وتراثنا وموروثاتنا الزاخرة في شبه الجزيرة الإيبيرية، ولاحتوائها على ذخائر نادرة لا تقدر بثمن من الكتب، والمصنفات، والأسفار، والتآليف، والمخطوطات القيمة الغميسة بالعربية واللاتينية، والعائدة لمختلف الملل، والنحل والأعراق، والإثنيات.

تؤكد مختلف المصادر والمراجع التاريخية التي تتعرض لموضوع هذه المخطوطات أن جزءا مهما منها يعود إلى السلطان المغربي أحمد المنصور الذهبي السعدي، الذي اشتهر باقتناء الكتب، وجمع منها خزانة عظيمة، وسار خلفه ابنه زيدان على نهجه في الاهتمام بالكتب، فزاد في تنمية وتوسيع المكتبة التي كانت عند والده، وعني بها عناية فائقة حتى ناف عددها عن أربعة آلاف مخطوط تبحث في مختلف العلوم والمعارف، إلا أن هذه المكتبة الفاخرة صادفها سوء الطالع، وخبأ لها القدر مفاجآت مثيرة أغرب من الخيال.

 

 

وصول المخطوطات إلى دير الإسكوريال

يشير العلامة المغربي الراحل محمد الفاسي في تقديمه لمخطوط «الإكسير في فكاك الأسير» للسفير المغربي ابن عثمان المكناسي: إلى أن «خزانة الإسكوريال المليئة بالمخطوطات الثمينة يظن الكثيرون أنها من مخلفات العرب والأمازيغ في إسبانيا، والحقيقة أن محاكم التفتيش الإسبانية كانت أحرقت كل الكتب العربية أينما وجدت، ولم يبق بعد خروج العرب والأمازيغ منها كتب تستحق الذكر، وفي أيام السعديين كان المنصور الذهبي مولعا باقتناء الكتب، وجمع منها خزانة عظيمة، وسار خلفه ابنه زيدان على سنته في الاهتمام بالكتب، فنمى الخزانة التي كانت عند والده. ولما قام عليه أحد أقاربه واضطر إلى الفرار، كان أول ما فكر فيه خزانة كتبه فوضعها في صناديق محكمة ووجهها إلى مدينة آسفي، لتشحن في سفينة كانت هناك إلى أحد الفرنسيين لينقلها إلى أحد مراسي سوس.

فلما وصلت السفينة انتظر رئيسها مدة أن يدفع له أجرة عمله، ولما طال عليه الأمر هرب بمركبه وشحنته الثمينة، فتعرض له في عرض البحر قبالة مدينة سلا قرصان إسباني تحت إمرة الأميرال فاخاردو، وطارد المركب للاستيلاء على الصناديق، ولا شك أنهم كانوا يظنون أنها مملوءة بالذهب، واستولوا بالفعل على المركب الفرنسي وأخذوا الصناديق، فلما فتحوها ولم يجدوا فيها إلا الكتب، فكروا (من حسن الحظ) أن يقدموها هدية إلى ملكهم. ولما وصلت هذه الكتب إلى الملك فيليبي الثاني، الذي كان منهمكا في بناء الدير الفخم للقديس لورينثو بالمحل المسمى الإسكوريال، وكان قد نذر في حرب مع فرنسا ألجأته إلى هدم كنيسة تحمل اسم القديس المذكور، أنه إذا انتصر فسيبني له كنيسة أفخم فلما وصلته هذه الكتب أوقفها على هذا الدير، وهي التي ما زالت إلى اليوم موجودة فيه، ويقصدها العلماء من كل الأقطار للاستفادة من ذخائرها».

 

السفراء المغاربة ومكتبة الإسكوريال

تشير المستشرقة الإسبانية، «نييفيس باراديلا ألونسو»، في دراسة لها إلى أن «معظم الرحالة (السفراء) المغاربة الذين زاروا إسبانيا تعرضوا في كتاباتهم، ومذكراتهم للأهمية التي تنطوي عليها الكتب والمخطوطات المغربية التي توجد بالإسكوريال، إذ إن المتاحف والمكتبات كانت باستمرار أماكن تسترعي اهتمام مختلف هؤلاء الرحالة، الذين زاروا إسبانيا على امتداد العصور».

وتتعرض الباحثة الإسبانية لثلاثة سفراء مغاربة زاروا إسبانيا في حقب تاريخية متفاوتة، حيث زارها الأول في القرن 17، والاثنان الآخران في القرن 18، وتشير إلى أن «هؤلاء كانوا جميعا بمثابة سفراء لبلدهم بإسبانيا، وقد قدموا إليها للتفاوض مع العاهلين الإسبانيين كارلوس الثاني، ثم كارلوس الثالث». ومن المهام التي اضطلع بها هؤلاء السفراء التفاوض من أجل إطلاق سراح الأسرى الذين كانوا قابعين بالسجون الإسبانية، والتوقيع على اتفاقيات التعاون وحسن الجوار بين المغرب وإسبانيا، وقضية المطالبة بعدد من المخطوطات المغربية الموجودة بالإسكوريال».

بدأت مكتبة الإسكوريال تنمو وتتكاثر، وتزدهر بفضل العناية التي كان يوليها ملك إسبانيا فيليبي الثاني للكتب والمخطوطات، وعمله على تأسيس مكتبات عمومية كبرى على غرار المكتبات الإيطالية، حيث طلب من سفرائه جمع واقتناء الكتب والمخطوطات العربية التي كانت تحظى بالعناية الفائقة عنده وعند علمائه، وهكذا أمكن له إثراء خزانة الإسكوريال بهذه التحف، والذخائر التاريخية النفيسة.

وتؤكد المستشرقة الإسبانية «الواقعة التاريخية المشهورة التي تعرضت لها مختلف الكتب التاريخية التي تبحث في تاريخ العلاقات الإسبانية المغربية، وهي قضية سطو القراصنة الإسبان عام 1612، بالقرب من مدينة سلا المحاذية لمدينة الرباط، على مركب فرنسي كان يحمل المكتبة الخاصة للسلطان المغربي زيدان والتي كانت تتألف من حوالي أربعة آلاف مخطوط، وقد تم تحويل هذه الكتب والمخطوطات جميعها إلى مكتبة دير الإسكوريال، بأمرٍ من الملك الإسباني فيليبي الثاني». كما تتعرض المستعربة الإسبانية في دراستها إلى حدث خطير وقع عام 1671، عندما شب حريق في الجناح العربي من الدير، حيث التهمت ألسنة النيران حوالي 2500 مخطوط.

 

السفراء المغاربة: الغساني والغزال والمكناسي

بعد عشرين سنة من هذا الحادث المؤسف وصل إلى إسبانيا الوزير عبد الوهاب الغساني، سفير السلطان مولاي إسماعيل خلال حكم العاهل الإسباني كارلوس الثاني (1690-1691)، وفي كتابه «رحلة الوزير في افتكاك الأسير»، يصف هذا السفير الجناح الذي توجد به كتب ومخطوطات ابن زيدان بدير الإسكوريال، كما فاوض العاهل الإسباني بشأن إطلاق سراح الأسرى المسلمين (كان معظمهم من الجزائر وإيالاتها)، وكذا إرجاع بعض المخطوطات العربية إلى المغرب، واستجاب العاهل الإسباني الذي قام هو الآخر بزيارة الإسكوريال للمطلب الأول، وماطل في الاستجابة للمطلب الثاني.

والسفير المغربي الثاني الذي قام هو الآخر بزيارة الإسكوريال هو أحمد بن المهدي الغزال، سفير العاهل المغربي محمد بن عبد الله لدى بلاط كارلوس الثالث (1766)، صاحب كتاب: «نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد» وتحتل قضية المخطوطات كذلك مكانا مهما في رحلة الغزال، وسلم إليه العاهل الإسباني كارلوس الثالث بعض هذه المخطوطات (300 مخطوط حسب رواية الغزال نفسه).

أما السفير المغربي الثالث فهو ابن عثمان المكناسي، سفير المولى محمد بن عبد الله لدى بلاط العاهل الإسباني كارلوس الثالث، والذي زار إسبانيا في الفترة المتراوحة بين (1779-1780)، وهو صاحب الكتاب الشهير «الإكسير في فكاك الأسير»، الذي تمثلت مهمته كذلك في افتكاك الأسرى كما يتضح من عنوان كتابه، كما أنه لم ينس كسابقيْه زيارة دير الإسكوريال، حيث توقف بالخصوص طويلا عند المخطوطات العربية. وقد وصف الإسكوريال وصفا دقيقا وكل ما به من مقابر الملوك الإسبان، وعن ذلك يقول: «فإذا به من عجائب الدنيا في ارتفاع صواريه، وضخامة بنيانه يقف الوصف دونه». وعن المخطوطات العربية يقول: «إنها في غاية الحفظ ولا يمكن لأحد أن يدخل إلى تلك الخزانة كائنا من كان، ومكتوب عليها بخط أعجم: «أمر البابا أن لا يخرج أحد من هذه الخزانة شيئا»».

وقد سلم ملك إسبانيا كارلوس الثالث عددا من المخطوطات العربية إلى السفير المغربي، إلا أنها لم تكن من مجموعة الإسكوريال، ولم يتعرض السفراء الثلاثة لحادث السطو على خزانة ابن زيدان، حتى لا يؤثر ذلك على مهماتهم الدبلوماسية الأخرى التي قدموا إلى إسبانيا من أجلها.

 

 

الورداني والبحث عن الكنوز الضائعة

في دراسة للباحث التونسي علي العريبي، تحت عنوان «الرحلة الأندلسية للورداني والبحث عن المجد الضائع»، يشير إلى أن الورداني شاعر ورحالة تونسي عاش في أواخر القرن 19 وفي أوائل القرن 20. ولد سنة 1861 في بلدة الوردانيين جهة الساحل وتوفي سنة 1914، قام هو الآخر بزيارة للإسكوريال، حيث أقبل على آثار القصور الموجودة بالمدينة فوصف ما بها من نقوش ورسوم، وقد استرعى انتباهه بقصر فيليبي الثاني رسوم جدرانه التي تصور حروب إسبانيا، سواء مع العرب أو مع الدولة العلية.

ويضيف: «وقد عثرت البعثة المرافقة للورداني على أكثر من ألفي كتاب عربي». ويعتقد الناس خطأ – حسب الورداني- «أن الكتب العربية الموجودة في هذه المكتبة هي من مخلفات الأندلس، وليس الأمر كذلك، فقد أظهر لي التحري والتحقيق وكثرة المحاورة والمذاكرة مع أرباب الوقوف والاطلاع أن الإسبان لما ملكوا الأندلس أحرقوا معظم الكتب والمخطوطات العربية، فكانوا كلما تمكنوا من بلاد أحرقوا كتبها إلا ما بقي متخفيا عند بعض الأفراد، وأن هذه الكتب هي من كتب زيدان أمير المغرب، كان قد اشتراها من المشرق، وبينما مأموروه قد قدموا بها، إذ فاجأتهم سفن إسبانيا الحربية قريبا من بوغاز سبتة (جبل طارق) فغلبتهم وغصبت الكتب، فهي في التحقيق من حكومة مراكش (يقصد المغرب) لا الأندلس، والذي يدل على صحة ما ذهبت إليه ما شاهدته مكتوبا على أغلب الكتب من أنها ملك الأمير زيدان المذكور».

ويلاحظ من خلال الرواية التي أوردها الورداني أنه لم يكن يعرف قصة هذه الكتب الحقيقية كما سبقت الإشارة إليها من قبل، وكما سنرى عند مؤرخ فرنسي تعرض للموضوع نفسه، وهو «جان كايي»، إذ يذكر الورداني أن الكتب اشتراها زيدان من المشرق، وسطا عليها الإسبان في مضيق جبل طارق، بالقرب من مدينة سبتة، وهي في طريقها إليه، حيث كان يقيم بمراكش، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف وضع خاتم زيدان على هذه المخطوطات، كما يؤكد الورداني نفسه ذلك؟ مما يرجح صحة الرواية الشهيرة التي سبق أن أكدها المرحوم محمد الفاسي، والباحثة الإسبانية نييفيس ألونسو، وكذا المؤرخ الفرنسي جان كايي وسواهم من الباحثين الآخرين.

 

قنصل فرنسا بالمغرب كاسْتلان وخزانة زيدان

تحت عنوان: «كاستلان وخزانة زيدان»، يشير المؤرخ الفرنسي، جان كايي، في كتابه «موجز تاريخ المغرب» إلى أن جان فيليب كاستلان، وهو ينحدر من مدينة مرسيليا، كان قنصلا لفرنسا بالمغرب معتمدا لدى السلطان المغربي زيدان عام 1610، الذي قال عنه المؤلف: «كان من أعظم ملوك السعديين بفضل حنكته وصرامته وحبه للعلم، وعطفه على أهله، كان شغوفا بالأدب، ومولعا بالكتب، فضلا عن أنه كان يملك خزانة عظيمة ورث معظم كتبها عن والده أحمد المنصور، وقد بلغ عدد كتب هذه الخزانة حوالى أربعة آلاف مخطوط».

ويضيف المؤلف الفرنسي أن كثيرا من هذه التحف النادرة كانت مغطاة بماء الذهب، ومنمقة بالجواهر النفيسة، وبعضها مكتوب بخطوط جميلة جدا وذات فنية عالية، ويحكي المؤلف الفرنسي هو الآخر قصة وصول خزانة مولاي زيدان إلى الإسكوريال فيقول: «في ربيع 1612 وصل زيدان إلى مدينة آسفي مع عائلته، وقد حمل معه ممتلكاته النفيسة ومنها مكتبته وهو ينوي الالتحاق بمدينة أكادير، وكان بالميناء مركبان، الأول هولندي، والثاني فرنسي وهو مركب كاستلان. واكترى زيدان المركبين، فسافرت عائلته في المركب الهولندي، وسلم خزانته وبعض ممتلكاته إلى مركب كاستلان الذي قَبِلَ نقل هذه الحمولة إلى أكادير مقابل 3000 دوقية. ويصف المؤلف الفرنسي وصفا دقيقا كل ما حمله هذا المركب من أمتعة السلطان السعدي، وكانت الصناديق التي تحتوي على حاجياته وكتبه قد وضع عليها خاتمه السلطاني. ويشير إلى أن المركب كان يسمى «نوتردام دي لاغارد». إلا أن صاحبه كاستلان رفض إنزال حاجيات ومتاع وكتب زيدان، قبل تسلم المبلغ المتفق عليه. وأمام قرب نفاد الزاد في المركب الفرنسي، قرر كاستلان وطاقمه في ليلة 22 يونيو العودة إلى فرنسا».

 

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

يشير المؤلف الفرنسي إلى أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، إذ عندما كان المركب الفرنسي قبالة مدينة سلا، هوجم على حين غرة من طرف أسطول إسباني كان تحت إمرة الأميرال فاخاردو، وأرغم على الاتجاه إلى مدينة قادس الإسبانية، حيث تمت محاكمة كاستلان وسجنه، ثم مات عام 1619. وألحقت خزانة مولاي زيدان بدير الإسكوريال، كما أرسلت بقية متاعه وحاجياته النفيسة الأخرى إلى مدريد. ويشير المؤلف الفرنسي إلى أن زيدان استشاط غضبا عندما علم بالخبر، واحتج بشدة لدى ملك فرنسا لويس الثالث عشر، وتحملت الجالية الفرنسية المقيمة في المغرب في ذلك الوقت عواقب ومغبة هذا الحدث، فزج ببعضهم في السجون وأرغم آخرون على مغادرة البلاد، وأصبحت العلاقات السياسية والتجارية بين المغرب وفرنسا شبه منعدمة. وقام لويس الثالث عشر بعدة مساعٍ لدى البلاط الإسباني، حتى يسترجع ملك المغرب ممتلكاته وخزانته دون جدوى. ويختم «جاك كايي» بحثه الشيق قائلا: «وما زالت مكتبة زيدان توجد إلى يومنا هذا في إسبانيا، في المكان نفسه الذي كانت توجد فيه من هذا الدير، وقد عاينها وشاهدها وتصفحها في عدة مناسبات العديد من السفراء والرحالة، والمؤرخين، والباحثين، والمتخصصين، والطلبة، وجميع هذه الكتب والمخطوطات يوجد عليها خاتم زيدان».

 

محتويات مكتبة دير الإسكوريال

المكتبة الزيدانية في الإسكوريال كانت قد وضعت لها على التوالي ثلاثة فهارس: الأول: قام به «ميشال كازيري» (غزيري؟)، السوري الماروني، في مجلدين اثنين بعنوان «المكتبة العربية الإسبانية في الإسكوريال» وظهر المجلد الأول سنة 1760م، والثاني سنة 1770. والفهرس الثاني الجديد قام به المستشرق الفرنسي «هارتفغ ديرانبورغ» وطبع المجلد الأول سنة 1884 تحت عنوان: «مخطوطات الإسكوريال العربية»، وفي سنة 1903 صدر الكراس الأول من المجلد الثاني. وبعد وفاة ديرانبورغ أصدر» ليفي بروفنسال «الفهرس الثالث وهو بمثابة مجلد جديد لإتمام عمل سابقه، والذي نشر سنة 1928، وكان بعنوان: «قائمة المخطوطات العربية بالإسكوريال»، وأصدرت أخيرا المستعربة الإسبانية، أوْرورا كانو، كتابا في ثلاثة مجلدات، يضم الفهرسة الكاملة لمجموع المخطوطات العربية الموجودة في خزانة الإسكوريال. وتقول مؤلفة الفهرسة في مقدمة كتابها «إن مكتبة الإسكوريال توفر للباحث أو القارئ المهتم الكثير من مصادر المعلومات، التي هي في بعض الأحيان فريدة من نوعها تشفي غليل هؤلاء الذين يدفعهم حب الاستطلاع أو تجذبهم قضايا مهمة وحيوية في مختلف ميادين المعرفة».

ووصف اليفرني، مؤسس خزانة السعديين، السلطان أحمد المنصور السعدي بأنه كانت له عناية تامة باقتناء الكتب والتنافس في جمعها من كل جهة، فجمع من غرائب الدفاتر ما لم يكن لمن قبله، ولا يتهيأ لمن بعده مثله، وقال الفشتالي اشتملت الخزانة الكريمة العلية الأمامية الشريفة على عدد جم من تصانيف أهل العصر في كل فن، حتى في الطب والهندسة. وهناك شهادة أخرى للعلامة المقري الذي قدر عدد كتب هذه الخزانة بمائة ألف مؤلف. ويؤكد المؤرخون أن مرد هذا التطور الهائل في مكتبات وخزائن السعديين يعود إلى أنها استفادت من العلاقات الودية التي كانت تربط الدولة بالمشرق والغرب، فتقاطرت عليها هدايا الكتب من كل مكان. حتى أن بعض أكابر المسيحيين الغربيين قدم إلى المنصور مصنفا طبيا مكتوبا بلغة أجنبية يرجح أنها اللاتينية. وكان السلطان السعدي يوفد البعثات إلى القاهرة، والأستانة قصد شراء الكتب واستنساخها، وكانت هذه الخزانة مفتوحة في وجه الباحثين وطلاب العلم.

ويؤكد القائمون على مكتبة الإسكوريال الفريدة من نوعها أن المخطوطات العربية والإغريقية الموجودة بها تعتبر من أحسن وأجمل المخطوطات في أوروبا، وتضم هذه المكتبة الآن حوالي 45000 كتاب مطبوع تعود إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وما يزيد على 5000 مخطوط تتوزع حسب أهميتها من حيث مضامينها وعددها على اللغات التالية: تأتي في المرتبة الأولى العربية (1700) مخطوط، واللاتينية (1400)، والقشتالية (800) والإغريقية (600)، والإيطالية (80)، والعبرية (حوالي 70)، والكتالانية والبلنسية (50)، والفرنسية (30)، والصينية (بضعة مخطوطات)، والفارسية (20)، والبرتغالية (15)، والتركية (12)، والأرمينية (2)، والألمانية (بضعة مخطوطات)، ولغة نوالط المكسيكية القديمة (مخطوط واحد).

وتبلغ مساحة خزانة الإسكوريال 54 مترا طولا مقابل 9 أمتار عرضا، و10 أمتار علوا، ويعلوها قبو عليه رسومات عديدة مزدانة ومزركشة بألوان متنوعة بديعة، تنقسم إلى سبعة أقسام تمثل سبع صور ترمز إلى الفنون أو العلوم السبعة التى كانت تدرس بالجامعات في ذلك الإبان وهي: النحو، والبلاغة، والجدل أو المنطق، والحساب، والفلك وخصصت الواجهتان الشمالية والجنوبية لعلميْ الفلسفة واللاهوت. وهناك 14 رسما لبارطولومى كاردوشو تصور قصصا لها صلة بالفنون والعلوم المذكورة، وبعض العلماء الذين نبغوا في هذه العلوم.

ويشير الأب تيودورو – أحد الذين عملوا في هذه الخزانة- إلى أن أجمل وأحب المخطوطات إلى نفسه هي المخطوطات العربية، حيث يعجز عن وصف جمالها وروعتها، ويؤكد أنه من أغرب ما لوحظ أنها مكتوبة بحبر أو مداد يحتوي على مادة قوية مضادة للحشرات، بحيث لا تقترب من هذه النفائس ولا تلحق بها ضررا ولا تلفا. وقد اعترف الأب تيودورو بأن محاكم التفتيش كانت قد أحرقت بالفعل العديد من المخطوطات العربية، وعليه فإن بعضها قد تم إيداعها في المكتبة وهي مخيطة، مخافة إحراقها أو تدميرها من طرف المتعصبين.

 

 بضاعتنا ردت إلينا

كان المسؤولون المغاربة عن الشأن الثقافي قد صرحوا، في 19 يناير 2010، أنه سيتم تصوير المخطوطات المغربية الموجودة في مكتبة الإسكوريال بمدريد، وإعداد نسخ منها على الميكروفيلم، لتصبح متوفرة للاستعمال في المكتبة الوطنية بالرباط. تحقيق هذه الغاية، أي الحصول على بعض النسخ من هذه الميكروفيلمات لم يتم إلا في 7 فبراير 2011، علماً أنه قبل هذا التاريخ بكثير في عام 1997  كانت الملكة الإسبانية السابقة صوفيا خلال زيارةٍ لها إلى مصر قد أهدت مجموعة من ميكروفيلمات المخطوطات العربية بدير الإسكوريال إلى مكتبة الإسكندرية، بما فيها المخطوطات المغربية على وجه الخصوص.

 

 

*كاتب وباحث ومترجم من المغرب

عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم بوغوطا كولومبيا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى