شوف تشوف

الرئيسية

محمد السادس يحكي كواليس التقارب المفاجئ بين الحسن الثاني والقذافي بعد فترة حرب باردة

عزيز الحور

مقالات ذات صلة

كان تصدير البحث الذي تمت عنونته بـ «شهادة» مساحة بوح حقيقية في مستهل عمل أكاديمي، لذلك كانت مضامين هذه الشهادة محررة بنبرة أكثر حميمية على خلاف بقية أجزاء البحث التي حررت بلغة علمية وتقريرية وقانونية صارمة.
لهذا السبب استرسلت هذه الشهادة، وهي في الواقع، وكما يظهر، شهادة من باحث غير عادي، وهو ولي العهد حينها القريب من أضيق دائرة قرار في المغرب، إزاء والده الملك الحسن الثاني وطريقة تدبيره موضوعا غاية في الحيوية والأهمية، وهو موضوع الاتحاد العربي الإفريقي، وضمنه علاقات المغرب الخارجية مع دول الجوار في سياق متسم بالدقة كما سبق أن ذكرنا.
لذلك، وبعد إدلاء الملك محمد السادس بشهادة شخصية في حق والده الراحل الحسن الثاني انتقل إلى إيراد شهادة أخرى تقوم على كشف معطيات عايشها محمد السادس، ولي العهد حينها، كشاهد عيان، مجليا الحجاب عن كواليس إنشاء الاتحاد العربي الإفريقي وتفاصيل التقارب الذي حصل بين الحسن الثاني ومعمر القذافي بعد سنوات جفاء ونفور.
من بين هاته التفاصيل ما يرويها محمد السادس بقوله: «كان ذلك ذات يوم جمعة من شهر يوليوز سنة 1984 حين استقبل صاحب الجلالة الملك أيده الله في آخر المساء مبعوثا ليبيا يحمل إليه خطابا من العقيد معمر القذافي، وقد كان هذا الخطاب طويلا نسبيا، تحدث فيه العقيد عن حالة الدول والشعوب العربية وما يفرق بينها من نزاعات داخلية، وعن الأخطار التي تتعرض لها بسبب تمزقها، وختمه بأمنيته أن يرى الدول العربية وقد تمكنت من إقامة وحدة فيما بينها».
يضيف الملك، تعليقا على رسالة القذافي، قائلا: «إن كل من يعرف العقيد معمر القذافي وميوله إلى تحقيق الوحدة العربية ومحاولاته التي لم يحالفها التوفيق دائما في هذا السبيل كان سيرى في هذا النداء عبارة عن أمنية عسيرة المنال صعبة التحقيق، ولكن جلالة الملك، بعد أن تصفح الخطاب، أجاب المبعوث الليبي قائلا إنه من البديهي أن وحدة العرب ستكون مصدر قوة لهم، غير أنه ليس في استطاعة المغرب وليبيا أن يلزما المجموعة العربية كلها بما قد يقررانه في هذا الصدد، أما فيما يرجع إلى المغرب فإن احتمال إقامة اتحاد بينه وبين ليبيا ليس مما ينبغي أن يقابل بالرفض، بل إن العكس هو الصحيح».
لقد كان رد الحسن الثاني إعلانا عن تغير مباغت في صلة المغرب بليبيا، فبعد عداوة دامت سنوات دعم خلالها القذافي، بكل ما أوتي من قوة، محاولات انقلابية بالمغرب عبر تسليح بعض من المعارضة، في القصة الشهيرة المتعلقة بتقريب العقيد الليبي بعضا من قيادات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الغاضبة، فضلا عن تسليحه فلول البوليساريو خلال المواجهات مع الجيش المغربي، جاءت لحظة انعطاف تاريخية بإعلان الحسن الثاني عن خلق اتحاد بين المغرب وليبيا وليس فقط مجرد تقارب وتطبيع علاقات.
وقع المباغتة التي استشعرها المبعوث الليبي لدى الحسن الثاني وصفه محمد السادس، الذي كان شاهد عيان، في شهادة البحث بالقول: «فوجئ المبعوث الليبي بهذا الجواب، وحسب، على ما يبدو، أنه قد أساء السمع، لا سيما وأن خطاب العقيد القذافي لم يكن مقصودا به جلالة الملك خاصة، بل كان عبارة عن منشور موجه إلى جميع رؤساء الدول العربية، وكان صاحبه يرغب في تسجيل موقف في ساعة حرجة من تاريخ الأمة العربية أكثر مما يرغب في الحصول على أجوبة دقيقة ممن توجه إليهم خطابه».
لقد أثار جواب الملك الحسن الثاني مفاجأة العقيد القذافي بنفسه، وهو ما يؤكده الملك محمد السادس في هذا الجزء من كتابه بقوله: «وقد بُلغ جواب جلالة الملك فورا إلى العقيد القذافي وكان بالنسبة إليه مثار مفاجأة كبرى لا تقل عن المفاجأة الكبيرة التي سبق أن شعر بها مبعوثه، ولكن الأمور سارت بسرعة بعد انطلاق الفكرة، فصيغ مشروع المعاهدة ووافق عليه العقيد من غير صعوبة تذكر، وبقي تحديد مكان التوقيع، وقد اتجه التفكير في البداية إلى أن يتم ذلك في بلد ثالث، ولكن العقيد القذافي اختار أن توقع المعاهدة في مدينة وجدة».
يردف الملك محمد السادس ذاكرا بعض التفاصيل: «وكان له (أي للقذافي) ما أراد، فتم اللقاء بهذه المدينة (أي وجدة) في 13 غشت سنة 1984، وأدخلت على المشروع تعديلات اقترح جلها العقيد القذافي، وبعد ذلك اقترح جلالة الملك على العقيد أن يقوم عقب انتهاء حفل التوقيع بزيارة الرئيس الشاذلي بن جديد (الرئيس الجزائري حينها) والرئيس الحبيب بورقيبة، ولم يكن جلالة الملك يقصد بهذا الاقتراح أن يتلافى فقط ما قد ينشأ عن إبرام المعاهدة من صدمة لحساسية بلدين مجاورين، للمغرب وليبيا، بل كان يريد، فوق ذلك، أن يفسح لهما في المجال منذ البداية ليحتلا، إن شاء، مكانهما في الاتحاد الوليد، وقد تقبل العقيد القذافي الاقتراح الملكي قبولا حسنا وقدره حق قدره، مدركا ما سيترتب عليه من نتائج إيجابية، وقام فعلا بزيارة إلى الجزائر في 13 غشت 1984 وزار تونس في اليوم التالي لهذا التاريخ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى