شوف تشوف

سري للغاية

محمد الأبيض : اللحظات العصيبة لنقل المانوزي وأحد الخاطفين تعرف عليه حرس «زوج بغال»

حاوره: يونس جنوحي

قلتَ إنك حاولت الابتعاد عن تونس وعدم حضور تنفيذ عملية اختطاف الحسين المانوزي، لكن التعليمات اقتضت أن تعود. من أعطى الأمر بعودتك من إيطاليا يوم 29 أكتوبر 1972؟
+أخبرتك أن رئيس الفرقة الخاصة التابعة للجنرال الدليمي هو الذي اتصل بي وأنا في إيطاليا، وقال لي إن الأوامر تقتضي أن ألتحق فورا بمقر عملي في السفارة المغربية في تونس لأمر مهم.
قلتُ له إن لدي مهمة دبلوماسية في إيطاليا ولا يمكن أن أعود إلى تونس. لكنه قال لي يجب أن تعود، هذه تعليمات، ولم أملك خيارا آخر. وفعلا دخلتُ إلى العاصمة التونسية ووجدت أنهم يحتفظون بالحسين المانوزي في سيارة دبلوماسية في ملكية السفارة المغربية في تونس، ومهمتي بالضبط كانت قيادة السيارة.

يعني أنك لم تشارك في الاختطاف؟
+لم أشارك فيه لكني علمت باقتراب وقوعه عندما وصل المُختطفون لتلك السيدة التي نوى المانوزي الارتباط بها.
وجدته في صندوق السيارة، وبدأت الاحتجاج على رئيس الفرقة، بينما كان الآخران واقفين يحرسان السيارة. قال لي رئيسهم: «يجب أن تقود السيارة لكي تعبر بنا الحدود الجزائرية باستعمال جوازك الدبلوماسي». أخبرته أنني موظف في السفارة ولست خادما عنده، لكنه أخرج مسدسه وصوبه نحوي. وقال لي: يجب أن تقود السيارة وتعبر بنا الحدود الجزائرية.
جلبتُ جوازي الدبلوماسي، وفعلا رافقتهم إلى أن وصلنا نقطة كيلومترية قريبة من الحدود التونسية مع الجزائر. وأوقفت السيارة. بدأ الثلاثة يحتجون، ومعهم بوبكر الحسوني، الممرض الذي ورد اسمه في عمليات اختطاف كثيرة، وضحايا دار المقري ودرب مولاي الشريف يعرفونه جيدا. قلت لهم إنه من العيب أن يتركوا الرجل هكذا بدون أكل ولا شرب طيلة هذه الساعات. واتجهت صوب صندوق السيارة، ووجدت أنه تم إحداث ثقوب لكي يستطيع التنفس. أزلت الشريط اللاصق عن فمه واقتنيت في نقطة الاستراحة بعض الحليب وسقيته وسط احتجاج الخاطفين، وواصلنا الطريق.
كنت أريد الوصول في أسرع وقت ممكن حتى لا يموت المانوزي في الطريق.

كيف كانت الأجواء داخل السيارة؟
+كان الثلاثة خائفين من أن يتم اعتقالهم في الحدود الجزائرية. وفهمت أيضا أن العملية ربما كانت ارتجالية منهم. لو كان هناك تنسيق مع رئيسهم ربما لأرسل لهم طائرة عسكرية إلى المطار أو لتولوا التحقيق معه في تونس.

تريد أن تقول إن المانوزي لم يتم استنطاقه في تونس؟
+لم يتم استجوابه ولم يتعرض لأي تعذيب. مباشرة بعد سقوطه في فخهم، احتجزوه وربما خدروه في البداية، لأن بوبكر الحسوني كان حاضرا ومهمته دائما هي تخدير المخطوفين، ووضع في الصندوق.
لقد كانت هناك عادة في تلك الفترة تتلخص في تسابق أفراد المخابرات على إظهار الولاء وينفذون كثيرا من عمليات الاختطاف لمبحوث عنهم لكي يحصلوا على مكافآت من الإدارة. وهذا بالضبط ما وقع في قضية المانوزي.

لنعد إلى الأجواء داخل السيارة. ماذا وقع بالضبط؟
+لم نكن نتحدث. كان الصمت سيد الموقف طيلة ساعات القيادة الطويلة. وللإشارة، فقد كان فريق الدليمي يعرفون جيدا أنه سبق لي عبور تلك الطريق مرات كثيرة من تونس صوب منطقة «زوج بغال» الحدودية. أي أنني كنت أعرف الطريق جيدا، وبعض حراس الجمارك كانوا يعرفونني هناك.
عبرنا الحدود التونسية- الجزائرية دون مشاكل، وازدادت مخاوف الخاطفين. كان الخوف باديا على وجوههم لأن الجزائريين إذا قرروا مثلا تفتيش السيارة سوف يجدون المانوزي ممددا في الصندوق، وهذا أكبر دليل على أن خطتهم مرتجلة.
توقفنا مرة أخرى للاستراحة. كانوا هم من يقررون متى نتوقف. وقررت أن أسقي المانوزي مرة أخرى حتى لا يموت عطشا.
واصلنا الطريق نحو منطقة «زوج بغال» الحدودية مع وجدة، ووجدنا شرطة الحدود بطبيعة الحال. وهنا بدأ التوتر الحقيقي لدى أعضاء الفرقة الخاصة. كان رئيسهم يركب بجانبي، بينما الاثنان الآخران يجلسان في الكراسي الخلفية.
أمرني بلهجة تهديد أن أخرج جوازي الدبلوماسي وأن أتولى الحديث مع الشرطة. وفعلا هذا ما قمت به.
سألني حارس الحدود: «ماذا لديك في صندوق السيارة؟». أجبته أنني فقط أحضر معي موظفين مغاربة بصفتي الدبلوماسية وأنقلهم من تونس إلى المغرب.
طلب جوازات الركاب معي، وفعلا منحوه جوازات سفرهم.

هل كانت جوازاتهم حقيقية؟
+ربما كانت بأسماء مستعارة، لكنها كانت تحمل صورهم الحقيقية بطبيعة الحال. قلّب الحارس جوازاتهم وقارن بين الصور ووجوه الراكبين الثلاثة. والمصيبة أنه تعرف على الشخص الثالث. وسأله: «هل أنت شرطي؟». فأجاب الآخر بالنفي.
وفعلا فقد كان في السابق شرطيا للمرور في الرباط، قبل أن يلتحق بالفرقة الخاصة بالمخابرات التي يترأسها الجنرال الدليمي. واكتشفت أن الشرطي الجزائري على الحدود في زوج بغال كان يعمل في الرباط لفترة ما، قبل أن يعود إلى بلاده الجزائر ويعمل في صفوف شرطة الجمارك.
أخذ الجوازات وتركنا ننتظر في السيارة. سمعت أنه يتحدث في الراديو، وكان يعطي أسماءنا عبره وذكر أن أحد الركاب «بوليسي» مغربي. كنا نتوقع أن يتم توقيفنا وتفتيش السيارة في أية لحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى