شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

محل لبيع طوابع البريد

 

 

يونس جنوحي

ماذا سوف يكون موقفكم لو استوقفكم سائح أجنبي مُسن، يسألكم عن متجر لبيع الطوابع البريدية؟

هذا ما وقع بالضبط، قبل يومين، مع عدد من الناس الذين كانوا يهمون بعبور الشارع المحاذي لمقهى باريس في قلب مدينة طنجة.

لا يبدو أن الرجل ضل طريقه أو يعاني من الخرف، بل كان يعي جيدا ما يقول. المشكلة أنه يبحث عن الشيء الصحيح في المكان الخطأ.

هناك مشكل كبير لدى المغاربة مع كل ما هو ورقي. لو سألتَ أحدا عن أقرب محل لبيع الصحف، فسوف تبدو وكأنك قادم من كوكب آخر. أما إذا سألتَ، مثل صاحبنا، عن مكان لبيع الطوابع البريدية في زمن «الواتساب»، فالأكيد أن الناس سوف يُشككون في سلامتك العقلية.

هناك سياح حول العالم، لا يزالون يحافظون على عادة بعث الرسائل من الأماكن التي وصلوا إليها خلال جولاتهم حول العالم.

فهذا السائح الأمريكي، زار حتى الآن أكثر من عشرين بلدا خلال السنوات الأخيرة فقط، وواظب على اقتناء طوابع بريدية من البلدان التي وصل إليها، بالإضافة إلى بطاقات معايدة لكي يبعثها إلى أقاربه ومعارفه.

المشكل أن خدمات البريد في المغرب، بالطريقة التقليدية، صارت مهجورة. وهناك مخاوف كبيرة لدى عدد من الناس، من بعث رسائل عن طريق البريد العادي مخافة ألا تصل،

خصوصا وأن شكايات كثيرة وصلت إلى إدارة البريد تُسائل عن جودة الخدمات أمام الشكايات الكثيرة بخصوص تأخر الرسائل، وضياع بعض الإرساليات، واستعادة شركات أجنبية لطرودها بعد عدم توصل الزبناء بها في المغرب، واستعادة أموالهم من هذه الشركات. وهو ما كبدها خسائر سنوية لا يستهان بها.

تخيلوا أن شركة تبيع منتجات صيانة الهواتف النقالة، تبعث طردا بقيمة 30 دولارا إلى مواطن مغربي في أجل تسليم أقصاه 15 يوما فقط.

وبعد وصول الطرد إلى المغرب، حسب ما يشير إليه الموقع العالمي لتعقب الإرساليات، سوف يبقى عالقا في إدارة البريد لخمسة أشهر كاملة لم يستطع خلالها صاحبه تسلمه، بدعوى أن الطرد سوف يصله إلى عنوان بيته. وفي الأخير، يعود الطرد إلى المنطقة الدولية في الميناء، ويُشحن مرة أخرى إلى الشركة الأم التي تقع في السويد. وبعد توصل الشركة مباشرة بالطرد، تُراسل الزبون لتُعيد إليه أمواله كاملة -في ظرف يومين فقط- بعد خمسة أشهر على اقتطاعها.

السائح الأمريكي، كما يقول، أراد فقط الاحتفاظ بالطوابع البريدية لنفسه لكي يضمها إلى مجموعته العالمية. أما بطاقات المعايدة، فيكتفي بتسليمها يدا بيد إلى أصدقائه بعد عودته إلى الولايات المتحدة.

يقول هذا السائح إنه زار المغرب لأول مرة سنة 1979، عندما كان في رحلة بالباخرة نحو الشرق، وقضى أسبوعا كاملا متسكعا في الشمال، حيث كانت «الموضة» وقتها أن يهيم «البوهيميون» في الأرض ويدخنوا «الحشيش».

عندما تصادف شخصا زار المغرب، قبل أربعين سنة، وعاد إليه الآن، فإن السؤال الوحيد الذي يفرض نفسه، وبإلحاح، هو الآتي: ماذا تغيّر في نظرك؟

لكن جواب هذا الأمريكي كان صاعقا. يقول إنه في زيارته الأولى لم يكن ناضجا بما يكفي لكي يتعرف على المغرب والمغاربة، كان فقط يبحث عن نفسه. أما الآن، فإنه أمام بلد «حافل بالمفاجآت». ربما يقصد أنها المرة الأولى التي تعامل معه الناس فيها وكأنه أحمق قادم من كوكب بعيد، فقط لأنه يسأل عن متجر لبيع الطوابع البريدية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى