حسن البصري
سألني أحد الزملاء الصحافيين الجزائريين عبر دردشة فايسبوكية، مستفسرا عن وجودي ضمن «التجريدة» الإعلامية المغربية في سان بيدرو.
كنت موجودا في تلك اللحظة في أحد مقاهي حي سيدي عثمان، فأجبته: «لست حاضرا ضمن بعثة سان بيدرو ولكنني مرابط في مقاهي «سان عثمان». تناسل الكلام قبل أن أنتشل زميلي من حيرته وأكشف له عن حقيقة «سان عثمان» الحي الشعبي الذي لا يشتكي سكانه من الحرارة والرطوبة، إلا حرارة الأسعار ورطوبة الهشاشة واختناق الشوارع والأزقة بالباعة.
دار بيننا حديث حول العداء الذي امتد إلى الوسط الإعلامي، وكيف يتغذى يوميا بمضامين صناع محتويات الضغينة من هنا وهناك. وكيف تخصص كثير من الزملاء في انتهاك ما تبقى من أخلاقيات المهنة؟
ذكرني زميلي بزمن مضى، كنا نستضيف بعضنا البعض ونحرص على إكرام ضيفنا ونجلس جنبا إلى جنب في منصة الصحافة، نتبادل الأفكار والتهاني والمواساة عند الانتصار والانكسار، ثم نضرب موعدا في مباراة إياب وضيافة إياب.
اليوم وفي ظل التشنج الحاصل بين الإعلاميين هنا وهناك، أصبحت الضيافة مرهونة بترخيص من مقدم الحي، وإكرام الضيف دفنه.
أخبرني زميلي بواقعة غريبة حين سأل ابنه الصغير المهووس بعشق وفاق سطيف، عن أحلامه الساكنة في وجدانه، فرد عليه: «أريد أن أصبح لقجع»، وقبل أن يبتلع الأب دهشته، سيقدم الولد مبررات حلمه:
«لقجع يقولوا حاكم البالون».
من فرط إصرار الإعلام الجزائري على مسح كل نكبات الكرة، التي تحصل في بلد المليون عنيد، في رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، أصبح الأطفال الجزائريون يحلمون بتقمص شخصية تداعب عيونهم، كما تداعب مشاعرهم شخصيات الأفلام الكارتونية كباتمان أو سبيدرمان.
في طفولتنا كان مدرسنا يسألنا عن أحلامنا عن المهن التي تداعب مشاعرنا، فكان نصف الفصل معلمين والنصف الآخر بوليس بالتمني، ومع مرور الأيام تتبخر أحلام الصبى ويتحكم القدر في طريقك حين تتوقف في مفترق الطرق.
في الجزائر مئات المؤثرين الذين انتعشوا من «لقجع»، ونسجوا من خيالهم حكايات تجعل من رئيس الجامعة الملكية المغربية، صانع نكبات جيراننا وزارع الألغام في منتخب بلادهم.
حين خرج المنتخب الجزائري من الدور الأول بحثوا عن جرعة تؤجل آلام الشعب، فاهتدوا إلى محلول «لقجع» المضاد للنكبات، مع توصية بتناوله ثلاث مرات في اليوم بعد المباريات طبعا.
سافرت مع المنتخب المغربي عشرات المرات، لكن نادرا ما يرافق البعثة المغربية رئيس الجامعة، فالمنتخب كالتوقيع كان يخضع لنظام التفويض.
لا يحضر الجنرال حسني بن سليمان إلا للمباريات الحاسمة، ولا يشغل نفسه بمباريات الأدوار التمهيدية، وفي رحلات المنتخب يفوض الأمر لضابط عسكري يحرص على سن الانضباط، ورئيس وفد مدني ينفذ أوامر الجنرال.
في نهائيات كأس أمم إفريقيا بالغابون سنة 2012، توجهت إلى مطار ليبروفيل لاسترجاع حقيبة سفر أخطأت الرحلة، وجدت في بهو المطار سفير المغرب في الغابون والقنصل العام وموظفي السفارة، والكاتب العام للجامعة، عيونهم تمسح لوحة مواعيد وصول الطائرة التي تقل في جوفها رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم علي الفاسي الفهري.
سأفهم في ما بعد سر الاستنفار الدبلوماسي، الذي يعود لتوصية من الوزير السابق للخارجية المغربية الطيب الفاسي الفهري، شقيق المسؤول عن الكرة، لكن حين نزل علي وتسلم باقة ورد وتناثرت في بهو المطار عبارة «سلامات ياعلي سلامات»، التفت إلى عضو جامعي وسأله عن نتيجة مباراة في لعبة التنس جمعت فيدرر بخصمه ديوكوفينش، ولأن رئيس الجامعة كان عاشقا للمضرب، فإن العضو كان مستعدا للجواب.
بعد فترة انتقالية سيأتي زمن لقجع، ويتحول مع مرور الأيام إلى ملهم للشعراء الصعاليك في بلد أراده الله لنا جارا.