شوف تشوف

الرئيسية

مجتمع ما بعد جائحة كورونا

هيشر ابتسام
كلنا يعلم، وبدون إستثناء، حجم الخسائر التي تسببت فيها جائحة كورونا للعالم بأسره، إلى حدود الآن، مازال الموت يحصد الآلاف، لازال العالم يسارع الزمن لإيجاد لقاح ضد هذا الفيروس اللامرئي، الذي أطاح بكبريات الدول.. لا يمكننا الآن إلا التشبث بالأمل، والحلم بالعبور الآمن إلى مجتمع مابعد جائحة كورونا.
سؤال مابعد جائحة كورونا، فتح الباب أمام مجموعة من الأسئلة التي كان لزاما علينا الوقوف عليها، نظرا لأن مجتمع اليوم عايش مجموعة من الظواهرالاجتماعية الجديدة، وكذا عرف نوعا من التغيير في أنماط السلوك الاجتماعي الذي أصبح من مواضيع سوسيولوجيا الحياة اليومية، التي شملت المعيشة والتعليم والثقافة والتواصل والعادات والتقاليد والروابط الاجتماعية.
يجب أن نعتبر من جائحة كورونا ونأخذ بمحمل الجد تقوية جذورنا، فالعالم مستقبلا يسير إلى المجهول إلى “مجتمع المخاطرة” كما اعتبره عالم الإجتماع الألماني أولريخ بيك، فقد نبهنا إلى المخاطر التي سوف تواجهها البشرية في عالمنا المعاصر، في كتابه الشهير مجتمع المخاطرة، إنه مجتمع الأزمات والصراعات اللا متناهية، فلا سبيل اليوم للتهاون في بناء الإنسان والاستثمار في المجالات الحيوية التي ستضمن الاستمرارية لمجتمعاتنا، مجتمع مابعد جائحة كورونا يجب أن يسعى جاهدا وأن يخوض أولا حربا ضد نظام التفاهة، الذي أصبح يضغط على حلوقنا لدرجة الاختناق، والذي سبب مآسي وأضرارا لاتزال تدمي جرحا داخل المجتمع الذي يحتاج إلى العلاج العاجل، وتنبه المجتمع من تلافي الخطر القادم بدءا من محاربة صناع التفاهة الذين أصبحوا يتحكمون بمواقع صنع القرار في العالم، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإجتماعيا، وحسب الفيلسوف الكندي آلان دونو فالأمر يتعلق بـ «ثورة تخديرية».
إن جائحة كورونا ليست سوى مرحلة عابرة في حياة البشرية، فليس هناك من مأساة اجتماعية أكثر تأثيرا وتدميرا من التفاهة وثقافة الانحدار، عندما تصبح عنوانا للسلوك الأمثل والقدوة والنموذج للأجيال المقبلة، وفي هذا الصدد، يقول الروائي الإسباني كارلوس زافون: «لن يفنى العالم بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والإفراط في التفاهة التي ستحول العالم إلى طرفة سخيفة». فالتدني الملحوظ لمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي وكذا بعض الصحف والجرائد وبعض الكتب، التي من خلال لغتها المكتوبة أو محتواها فالغاية منها طبعا تمرير بعض الأفكار والرسائل التي تسعى إلى هدم الإنسان المثقف، وسيادة ثقافة الانحداروالابتعاد عن القضايا الجوهرية. ويقول إدوارد جاليانو في هذا الصدد: «نحن نعيش أوج عصر التفاهة بات عقد الزواج أهم من الحب، مراسيم الدفن وطقوسه أهم من الميت، اللباس أهم من الجسد، قداس الأحد أهم من الله…»، وهنا ندعو الإعلام إلى إعادة الرأي العام إلى القضايا التي تخدم تقدم الإنسانية.
الكل انشغل بالأسئلة التي تهم حالة العالم بعد انتهاء حربنا ضد جائحة كورونا، والسؤال الأهم من ذلك هو هل يمكن أن يكون هذا الفيروس بوابة لمحاولة التفكير في المدخلات التي أنتجت ما يسميه آلان دونو «نظام التفاهة»؟ فالتاريخ أثبت أن الإحساس بالخطرهو دافع قوي نحو التغيير، إذا ضمنا المرور الآمن إلى مجتمع مابعد جائحة كورونا، ولم تغير هذه الجائحة من شيء فينا، فيجب أن تكون لنا قناعة تامة بأن الوباء متجذر في عقولنا وذواتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى