شوف تشوف

صحة

متلازمة المنقذ.. عندما يتحول «دور البطولة» إلى حالة نفسية تستوجب العلاج

من منا لا يحب أن يجد إلى جانبه أشخاصا قادرين على مساعدته وإسعاده، أشخاصا قادرين على مد يد العون له في وقت الحاجة، يجدهم إلى جانبه عندما يتخلى عنه الجميع. في الواقع هؤلاء الأشخاص قد يكونوا إما أصدقاء أو من أفراد العائلة، يقفون إلى جانب الشخص في أحلك الظروف ويقدمون المساعدة عندما يحتاج إليها، وهذا رد فعل نبيل من قبلهم، ويحسب لهم بالتأكيد.
لكن ماذا عن أشخاص يقدمون «يد العون» ويلعبون دور البطولة دائما وأبدا، حتى دون أن يطلب منهم ذلك، بل يحشرون أنوفهم في أمور بعيدة عنهم ولا تخصهم، لأنهم يريدون تقديم يد المساعدة. وبالرغم من أن مساعدة الآخرين أمر جيد وحميد ويحسب لصاحبه، فإن أي أمر إذا زاد عن حده حتى وإن كان جيدا، يبقى غير مقبول أبدا، لأن المساعدة تغدو، في بعض الأحيان، أمرا غير مقبول أبدا، خصوصا عندما لا تبقى لهذه المساعدة أية قيمة أو أية ضرورة. وفي هذه الحالة، فإن «المنقذ» الذي يلعب دور البطولة هو في الواقع إنسان يعاني من مشاكل نفسية وسلوكية، ويحتاج بالتأكيد إلى مساعدة نفسية.

مقالات ذات صلة

ثمة مجموعة من الأشخاص ليسوا طبيعيين، لأنهم في الواقع يعانون من مشاكل نفسية ورواسب خطيرة لاحقتهم منذ الطفولة، وهم أشخاص تعرضوا لمشاكل خطيرة في الصغر، وربما تعرضوا لعدم الاهتمام من قبل آبائهم أو عانوا من عدم الاهتمام من قبل أهلهم خلال مرحلة الطفولة، وهو ما جعلهم يتحلون إلى «منقذين» في الكبر، يندفعون لمساعدة الآخرين، لكنهم، في الواقع، يحاولون بذلك التصرف إسعاد أنفسهم وتحقيق رغبات دفينة داخلهم، ومن أجل تغذية ذلك الإحساس بالنقص الذي رافقهم منذ الصغر.
وفي معظم الحالات التي يعاني أصحابها من مشكلة أو متلازمة المنقذ، فإن الشخص يتحول بسرعة كبيرة من بطل إلى «ضحية» لأنه يرى أن الآخرين لم يقدروا مجهوداته وتضحياته التي قام بها من أجل مساعدتهم وتقديم يد العون لهم. لهذا عندما يتقمص هذا المريض دور الضحية، فإنه بالتأكيد يحتاج للخضوع لجلسات علاج نفسي من أجل تجاوز الأمر وعدم الوقوع في أزمة أخرى أو تدهور حالته النفسية.

التعامل مع الآخرين

في الطبيعية الإنسانية وفي العلاقات الاجتماعية بشكل خاص، دائما ما نجد أن العلاقات الاجتماعية بين الأطراف تختلف وتتغير، فهناك أشخاص يتعاملون بحذر مع الآخرين. وفي الطبيعة البشرية، نجد، أيضا، أن الكثيرين قد يكونوا لطفاء ويتعاملوا بطريقة جيدة، ولكن حتى وهم لطفاء يمكن أن يتنرفزوا ويصابوا بالقلق أو بالغضب وقد تتغير معاملتهم بتغير مزاجهم. ربما هذا أمر طبيعي إن لم نقل إنه صحي، لكن في العلاقات الاجتماعية نجد، كذلك، أشخاصا يتحلون باللطافة الزائدة عن الحد، ويتميزون بتقديمهم ليد العون دائما وأبدا ويحاولون قدر جهدهم أن يظهروا لطفاء ويتحلوا بكل الصفات الحميدة وعلى مدار الساعة. وفي الواقع هؤلاء الأشخاص الذين يتحلون بهذه الصفات، هم أشخاص مشكوك في أمرهم ويثيرون الريبة والقلق، بل عكس ما يريدون تصويره للآخرين، هم في الحقيقة أشخاص غالبا ما يجعلون الآخرين يحذرونهم ويتجنبونهم، لأنهم لا يثقون في تلك اللطافة الزائدة عن الحد.
وبحسب الأخصائية النفسية الفرنسية أودري لو ميري، فإن المنقذ أو البطل في حاجة ماسة لجعل نفسه شخصا مفيدا وفي حاجة ماسة أيضا لمعرفة أنه إنسان ضروري ودوره مهم في حياة الآخرين، وقد يصل به الأمر إلى اختلاق أو افتعال مواقف يجد فيها نفسه البطل في آخر القصة. وبحسب الدكتورة نفسها، فإنه يمكن تشبيه هذا الشخص برجل الإطفاء المضطرب.

هل متلازمة المنقذ اضطراب نفسي؟

لم يتم إدراج متلازمة المنقذ ضمن القائمة الأمريكية للأمراض العقلية التي تضم المئات من الأمراض النفسية التي تم إدراجها ضمن هذه القائمة. لكن هناك مجموعة كبيرة جدا من الأطباء النفسيين الذين يعتبرونها مرضا نفسيا يجب الاعتراف به. ويرى المختصون أن متلازمة المنقذ قد تظهر بدرجات مختلفة، وقد يكون هذا المنقذ منقذا «مؤقتا»، ويمكن أن تتطور حالته لتصل حد الانحراف. فيما تدرج الأخصائية أودري الأشخاص الذين يعانون من هذه الشخصية ضمن خانة الأشخاص الذين يعانون من الشخصية النرجسية، لأن كل ما يقومون به في الواقع ليس من أجل إسعاد الآخرين ومساعدتهم، بل ليشعروا بالرضا والسعادة هم أنفسهم.

ضحايا من فاقدي الأمان

يستطيع المصاب بمتلازمة «المنقذ» اختيار «ضحاياه»، إذا صح التعبير، بعناية، فهو دائما ما يتجه نحو الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في حياتهم، ويحتاجون إلى الدعم والمساندة، وهو يظهر في الوقت المناسب ليقدم لهم المساعدة، من أجل تقديم الأمن والأمان الذي يفتقده بعض الأشخاص، فهو يبحث عن الأشخاص الذين هم في حاجة ماسة إليه وإلى مساعدته، ليغذي تلك الرغبة الدفينة في داخله للشعور بأنه إنسان مطلوب وليشعر بالرضا عن نفسه.
والمشكلة الكبيرة تكمن، حسب الأخصائية النفسية الفرنسية، في أنه عندما لا يتلقى هذا البطل المنقذ الاعتراف بالجميل الذي يرغب فيه ويستحقه، فإن هذا الاضطراب قد تكون له عواقب جد وخيمة على الصحة النفسية لهذا الشخص، إذ يشعر بأنه شخص عديم الجدوى ولا فائدة منه، وقد تتطور حالته النفسية لتصل إلى إصابته بالتهاب حاد، وقد يتسبب هذا الوضع له في خيبة أمل جد كبيرة وحادة، مع إمكانية شعوره بالاستياء وعدم الرضا والعداء والكراهية للآخرين.
قد تكون شخصية المنقذ أكثر صعوبة أو تعقيدا عندما يكون أحد الأزواج مصابا بهذه الحالة، وقد تتحول العلاقة الزوجية إلى علاقة مسمومة، إذ يعمل الشريك المصاب بهذا الاضطراب المستحيل من أجل السيطرة والاستحواذ على شريكه قصد حمايته وتقديم العون والمساعدة له، وفي الكثير من الحالات تنتهي هذه العلاقة بالانفصال.

أهم أعراض متلازمة المنقذ

في العادة يكون من الصعب على المصاب بمتلازمة المنقذ أن يدرك أنه يعاني من اضطراب أو خلل ما، لأن النرجسية التي يشعر بها في تلك اللحظة تكون قوية وتجعله يشعر بأن ما يقوم به أمر جيد، لكن المحيطين به من أفراد أسرته هم من يستطيعون معرفة أنه يعاني من خلل ما، لهذا فهم من يعرضون عليه الخضوع للعلاج وعرض نفسه على مختص نفسي.
وذكرت، في كتاب بعنوان «متلازمة المنقذ»، بعض الأعراض التي تمكن من التعرف أكثر على شخصية المنقذ، وهذا الكتاب، الذي يعود لماري لميا ومارلين كريجر، صدر سنة 2009 وتمت ترجمته من الفرنسية إلى العربية.
وبحسب الأطباء النفسيين الأمريكيين، فإن متلازمة المنقذ تنقسم إلى مجموعة من الأصناف ويمكن تفريقها إلى مجموعات، ومن أهمها متلازمة المتضرر، وهو الشخص الذي يشعر بالحاجة إلى الشعور بإعجاب الآخرين به من أجل العمل على شفاء جروح الماضي.
المنقذ العاطفي: وهو شخص يخاف من نجاح شريكه لأنه يشعر بأن نجاح الآخر يهدده لأنه سيصبح غير محتاج له في حياته، لهذا فهو يريد دائما أن يكون شريكه في حاجة إليه.
وهناك النوع الثالث وهو المنقذ المرهب: وهو شخص يلجأ إلى السيطرة على شريكه حتى لا يتخلى عنه، وهو في حياته شخص يغار بشكل كبير، وغالبا ما يفضل عدم ممارسة الجنس بشكل كبير.
في الواقع، من المحتمل بدرجة كبيرة علاج الحالة النفسية للمريض، ليستطيع التخلص من تلك الأعراض التي تسيطر عليه، لكن بعض المختصين يؤكدون أن الشفاء التام لا يتم، لكن يتم تعليم المريض طرق السيطرة على حالته النفسية..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى