شوف تشوف

الرأي

مبادرة وقف العنف

الذين نسوا «مبادرة وقف العنف» التي أطلقت في مصر قبل تسعة عشر عاما معذورون، فنشرة أخبار العنف التي تبث طوال السنوات الثلاث الأخيرة لا تدع مجالا للحديث عن مبادرة وقفه التي أطلقت في أواخر القرن الماضي.
والذين تناسوا المبادرة معذورون أيضا، لأن الأجواء الراهنة لا تحتمل سوى خطاب واحد يلعن العنف ولا يكف عن التلويح بخطره، ومن ثم شيطنة أهله الذين صاروا من «الأشرار» الذين لا حديث يعلو فوق نداءات الخلاص منهم.
وحدهم الذين أعدوا المبادرة لايزالون يذكرونها ولا يملكون سوى اجترار ذكريات إطلاقها في مجالسهم، وهو ما يتم بعيدا عن الأضواء خشية الاتهام وتجنبا لسياط الإعلام الأمني الذي بات يعتبر كل من انتمى ــ ولو تاريخيا ــ للإسلام السياسي متهما وملعون الوالدين حتى يثبت العكس، ومن الأشرار الذين لا يستحقون الحصول على رخصة الانضمام إلى الأبرار الذين يملأون الفضاء تهليلا وتصفيقا وتسبيحا.
يوم أمس (السبت 27 غشت) التقى نفر من أصحاب المبادرة في «الذكرى السنوية» لها. وليس لدي تفسير لاختيار ذلك التوقيت لأن المبادرة أطلقت في الخامس من شهر يوليو في عام 1997 وقد خطر لى أن تكون الحسابات الأمنية وراء ذلك. اللهم إذا كانوا قد عقدوا ذلك الاجتماع في «الذكرى الأربعين» للحدث الذي دفن فور إعلانه.
لاتزال المبادرة حية لم تمت، لسبب جوهري هو أننا لم نطرح حتى الآن صيغة سياسية لوقف العنف. صحيح أننا عقدنا عشرات المؤتمرات وألقيت علينا آلاف المواعظ وأصدرنا ما لا حصر له من البيانات، إلا أن العنف استمر بدرجة أو أخرى في الوقت ذاته فإنني لا أستطيع أن أتجاهل احتمال أن تكون التعبئة الإعلامية ضده مطلوبة لاستمرار استنفار المجتمع وإشعاره بالخطر، لتبرير حاجة السلطة إلى تشديد القبضة واللجوء إلى الإجراءات الاستثنائية لمواجهة ذلك الخطر.
تكمن أهمية مبادرة وقف العنف التي أعلنتها الجماعة الإسلامية قبل 19 عاما في ما يلي:
– أنها كانت تجربة فريدة على المستوي المحلي والإقليمي جسدت انتقال فصيل مسلح بشكل طوعي من العنف إلى السلم على إثر مراجعات داخلية، أعلنت على الملأ في أربع دراسات شرعية وسياسية مفصلة.
– التجربة نجحت في إطار الجماعة الإسلامية بدليل التزام أعضاء الجماعة طوال تلك المدة بالعمل السياسي السلمي.
يشهد بذلك أنه طوال تلك المدة لم يحدث خرق واحد من جانب عناصر الجماعة لقرار نبذ العنف.
وهو ما حدث حتى في أوقات الفراغ الأمني بعد ثورة يناير، رغم وجود دوافع الانتقام والتشفي وتصفية الحسابات القديمة.
– في التعبير عن الالتزام بالمبادرة والتزاما بموقف نبذ العمل السري، فإن الجماعة أنشأت حزب البناء والتنمية للمشاركة في العمل السياسي العلني. وأثبت الحزب في الممارسة تمسكه بمبادئ الحوار والمواطنة واعتماد الآليات الديمقراطية في الممارسة السياسية.
– سجل الحزب موقفا إيجابيا واضحا إزاء المشكلات الطائفية، حيت أطلق مبادرة «وطن واحد وعيش مشترك» لترسيخ الاصطفاف الوطني.
هذه المحاور لم تكن شعارات فقط، ولكنها كانت نهجا التزم به الحزب منذ عام 1997. إذ لم ينسب إلى أحد من أعضائه أي ضلوع في كل عمليات العنف التي تمت خلال السنوات التي خلت، وحتى اللحظة الراهنة.
مشكلة المبادرة في جديتها. أعني في أنها صادرة عن فصيل ينتمي إلى الإسلام السياسي، طوى صفحة العنف وأبدى رغبة في المشاركة السياسية والتغيير السلمي والديمقراطي.
ولأنها كذلك فإن تجميدها أو تجاهلها يبدو منسجما مع أجواء إقصاء الإسلام السياسي وإبادته سياسيا وثقافيا. ولأن ذلك التيار بمختلف فصائله يعد تعبيرا عن هوية إسلامية للمجتمع أصيلة وراسخة، فإن الإصرار على إقصائه يعد موقفا عبثيا وغير ديمقراطي، خصوصا إذا تعلق الأمر بفصائله المصرة على الالتزام بالسلمية والالتزام بالقيم الديمقراطية.
وهو تفسير إذا صح فهو يعني أن موقف الإقصاء لمثل هؤلاء لا يعد فقط مصادرة لحق من حقوق الإنسان. لكنه يعد أيضا تزويرا للديمقراطية وانتهاكا لقيمها.
وإذا كان الخطاب السياسي قد أطلق على كل فصائل الإسلام السياسي وغيرهم من المغضوب عليهم مصطلحا مبتدعا هو «أهل الشر»، فواقع الأمر يؤكد لكل ذي عينين أن فصيل البناء والتنمية يضم بعضا من خيار أولئك الأشرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى