شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

 ما ورائيات الأزمة الأوكرانية

 

إميل أمين

 

يبدو الإعلام الأمريكي مدفوعا بقوة قسرية تجعله بوقا للحرب، ينذر ويحذر بالثبور وعظائم الأمور، فيما الوضع الداخلي في روسيا هادئ تماما، فالجميع مشغول بتنسيق الحدائق والاستعداد لأعياد المرأة والربيع، ومن غير توقع أو هواجس للحرب .

إنسانيا، تبدو مسألة قيام الروس بشن حرب على أوكرانيا غير منطقية من وجهة نظر سوسيولوجية، سيما أن نصف الأوكرانيين هم في الأصل روس، فيما النصف الآخر متزوج من روسيات، الأمر الذي يعني أن الحرب ستدور بين إخوة وأقرباء وأنسباء .

لم يكن لبوتين إشكالية ما مع الأوكران من قبل، وإنما الدافع الرئيس الذي سيجعل الرصاصة الروسية الأولى ستنطلق، هو الدفاع عن الشعب الروسي، إذ لا يمكن عقلا أو عدلا قبول حوائط صواريخ متوسطة أو قصيرة المدى في كييف، لتطول بصورة أو بأخرى المدن الروسية .

من بين المراقبين للمشهد المحتقن والمحتدم معا، من يرى أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة لدفع الروس إلى حرب لا يريدونها، والهدف من وراء ذلك محاولة وقف النمو الروسي المتصاعد على أكثر من صعيد، اقتصاديا وماليا، وقد تجاوزت الاحتياطيات المالية الروسية الستمائة مليار دولار. فيما جانب آخر من المشهد موصول بقطع الطريق على الثورة التسليحية العسكرية التي تعيشها روسيا، تلك التي أفرزت في العقدين الأخيرين أسلحة جهنمية، كفيلة بأن تجعل واشنطن تعيد التفكير مرة، بل ومرات قبل أن تقرر مواجهة روسيا عسكريا.

كان من الغريب والعجيب أن نستمع خلال الساعات القليلة المنصرمة لتصريح من الرئيس الأوكراني زيلينسكي، والذي يبدو أنه اكتشف حقيقة الدعم الأمريكي والأوروبي، ذاك الذي لا يتجاوز فكرة دفع بلاده إلى حرب بالوكالة مع الروس، سيما وأن الأمر لن يكلف واشنطن وبروكسيل سوى بضع شحنات من الأسلحة المكدسة في المخازن.

روسيا إذن تبدو مدفوعة في طريق حرب بالوكالة، حرب لا تريدها، بل يريدها الغرب بأي ثمن، والعهدة على القائل، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا.

يحتاج المشهد إلى المزيد من التدقيق في التحليل، خاصة أن هناك أكثر من سبب، والبداية من عند تحديد الهدف الرئيس والند الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ليس روسيا بل الصين، وعليه يمكن القول إن القصد الأكبر من تلك الحرب مع أوكرانيا، هو تحييد روسيا، أو بدقة أكثر إلهاءها في حروب فرعية جانبية، وفي مناوشات مع جيرانها من الجمهوريات الروسية السابقة، كما الحال مع جورجيا من قبل، وهو مشهد يمتد إلى طاجيكستان وأوزبكستان، وما شابه من مواقع ومواضع مرشحة لدفع الجنود الروس إلى التدخل ولو على عجل، والعودة من جديد إلى المركز بعد أن تنطفئ نيران المعارك.

قبل بضعة أعوام صرح الرئيس بوتين بأن بلاده لن تلعب دور رجال الإطفاء للحرائق، ومن الواضح أنه فهم الدرس جيدا، إنها الحرائق التي تشعلها واشنطن بنوع خاص، بهدف دفعه إلى الارتماء فيها، وهذا ما حدث في سوريا، وإن كانت هذه لها خصوصية قائمة بعينها، سيما أنها الموقع والموضع الوحيد المتبقي للروس على مياه البحر المتوسط، المياه الدافئة، حلم بطرس الأكبر وكاترينا العظيمة، منذ زمان وزمانيين.

ما يخطط له الجانب الأمريكي يدركه الكثيرون، فالهدف من خلال المواجهة مع أوكرانيا، تحييد موسكو عن أي تحالف قائم أو قادم مع الصين، وقد رصدت عيون السياسيين والاستخباريين في واشنطن، أن هناك تحالفا جديدا يطفو على السطح بين الجانبين الروسي والصيني، وحال إشغال الروس ستضحى الصين بمفردها في الميدان، وعليه فإنه إن قلنا إن روسيا هي الهدف التكتيكي، فإن الصين تبقى الهدف الاستراتيجي، وهذه جزئية في حاجة إلى قراءة قادمة قائمة بذاتها.

هل دفع روسيا إلى الدخول في مواجهة مع أوكرانيا له علاقة بأوروبا؟

بعيدا عن أن أوروبا في مأزق حقيقي من جراء أي مواجهة عسكرية مسلحة مع روسيا، عطفا على أزمتها الأكبر، حال قرر القيصر بوتين غلق صنابير الغاز عن القارة الباردة، فإن هناك بعدا لا تراه إلا أعين الخبراء .

لاحظ الأمريكيون أن هناك انقساما في الفكر الأوروبي تجاه البقاء مرة وإلى الأبد في فلك الناتو، سيما من قبل فرنسا التي اقترح رئيسها ماكرون إنشاء قوة مسلحة أو جيش أوروبي مستقل، ومن جانب ألمانيا التي ترى مصلحة استراتيجية لها في خط الغاز الشهير «نورد ستريم 2»، إضافة إلى إرهاصات التعاون الأوراسي، ما بين الأوروبيين والروس .

هذه الأفكار تزعج «العم سام» أيما إزعاج، وتجعله يحاول جاهدا وضع العصا في الدولاب الروس – الأوروبية، وهو ما يحدث حاليا. على أن بعضا من أصل المشكل في مشهد الصراع الجاري موصول بالنخبة الأمريكية الحاكمة اليوم، والتي كانت صغيرة العمر قبل ثلاثة عقود، أي حين انهار الاتحاد السوفياتي، ويبدو أنها لا تزال تعيش تحت وقع الانتصار الأمريكي الريغاني، ومن غير تقدير لتغير الأوضاع وتبدل الطباع، والنظر لروسيا نظرة مغايرة، نظرة لا ترى فيها دولة ضعيفة إلى المنتهى، وليس من حقها أن تدافع عن مصالحها الحيوية وسلامة ترابها الوطني.

 

نافذة:

ما يخطط له الجانب الأمريكي يدركه الكثيرون فالهدف من خلال المواجهة مع أوكرانيا تحييد موسكو عن أي تحالف قائم أو قادم مع الصين

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى