شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ما بين سطور الخطاب الملكي

 

خالد فتحي

 

لنتجاوز مستوى التحليل إلى إعمال مبضع التأويل، بخصوص الدلالات المكثفة للخطاب الذي ألقاه جلالة الملك بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء. ولتكن غايتنا استكشاف ما هو مشفر ومرموز وكامن بين السطور، واستطلاع المعاني التي لم يجلِّها الخطاب صراحة، وهو ما يتعين علينا معه التأمل مليا والحفر بعناية لجعلها تطفو إلى السطح.

كلنا أخذ علما بالرسائل المعلنة لجلالته، بخصوص دعوة الدول الإفريقية الأطلسية إلى إيجاد إطار مؤسساتي للتعاون في ما بينها، فقد شكلت أس أفكار الخطاب ولبه، لكن السؤال يظل حول ما إن كانت هناك أفكار ورسائل أخرى مضمنة بداخله، وإذا كانت موجودة، فما مضمونها؟ ولأي الجهات وجهها جلالة الملك؟

في رأيي، هناك إشارات مبطنة متعددة مطلقة صوب عدة اتجاهات؛

-أولاها: دولة الجزائر، التي بعث لها محمد السادس رسالتين، وإن كان قد تنزه عن ذكرها بالاسم، فعندما تحدث عن المشاريع التنموية الكبرى التي ستعرفها الصحراء المغربية كواجهة أطلسية للمملكة، وعن إعداده لها لتكون قاطرة التواصل الإنساني ومنارة الإشعاع المغربي قاريا ودوليا، فقد وضح لكل من له قدرة على الفهم أن المغرب حسم ملف قضيته الترابية، وأن لا تراجع قيد أنملة عن حل الحكم الذاتي كأقصى حل واقعي وسياسي وعقلاني للمشكل المفتعل. فأن تتفرغ نهائيا للتنمية الاقتصادية، بل وأن تفيض هذه التنمية إقليميا وقاريا لدليل على أننا فرغنا من الهواجس الأمنية والعسكرية والدبلوماسية، ناهيك عن أن جلالته، حين دعا إلى مبادرة دولية لإيجاد منفذ لدول الساحل الحبيسة إلى المحيط الأطلسي، فهو يعلم بالتأكيد أن هذه الدول لا يمكنها أن تحظى بفوائد هذا الاقتراح دون أن تمر عبر التراب الموريتاني أو التراب السينغالي وصولا إلى الموانئ المغربية، وهذا يتطلب سياقا من السلم والأمن والتنمية المستدامة الجماعية الفاعلة التي يمكن أن يساهم فيها المغرب مساهمة فعالة بهذه الدول.

وبهذا المعنى، يكون الملك قد أوضح للجزائر أيضا أنها ضلت الطريق الموصلة إلى المحيط الأطلسي، وأنها بالتالي تبنت الخيار الخطأ حين نغصت على المغرب استكمال وحدته الترابية، وحاولت من أجل تحقيق حلمها ذاك استنبات دويلة وهمية، وأنه بإمكان الشعوب أن تحقق بالسلم والرخاء ما لا تستطيع تحقيقه بالحرب والصراع.

– ثانيتها: الدول العظمى أو الغنية التي تتنافس على عقد قمم مع إفريقيا واعدة إياها بالشراكة المنتجة. وقد وقع هذا مع اليابان وفرنسا وأمريكا وروسيا. وهناك أيضا القمة السعودية الإفريقية الموازية للقمة العربية، ولذلك فالملك الاقتصادي والاجتماعي والاستراتيجي يمد إفريقيا بمشروع فارق وخلاق يمكنها أن ترافع عنه، ويرشد الدول الكبرى التي تخطب ود إفريقيا إلى ما تحتاجه فعلا هذه القارة.

-ثالثتها: الاستثمار الدولي، فالصحراء المغربية منذورة كي تصبح قطبا وممرا اقتصاديا لا بد منه نحو إفريقيا وأوروبا وأمريكا، إذ ستتحول العيون والداخلة إلى مركز تجاري مثلما هي دبي والدوحة وأبوظبي اليوم.

إن الملك، عندما وضع أسس هذا الورش، فهو يوجه رسالة إلى العالم أنه إذا كان للصين ما تطلق عليه الحزام والطريق، وإذا كان هناك إعلان عن الممر الهندي العربي الأوروبي، فإفريقيا أيضا لها مبادرتها الأطلسية للتجارة، والتي ستكون عبر موانئ تنتشر على مدى الضفة الأطلسية الإفريقية فتفتح إفريقيا على القارتين الأوروبية والأمريكية. وليس صدفة أن يكون المغرب رأس هذه الضفة، فقدره الجغرافي أهله منذ البدء لكي يكون اليوم القاطرة التي ستجر هذه الدول 23 مضافا لها دول الساحل .

إنه حقيقة الخطاب الذي يبشر بميلاد إفريقيا الجديدة التي تتكاتف بينها، والتي تتفاوض جماعة مع باقي العالم لكي لا يعاد إنتاج التاريخ الظالم، وتجد قارتنا موقعا لها تحت شمس التقدم والنماء يتناسب مع مواردها البشرية والروحية والطبيعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى