مارفين هاو : مقال لي عن أسرة أمريكية تعيش بالرباط جرّ عليّ انتقادات الإدارة
تموقع راديو ماروك في الرباط عاصمة المغرب كان مكانا استراتيجيا. استطعتُ إنشاء صداقات مع زملاء في الراديو، (فرنسيين، إسبان، عرب، أمازيغ ويهود). هؤلاء كانوا مشرفين على برامج تبث بلغاتهم
تعترف لنا «مارفين هاو» بأنها كانت تحن إلى الأيام الأمريكية التي تركتها خلفها وجاءت إلى المغرب. شابة شقراء في سنة 1951 تركت وراءها الحفلات الراقصة ومجلات الموضة الأمريكية والأفلام وثورة التلفزيون الذي اعتبره الأمريكيون وقتها ضرورة من ضروريات الحياة. تركت كل هذا خلفها وجاءت إلى الرباط لكي تعيش أجواء الاحتقان بسبب سياسة الإقامة العامة الفرنسية التي كانت تراقب كل كبيرة وصغيرة في المغرب.
تقول «مارفين هاو» إنها نقلت مرة مادة إعلامية عن أسرة أمريكية تعيش في منطقة «لوداية» في الرباط، لم تتوقع أن تقريرها عن تلك الأسرة سوف يغير حياتها نهائيا.
وسط إكراهات العمل الصحافي في راديو ماروك الذي سوف نأتي إلى تفاصيله لاحقا، كانت «مارفين هاو» تبحث عن متنفس ثقافي لنقل موهبتها الصحافية في إنجاز «الربورتاج» إلى القراء حول العالم.
كانت مارفين هاو، وقتها، مع اقتراب شتنبر 1951 تبحث عن مكان مناسب للسكن، وأثناء رحلتها في البحث عن منزل مناسب، وجدت أسرة أمريكية تعيش على الطريقة المغربية.
اعتبرت «مارفين هاو» أن تلك الأسرة محظوظة للغاية، ليس فقط لأنها وجدت منزلا في منطقة «لوداية» الساحرة المطلة على البحر، ولكن لأن «مارفين» كانت ممنوعة من السكن وسط المغاربة. إذ إن إدارة «راديو ماروك» فرضت عليها أن تسكن في وسط الفرنسيين التابعين للإقامة العامة الفرنسية، حيث لا تواصل مع الشعب المغربي نهائيا باستثناء الخادمات والطباخين الذين يتم اختيارهم بعناية لخدمة الفرنسيين مع فرض شروط صارمة عليهم أثناء العمل.
إلا أن «مارفين هاو»، بحكم شخصيتها الشابة المنطلقة والمتمردة، لم تكن تمانع في القيام بجولات استكشافية في مدينة الرباط لكي ترى ما لم يكن الفرنسيون يريدون لها أن تراه.
تقول إنها توجهت إلى منطقة لوداية، واكتشفت أن أسرة أمريكية تعيش في منزل مغربي مائة بالمائة، بل حتى أن أثاث المنزل كان عاديا جدا.
لكن ما ميز ذلك المنزل، وربما هو ما جعل الأسرة الأمريكية تقرر شراءه من مالكه المغربي، هو أن أحد جدران المنزل تآكل وآل للسقوط، ليسمح للجالسين في بهو المنزل برؤية المحيط الأطلسي أمامهم مباشرة وكأنهم في كهف مطل على البحر.
هذه الجزئية جعلت «مارفين هاو» تقرر إنجاز تغطية عن قصة المنزل ونقلها إلى القراء حول العالم.
ما لم تعرفه «مارفين هاو»، وقتها، أن قصتها سوف تصل إلى القراء الأمريكيين، وسوف تحظى بمتابعة كبيرة جدا، إذ إن تلك القصة جعلت الأمريكيين يتعرفون عن قرب على الواقع المغربي حتى أن الأسرة التي تقطن في المنزل قررت جعله مصدرا لكسب المال بسبب زيارات الفضوليين الذين أرادوا زيارة المنزل الذي وصلت صوره إلى الصحافة وتأمل منظر المحيط الأطلسي من داخل منزل مغربي بسيط في البناء والأثاث، خصوصا وأن حي «لوداية» كان، وقتها، محظورا على الرعايا الفرنسيين في الرباط، وهو ما جعلهم بدورهم يغيرون أفكارهم المسبقة عن المنازل المغربية في الرباط العتيقة.
المشاكل مع الإدارة الفرنسية كانت هذه بدايتها، إذ إن إدارة «راديو ماروك» كانت واضحة من البداية: ممنوع تماما تناول الحياة المغربية أو أخبار المغاربة في الإعلام. لكن «مارفين هاو»، كما تشرح لـ«الأخبار»، كانت تؤمن بحريتها في تناول المواضيع لصالح منابر أخرى، خصوصا وأن اشتغالها لصالح BBC أو المجلات والصحف الأمريكية لم يكن أبدا يتعارض مع عقد العمل الذي جمعها بإدارة «راديو ماروك» في الرباط.
كيف كانت علاقتها إذن مع زملائها في الراديو؟ تجيبنا «مارفين هاو»: «بغض النظر عن الظرفية وكل تلك الشروط والموانع، إلا أن تموقع راديو ماروك في الرباط عاصمة المغرب كان مكانا استراتيجيا. استطعت إنشاء صداقات مع زملاء في الراديو، (فرنسيين، إسبان، عرب، أمازيغ ويهود). هؤلاء كانوا مشرفين على برامج تبث بهذه اللغات».
وفي خضم إنشائها لهذه العلاقات كانت «مارفين هاو» قد تعرفت على شابة مغربية في مثل عمرها، في بداية العشرينيات، اسمها زينب الراشد، وهي كما تقول «مارفين» شابة مغربية متعلمة ومتحررة، لكنها تحافظ على القيم المغربية، تعرفت عليها في إطار رغبة إدارة الراديو في توظيف شابة مغربية لتخاطب المستمعين الفرنسيين والأمريكيين، بحكم أن زينب كانت تتحدث الإنجليزية أيضا بطلاقة وليس الفرنسية فقط، وهو ما تعلق عليه مارفين بالقول: «كان أمرا نادرا جدا في ذلك الوقت».
بالإضافة إلى مغربي يهودي كان يدير وكالة لتأجير المنازل للفرنسيين، طلبت مارفين هاو خدماته لكي تحصل على سكن مريح في الرباط بالقرب من المغاربة وغير بعيد عن إدارة الراديو. وهنا بالضبط سوف تبدأ مارفين في نسج علاقات مع شخصيات مغربية.