شوف تشوف

سري للغاية

مارفين : الصحافة اللبنانية ارتكبت خطأ فادحا وأعلنت تنصيب ابن محمد الخامس مكانه

يونس جنوحي
«قررت مباشرة بعد اطلاعي على الخبر أن أعود للرباط وأن أشتغل على هذه التطورات للصحافة الأمريكية. لأن السلطات الفرنسية أعلنت بعد ذلك أن الأسرة الملكية نُفيت إلى «كورسيكا»، وأن «ابن عرفة» اختير لكي يجلس على العرش»

تحكي «مارفين» أنها عندما وصلت إلى لبنان، قررت أن ترتاح في فندق في العاصمة بيروت بعد أن رافقت الحجاج المغاربة في الباخرة المتجهة إلى الأراضي المقدسة.
كانت تلك عادة رحلات الحجاج المغاربة خلال النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي، إذ إن السفر إلى الحج عبر الطائرة لم يكن متاحا للأغلبية، بل حتى أن كبار الأثرياء المغاربة وقتها توجهوا إلى الحج عبر البواخر.
عندما وجدت «مارفين» الأجواء مقلوبة في العاصمة بيروت بسبب المظاهرات ضد فرنسا، حاولت مغادرة غرفتها في تلك الأمسية لكي تطلع على الأوضاع.
لم يكن فضولها الصحافي ليدعها ترتاح في غرفتها أو يتملكها الخوف من أن يعتدي عليها المتظاهرون. نسيت أن مظهرها (شعرها الأشقر وعيناها الزرقاوان) قد يجر عليها المشاكل.
لكن موظف الاستقبال في الفندق الصغير كان لها بالمرصاد. فقد طلب منها، بل واستعطفها، لكي تبقى في غرفتها وألا تنزل إلى الشوارع، حماية لها.
تقول «مارفين»: «لقد رفض موظف الاستقبال أن يطلب لي سيارة أجرة في ذلك المساء ونصحني بالبقاء في غرفتي وعدم مغادرة الفندق».
لكن صدمة «مارفين» كانت كبيرة، لأنها عندما غادرت المغرب تركت الأجواء محتقنة جدا، وحسب ما تذكره فإنها لم تكن على علم في وقت انطلاق رحلتها خارج المغرب بالوجهة الحقيقية التي نُفي إليها السلطان محمد بن يوسف، إذ بعد علمها بالخبر ومعايشتها للأزمة الكبيرة خلال الأيام الأخيرة قبل إبعاد السلطان محمد بن يوسف عن العرش، كانت رحلتها إلى الشرق مبرمجة سلفا.
تقول: «في اليوم الموالي لوصولي إلى بيروت وجدتُ الصحف الناطقة بالفرنسية في لبنان تكتب أن السلطان محمد بن يوسف قد أبعد عن العرش، وأن ابنه الأصغر مولاي عبد الله قد نُصّب خليفة له. لم أصدق الخبر نهائيا، ولم أتصور أن يصبح الأمير مولاي عبد الله الذي كان غاية في الهدوء واللطف خليفة لوالده السلطان. قررت مباشرة بعد اطلاعي على الخبر أن أعود أدراجي إلى الرباط وأن أشتغل على هذه التطورات للصحافة الأمريكية».
تضيف «مارفين» أنها بعد إجراء بعض الاتصالات اتضح لها أن الصحافة في لبنان ارتكبت خطأ قاتلا لأنها نشرت أخبارا غير صحيحة بالمرة مصدرها إشاعات لم يتم التحقق منها. لأن السلطات الفرنسية أعلنت بعد ذلك أن الأسرة الملكية نُفيت إلى «كورسيكا»، وأن أحد أبناء عمومة السلطان، وهو «ابن مولاي عرفة»، قد اختير لكي يجلس على العرش.
تنفست «مارفين» الصعداء وقررت أن تواصل رحلتها إلى الأراضي المقدسة لكي تنجز تقريرا من هناك حول موسم الحج إلى الصحافة الأمريكية، رغم أنه لم يكن مسموحا لها بطبيعة الحال بزيارة البقاع المقدسة أو مرافقة الحجاج، احتراما للقوانين التي تمنع غير المسلمين من دخول الأراضي المقدسة.
تحكي «مارفين» قائلة إن رحلتها إلى الشرق استمرت طيلة شهر شتنبر، وهو ما يعني أن مغادرتها الرباط تزامنت مع انفجار الأوضاع في المغرب، وكانت عندما غادرت الرباط قد قررت توديع المغرب بحثا عن أفق مهني آخر بعد انتهاء علاقتها بـ»راديو ماروك». لكن بسبب مطالعتها لتلك الأخبار قررت بعد انتهاء تغطيتها لوصول الحجاج المغاربة إلى الأراضي السعودية، العودة في الأسبوع الأخير من شهر شتنبر 1953 إلى الرباط لكي تنقل إلى الصحافة الأمريكية تقارير عن الأوضاع في المغرب في ظل نفي الأسرة الملكية.
ورغم أنها ودعت كل أصدقائها في الرباط بل وطلب منها بعضهم أن تعطيهم وعدا تلتزم من خلاله بعدم نسيان المغرب، فاجأتهم «مارفين» بالعودة إلى الرباط.
هل كانت عودتها بتعليمات من إدارة المنابر الأمريكية التي كانت تراسلها؟ تجيب «مارفين» بالقول إنها عادت من تلقاء نفسها لأن الفضول تملكها لكي تعرف حقيقة ما يقع في المغرب. لأن الصحافة الدولية لم تكن في الحقيقة تعرف تفاصيل ما يقع. وكانت «مارفين» تعتبر نفسها عارفة بالشأن المغربي.
وهكذا، تقول «مارفين»: «وجدت نفسي في الرباط مرة أخرى شهرا بالضبط بعد نفي الأسرة الملكية (الأسرة الملكية نفيت يوم 20 غشت 1953). لكن الغضب على وجوه المغاربة في الرباط كان كبيرا جدا».
فور علم بعض معارف «مارفين» بعودتها المؤقتة إلى الرباط شرعوا في التواصل معها بشكل سري لكي يخبروها بالتطورات الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى