شوف تشوف

الرأي

ماذا يحدث في المشهد السوري؟

تزدحم الأجواء السورية هذه الأيام بالعديد من الطائرات الحربية من كل الأنواع والأصناف والجنسيات، فهناك الأمريكية والبريطانية والفرنسية والسعودية والإماراتية، وأحيانا الإسرائيلية، والآن انضمت إلى الركب الطائرات الروسية، وكل هذا يتم تحت عنوان أو ذريعة قتال «الدولة الإسلامية» لإضعافها تمهيدا للقضاء عليها.
المصادر الأمريكية والغربية تقول إنها رصدت 15 طائرة شحن روسية عملاقة تحط يوميا في قاعدة جوية جديدة في اللاذقية، حاملة في جوها صواريخ ومدافع وطائرات ومعدات عسكرية متطورة جدا، علاوة على مئات المستشارين العسكريين والقوات الخاصة.
في المقابل، أعلنت الولايات المتحدة أمس أن مجموعة من قوات المعارضة السورية «المعتدلة» التي دربتها وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) انضمت بأسلحتها وعتادها إلى «جبهة النصرة»، الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا.
هناك تفسيران للظاهرة الأخيرة، الأول يقول إن الرئيس أوباما لم يكن مقتنعا منذ البداية بتسليح المعارضة وتدريبها، وإنه فعل ذلك تحت ضغوط الكونغرس، ولذلك أراد بطريقة أو بأخرى، انضمام هذه القوات إلى «جبهة النصرة»، أو حتى «الدولة الإسلامية» حتى يقول للمشرعين الأمريكيين، والجمهوريين منهم خاصة، إنه لا فائدة من مثل هذه الخطوة، وإنه لا توجد معارضة معتدلة. أما التفسير الآخر فيقول إن العقيدة العسكرية، التي تم تلقينها للعناصر المعتدلة، أو الصحوات الجديدة، كانت غير مقبولة، وغير مقنعة في الوقت نفسه، لأنه مطلوب من هذه القوات محاربة «الدولة الإسلامية» وليس النظام السوري.
التفسيران ينطويان على الكثير من الصحة، ولكننا نرجح التفسير الأول، وهو أن تدريب هذه القوات وتسليحها لم يكن جديا بالقدر الكافي، وأن انضمامها إلى «جبهة النصرة» أو غيرها لم يكن مفاجئا، ولم تعارضه القيادة الأمريكية لأهدافها المذكورة آنفا.
الرئيس الأمريكي أوباما الذي سيلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين، في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، بات أكثر اقتناعا بالحل الروسي للأزمة السورية، وإعطاء الأولوية لقتال «الدولة الإسلامية»، والتعاون مع الرئيس السوري وجيشه في هذا المضمار، وهذا ما يفسر التسابق الغربي على التفاوض معه، وإسقاط «الفيتو» الذي كان مفروضا على استمراره في منصبه كرئيس شرعي لسوريا.
نقطة التحول الرئيسية في موقف الرئيس أوباما التراجعي هذا، تتمثل في مخاوفه من التكاليف السياسية والعسكرية الباهظة، التي يمكن أن تترتب عن خطوة إسقاط النظام السوري، ويضع صوب عينيه النموذجين العراقي والليبي، كما أنه في الوقت نفسه، لا يريد تكرار التجربة الأفغانية، ومرحلة ما بعد الانسحاب السوفياتي، ويخشى من حدوث صدام مع الروس في حال لجوئه إلى الخيار البوسني، عندما استخدم القصف الجوي للصرب لإجبارهم على العودة شبه مهزومين إلى مائدة المفاوضات، والتخلص عن سلوبودان ميلوسوفيتش، رئيس صربيا، لأن الرئيس بوتين ليس مثل سلفيه، يلتسين وغورباتشوف.
وإذا صحت التقارير التي تتحدث عن تشكيل غرفة عمليات روسية سورية إيرانية وحزب الله لتوزيع المهام العسكرية على جبهات القتال، فإن الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد تغييرا جذريا في المشهد السوري، فمن الواضح أن الروس وحلفاءهم سيفتحون جبهة ضد «الدولة الإسلامية» والجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى في سوريا، بينما يقوم الأمريكان وحلفاؤهم العراقيين والإيرانيين بفتح جبهة أخرى موازية في الجانب العراقي من الحدود، لوضع «الدولة الإسلامية» خصوصا بين فكي الكماشة.
فالخطة الروسية تقضي بأن تتولى إيران الجبهة الجنوبية التي تمتد من دمشق حتى القنيطرة ودرعا، حيث تتركز «جبهة النصرة» و»جيش الإسلام»، بينما تكون الجبهة الشمالية ومناطق إدلب وجسر الشغور وأجزاء من حلب من مسؤولية «حزب الله»، أما القوات الروسية فتتمركز في اللاذقية، وتتولى حماية الساحل الشمالي، ويشترك الجيش العربي السوري في جميع الجبهات، وتوفر الطائرات الحربية الروسية الحماية الجوية لها جميعا.
هناك تقارير تقول إن تدفق الأسلحة والجنود والمعدات الروسية الحديثة إلى سوريا بهذه الكثافة، جاء نتيجة اختراق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخطوط الحمراء، بدعم دخول «جيش الفتح» إلى إدلب وجسر الشغور، والاقتراب من اللاذقية، مما شكل تهديدا للقوات والمصالح الروسية، وإن تراجعه الذي عبر عنه قبل ثلاثة أيام بالتخلي عن المطالبة برحيل الرئيس الأسد جاء تعبيرا عن تكفيره عن هذا الخطأ، ولكننا نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ونقول، إن روسيا بالتفاهم مع أمريكا، وضعت كل تفاصيل السيناريو الجديد للتدخل العسكري في سوريا، وأدرك الرئيس أردوغان أن السير عكس هذا التيار محفوف بالمخاطر، عليه شخصيا، وحزبه، وتركيا نفسها، فقرر التخلي عن المعارضة السورية كليا أو جزئيا، وحلفائه العرب (السعودية وقطر)، تماما مثلما تخلى عن الرئيس الليبي معمر القذافي، وانضم الى تدخل حلف الناتو في ليبيا.
السوريون، سواء الذين يقفون في خندق النظام (بصمودهم)، أو الذين يقفون في معسكر المعارضة الإسلامية (الدولة الإسلامية والنصرة)، أو حتى المهاجرين منهم، الذين تدفقوا بمئات الآلاف نحو أوربا عبر البر والبحر، هؤلاء، وكل حسب موقعه وطريقته، هم الذين فرضوا كل هذه المتغيرات على أرض بلادهم.
السؤال هو عما إذا كان حظ السيناريو الجديد أفضل من كل السيناريوهات السابقة التي رأيناها تطبق في سوريا على مدى الأعوام الخمسة الماضية؟
لا نريد التسرع في الحكم مثل الكثيرين في هذا الطرف أو ذاك، ومنيوا بخيبة الأمل، ولذلك نفضل أن نقف في خندق المراقب في الوقت الراهن على الأقل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى