ماذا بعد استئناف التكوين؟
حاول كثيرون فهم عملية تكليف والي جهة الرباط بقيادة المفاوضات مع الأساتذة المتدربين، لكن ما لا يمكن فهمه إطلاقا هو أن تغيب وزارة التربية الوطنية عن هذه المفاوضات. لأنها هي الجهة التي أخرجت المقرر الوزاري المنظم للمباراة، وهي التي أشرفت على كل مراحلها، وهي التي ستكون الناجحين فيها، كما أنها هي ذاتها التي ستقوم بتعيينهم بعد تخرجهم. فإذا كانت النتائج الإيجابية التي أفرزتها هذه المفاوضات تؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الملف في طريقه للحل، فإن غياب الوزارة المعنية بملف التكوين عن هذه المفاوضات، يبقى نقيصة كبرى، تنضاف للنقائص الكثيرة التي شابت تدبير الحكومة لهذا الملف. ذلك أنه مهما كان الحل الذي سيتم التوصل إليه، فإن مسألة التكوين وزمن التكوين تعني وزارة التربية الوطنية وحدها، وتحديدا الأساتذة المكونين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. فعودة الأساتذة المتدربين للتكوين سيطرح مشكلات حقيقية لم يتم الانتباه لها حتى الآن. فعمليا، مرت نصف سنة تكوينية، بدون دروس نظرية وتطبيقية. ويفترض أن يكون للوزارة تصور يستحضر هذا المعطى، والذي لا يمكن إلا أن تكون تأثيراته سلبية جدا على مخرجات التكوين. فعُدة التأهيل المهني المعمول بها في هذه المراكز مؤسسة على تقسيم دقيق لأسابيع التكوين، كما يتبنى تدرجا مدروسا، سواء في استكمال التكوين المعرفي والبيداغوجي، أو في التداريب الميدانية، تبدأ في الأسبوع الثاني من شهر شتنبر، وينتهي في الأسبوعين الأخيرين من شهر يونيو، على أساس تخصيص شهر يوليوز، لعمليات التصديق على المجزوءات، ومناقشة البحوث ثم امتحانات التخرج. لذلك فضياع أربعة أشهر من زمن التكوين، يستوجب خطة مُحكمة، يتم فيها التشاور مع الأساتذة المكونين. بشكل يضمن استدراكا، ولو جزئيا للزمن الضائع منه، وفي نفس الوقت تضمن للتقويمات التي سيتم إنجازها مصداقية وموضوعية بعيدة عن الزخم الذي أنتجته احتجاجات الأساتذة المتدربين.
ما أريد قوله هنا، هو إنه إذا كانت هذه السنة استثنائية على جميع الأصعدة في مراكز التكوين، فإن عودة المتدربين يفترض وضع برامج على مستوى كل مركز، وكذا على مستوى كل شعبة. برامج تستحضر حقيقة أن عشرة آلاف أستاذ متدرب، والذين سيتم ضخهم في القطاع ابتداء من شهر شتنبر القادم، في حاجة لمجهودات مضاعفة، لكونه أساتذة الغد الذين سيتكفلون بتدريس عشرات الآلاف من أبناء الشعب.
الأكيد أن الأمر، بالنسبة لبعض الأساتذة المكونين، لن يقبل بسهولة، لاسيما وأن الحكومة عملت منذ سنوات على تهميشهم في كل ما تقرره في مجال تكوين الأطر. لكن الأكيد هو أن تغييب هذا البعد التربوي والتكويني في المفاوضات بين الحكومة والأساتذة المتدربين يبقى خطأ كبيرا. وإلا هل يمكن لأي أستاذ مكون أن يعطي نقطة عن مجزوءة لم ينجزها؟ وهل يمكن لأي مركز أن يمنح شهادة تأهيل تربوية لأستاذ متدرب لم يدرس كل المجزوءات المبرمجة في التكوين؟ ثم هل يمكن منح شهادة تخرج لأستاذ متدرب لم ينجز بحثا تربويا؟ ثم أخيرا هل أربعة أشهر كافية لإنجاز بحث تربوي؟ ثم ماذا عن التكوين المستمر؟
هذه أسئلة لن يجيب عنها والي الرباط، أو حتى وزير الداخلية أو رئيس الحكومة، هذه أسئلة ستجيب عنها وزارة التربية الوطنية، وتحديدا الأساتذة المكونون.