شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

ماخلاوناش نقلو

نادرا ما تترك الأفلام المغربية أثرا بارزا في الثقافة الشعبية أو تخلف بصمة مميزة في الذاكرة الجماعية للمتفرجين. نجح الفيلم التلفزيوني «القسم 8» في ما فشلت فيه أعمال سينمائية لأسماء كبيرة خُصِّصَت لها ميزانيات ضخمة. لقد أصبح «القسم 8» من أكثر الأفلام التي نستمتع بإعادة مشاهدتها إلى جانب تراجيديا «البرتقالة المرة». استطاعت قصة الفيلم ملامسة وجدان كل الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية نظرا لأهمية الموضوع الذي ناقشته.. حيث تطرق القسم 8 إلى أكثر القضايا المجتمعية حساسية، وهي التربية والتعليم، إلى جانب العلاقات الأسرية المحطمة والإدمان بين أوساط اليافعين وأيضا ظاهرة العنف الممنهج داخل المدارس من طرف الطلبة تجاه الأساتذة.

مقالات ذات صلة

تم التطرق إلى كل هذه الأنماط الاجتماعية والسلوكية باحترافية شديدة من طرف طاقم العمل، الشيء الذي جعل القسم 8 واحدا من أفضل الأفلام المغربية التي تلامس قلوب الكسالى والمشاغبين الذين يرون في شخصيات العمل احتفاء بسلوكياتهم الخاطئة.

لقد كان الإرهاب النفسي والتحرش الجنسي والمعاناة المعنوية المريرة التي تعرضت لها الأستاذة ليلى من طرف ميلود ومجيد، نبذة بسيطة عن ما أصبحت تعانيه أسرة التعليم التي تقف وحيدة في معركة الإصلاح وإعادة الترابي والتأهيل لعشرات الآلاف من الشباب والشابات القادمين من خلفيات اجتماعية معدمة تعاني مشاكل بنيوية عميقة، كغياب الرقابة الأبوية، إلى جانب دوامات الإدمان والإجرام. لقد أصبحت حوادث الاعتداء الجسدي المفضية للموت أو المتسببة في عاهات مستديمة، التي يتعرض لها الأساتذة من طرف التلاميذ، بمثابة قنبلة اجتماعية وأخلاقية موقوتة على وشك الانفجار.

نتذكر حكايات جيل الآباء والأمهات عن قدسية ومكانة رجل التعليم، وكيف كان الطلبة يصابون بالحرج إذا تقاطع بهم الطريق العام صدفة مع واحد من أساتذتهم، ليغيروا مسارهم بسرعة احتراما وتقديرا للمعلم. لكن يبدو أن الزمن انقلب بل تحطمت موازينه لدرجة أصبحت أخبار فقء عين أستاذة على يد تلميذها خبرا عاديا ومتكررا، مع اختلاف الأعضاء الجسدية التي يتم التنكيل بها على يد شباب المستقبل.

لقد أصبحت مهمة التدريس أشبه بصراع الجبابرة، إذ لا يكفي أن يتقن الأستاذ الأساليب البيداغوجية من أجل السير العادي للعمل، بل أصبح لزاما على أفراد أسرة التعليم التوفر على الحزام الأسود في رياضة الكاراطي، والكرة الطائرة أيضا حتى يتمكن المعلم من التقاط الحجارة التي تلقى على رأسه أحيانا من طرف بعض الطلبة الغاضبين.

أثارت تصريحات طلبة الباكالوريا لهذا الموسم لغطا كبيرا وجدلا اجتماعيا محتدما بين أوساط المغاربة، خاصة بعد حادث الانتحار الأليم الذي راحت ضحيته إحدى التلميذات بمدينة آسفي بعد أن تم توقيفها ومنعها من متابعة الامتحان بسبب ضبطها متلبسة بحالة غش.

لقد انقسم المغاربة، وكعادتهم، إلى فئتين متصارعتين. جادت فئة منهم بتنظيرات فلسفية عميقة تبرر للغش بل تبحث له عن مسوغات أخلاقية وتدعمه بسيل رهيب من المغالطات المنطقية. يرى المدافعون عن حق الطالب في الغش أن مؤسسات الدولة يسيرها مسؤولون حصلوا على وظائفهم عن طريق الغش والمحسوبية والزبونية، فلمَ التحامل على الطالب المسكين الذي يعد الحلقة الأضعف في هرم السلطة التعليمية؟

لم يكتف المطبلون للنْقلَة بالحجج الواهية بل انتقلوا مباشرة إلى أكثر الأسلحة اللامنطقية التي يشهرها المغاربة في وجه خصومهم كلما تم حشرهم في زاوية العقل والحكمة. وهي الشخصنة والتهجم على الأساتذة واتهامهم باستخدام الغش في المباريات والامتحانات المهنية. انبرت فئة أخرى أكثر رصانة لتدافع عن حق المعلم في ممارسة سلطته الضبطية والتصرف بما يمليه عليه ضميره المهني أمام حالات الغش. وهو سلوك محمود ومرغوب. غير أن هذا الموقف الأخلاقي الحاسم ذكرني بمعضلة إيمانويل كانط في قول الحقيقة المطلقة كواجب إنساني نبيل لا يقبل النقاش. فإذا اختبأ صديقك المقرب في بيتك هربا من سفاح يطارده للفتك به، ثم طرق المجرم بابك ليستفسر عن مكان صديقك، فمن واجبك الأخلاقي الكانطي أن تخبر السفاح أن الصديق يختبئ تحت السداري.

يجوز لنا القول بأن الباكالوريا المغربية لا تنفك تدخلنا في صراعات فلسفية مرهقة وجدالات بيزنطية لا طائل منها، بسبب ثقافة الغش التي أصبحت متفشية بين صفوف الطلبة، بتشجيع ومباركة من أولياء أمورهم الذين يدافعون عن حق أبنائهم في التحايل على القانون. من الملاحظ أن معظم طلبة الباكالوريا، الذين يدلون بتصريحاتهم للصحافة، يعبرون عن امتعاضهم من الحراسة المشددة، وهو أمر أشبه بسياقة سيارة في المدار الحضري ثم التذمر من وجود إشارات الوقوف وعلامات السير!

إن المستوى الأخلاقي والتربوي الهزيل الذي أبان عنه بعض طلبة الباكالوريا، عبر تصريحاتهم البهلوانية المثيرة للسخرية والاستهزاء، يجعلنا نتساءل عن مستقبل التعليم في بلادنا. ولعل أكثر تصريح ساذج صدر عن أحد الطلاب كان احتجاجه على قيام المدرسين بواجبهم المهني، مبررا ذلك بالتضامن الذي أبداه الطلبة مع الأساتذة أثناء فترة الإضراب، بل وناشد هذا الطالب الألمعي الحكومة بالقصاص من الأساتذة عبر اقتطاع مبالغ مالية من مرتباتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى