مؤسسات عبء على الدولة
اضطرت الحكومة إلى فتح اعتمادات مالية جديدة وإحالتها على البرلمان خلال الفترة الفاصلة بين الدورات لإنقاذ مالية عدد من المؤسسات والمقاولات العمومية، التي تأثرت وضعيتها المالية نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق الدولية، بميزانية مالية تقدر قيمتها بـ700 مليار سنتيم.
لا أحد من المسؤولين يجهل أن بعض المؤسسات العمومية المغربية تعاني اليوم من صعوبات متراكمة ومعقدة ومركبة المظاهر، تعود تركتها الثقيلة إلى الولايتين السابقتين التي أهدرت في إنتاج الخطاب الشعبوي بدل إنتاج الحلول الناجعة، كما هو الشأن بالنسبة للوضعية المأساوية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الذي يعاني من حالة إفلاس حقيقية، ويرزح تحت قروض ناهزت 6000 مليار سنتيم فرضت على المالية العمومية تحمل جزء من سوء الحكامة والتدبير وأسباب أخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل عملية الإصلاح ستتم كل مرة بأداء الدولة الديون التي في ذمة المكتب، وهل ضخ الأموال لفائدة مثل هذه المؤسسات، في ظل وضع اقتصادي ومالي حرج تمر به بلادنا، هو الحل أم أن الأمر يتطلب المحاسبة والمساءلة أولا، قبل أي شيء آخر؟ وهل رصد اعتمادات مالية بقيمة 7 ملايير درهم لإنقاذ مالية مؤسسة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وكذا شركة الخطوط الملكية المغربية لكي تواجه ارتفاع التكاليف المرتبطة بغلاء المحروقات والمواد الأولية، هو الخيار الأنسب في الظرف المناسب؟
الأصل أن إحداث المؤسسات والمقاولات العمومية يشكل خيارا استراتيجيا للدولة المغربية يروم بالأساس تخفيف العبء على القطاعات الوزارية والجماعات الترابية لتركيز اهتمامها وعملها على المهام الأساسية المنوطة بها، كما يهدف إلى ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، والأهم من ذلك هو خلق الثروة وإنجاح المشاريع التنموية، لكن إذا ما استبعدنا بعض المؤسسات وعلى رأسها المكتب الشريف للفوسفاط، فإن العكس هو القائم، فقد تحولت بعض المؤسسات إلى عبء ثقيل.
لا أحد يمكنه أن ينكر الأسباب الرئيسة لحالة «الإفلاس» التي تمر بها بعض المؤسسات العمومية، والمرتبطة أساسا بغياب الحكامة والإفلات من المحاسبة، وهو ما جعل هذه المؤسسات تعيش اختلالاً على مستوى التصرف والإنتاج والميزانية دون أن يتعرض مسؤولوها للمحاسبة، بل الأكثر من ذلك أن تلك المؤسسات تشكل عبئا على الدولة وكائن طفيلي يعيش على ما تقدمه الدولة من أموال دافعي الضرائب.
وإلى حدود اليوم لم يتحقق الكثير من التعليمات الملكية الواردة في خطابي العرش وافتتاح البرلمان لسنة 2020، والمتعلقة بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، والخوف أن يستمر هذا البطء إلى أجل غير مسمى.