لويز.. أرملة العربي بن مبارك التي اعتنقت الإسلام أمام محمد الخامس فسماها «مليكة»
حسن البصري
لم يدم زواج اللاعب الدولي السابق العربي بن مبارك من زوجته المغربية الأولى سوى ثلاث سنوات لتنتقل إلى عفو الله، بعد نزيف حاد ومفاجئ أثناء ولادة ابنتها، رحلت إلى دار البقاء مخلفة ابنين ظلا في عهدة والدهما العربي، فيما توفيت الوليدة مباشرة بعد الإنجاب لتصبح الفاجعة مزدوجة.
كان من الصعب على لاعب كرة القدم، وهو يشق طريقه نحو العالمية، أن يجمع بين تربية طفلين وتداريبه ومبارياته وأسفاره، لكنه كان رجلا متحملا لمسؤولياته، وكان حنونا، يقدر المرأة جيدا ويعرف كيف يتعامل معها، على حد قول ابنه الأكبر.
عاش العربي أرمل لمدة سنتين، وهو ما دفع أفراد عائلته إلى تقديم بعض العروض لإنهاء فترة «الترمل» التي كان من الصعب التعايش معها، خاصة حين يتعلق الأمر بلاعب كرة يحتاج إلى استقرار أسري يجعله أكثر تركيزا على الكرة دون سواها.
كان شرط العربي الأساسي في الزوجة الثانية، قبولها تربية ابنيه والعيش معه في كل مدينة حط فيها رحاله، إضافة إلى شروط أخلاقية وعقائدية، لكنه لم يكن يعتقد أن القدر يخبئ له زوجة فرنسية بعد أن وطأت قدماه العاصمة الفرنسية، عاش معها قصة حب كان ختامها حزنا. بدأت العلاقة بين العربي ولويز من مدرجات الملعب، حين كانت تتابع رفقة والدها مباراة للمنتخب الفرنسي الذي حمل اللاعب الأسمر ألوانه. وفور انتهاء المباراة التقى اللاعب المغربي برئيس «سطاد دو باري» الذي قدم له عرضا للانتقال الى فريقه في باريس، وهو الفريق الذي سيلعب له فعلا بعد أن سكتت قعقعة سلاح الحرب العالمية، وخرج الجنود من خنادقهم، وراحت أوربا المتهدمة تستجمع قواها وتلتقط أنفاسها. لاحظت لويز حجم الإعجاب الذي يطوق العربي والتهاني التي تنهال عليه من الفرنسيين فخفق قلبها له، وظلت تدعو والدها إلى استضافته في منزل الأسرة بعد أن تحولت إلى مرافقة للفريق الباريسي في حله وترحاله.
ارتبط الشاب الأسمر سنة 1947 بابنة رئيس الملعب الفرنسي لويس سان لوران، وهو من نبلاء فرنسا، وأعلنت في ما بعد إسلامها على يد الملك محمد الخامس رحمه الله، والذي اختار لها اسم «مليكة».
أنجبت لويز ابنا لكنه توفي في حادث مؤلم وبنتا لازالت على قيد الحياة.
انتقل نجلا العربي من الزواج الأول إلى باريس للعيش معه بفرنسا، وبالرغم من أن زوجته لم تستطع تعويضهما عن فقدان والدتهما، فإنهما استفادا منها الكثير خاصة في الجانب التعليمي، إذ كانت حريصة على تعليمهما، وإحاطتهما بالحنان الذي افقداه بعد رحيل والدتهما.
تحولت لويزا إلى مديرة لأعمال العربي ودعته إلى الاستثمار في فرنسا لكنه كان مصرا على استثمار مدخراته في المغرب والدار البيضاء بالتحديد، سيما وأنه كان يرسل أموالا طائلة لأفراد عائلته ولبعض أصدقائه من اللاعبين الذين قست عليهم الحياة. وحين توصل بمبلغ 17 مليون فرنك فرنسي نظير انتقاله إلى نادي أتلتيكو مدريد في صفقة وصفت بالخرافية، عملت زوجته على اقتناء شقق في الدار البيضاء ومخبزة اتقاء لشر عاديات الزمن.
قبل الحرب العالمية الثانية كان العربي يقطن في شقة تتكون من غرفتين بمنطقة بولون بيلانكور، حين كانت والدته ترافقه في سنواته الأولى من الاحتراف، غير بعيد عن معمل «رونو» الذي اقتنى منه أول سيارة، لكنه بعد الزواج من سلسلة عائلة نبيلة، غير السكن وأصبح يقطن حيا راقيا في العاصمة باريس غير بعيد عن قوس «النصر».
عاد العربي رفقة زوجته الفرنسية إلى المغرب بعد أن قرر الاستقرار نهائيا في بلده الأم، وسكنت وإياه في شقته البسيطة بزنقة نانسي، (إشبيلية حاليا)، حيث رافقته في مرحلة أخرى من حياته حين أصبح مدربا لعدد من الفرق المغربية، كما عاشت معه مدة عامين في الجزائر وتحديدا في سيدي بلعباس حين دعي إلى تدريب فريق هذه المدينة. لكن الزوجة تحولت إلى مساعدة اجتماعية بعد أن انتابت العربي نوبة غضب بعد أن عاش الجحود في تقاعده الكروي، وحتى أمواله التي استثمرها في شراء حوالي 7.5 هكتارات بالمحمدية، لم يحصل عليها بالرغم من أن كل الوثائق التي بحوزته تؤكد ملكيته لها، وحين حاول بيعها استولت «ليراك» على الأرض وأقامت عليها مشروعا سكنيا لإعادة إيواء قاطني مدن الصفيح. لقد كان الرجل يرفض إيداع أمواله بالبنوك لأنه كان يعتبر ذلك حراما، وهو ما جعل لويز أمينة ماله.
في سنة 1980 لفظت «مليكة» أنفاسها الأخيرة بعد مرض عضال ألم بها، بعد عشرة زوجية مع «الجوهرة السوداء»، دامت 33 سنة، بكاها بحرقة واعتكف من أجلها ووضع صورتها في غرفة نومه إلى أن مات في 16 شتنبر 1992 وصدره مليء بالأحزان.