محمد اليوبي
مازال مشروع قانون رقم 109.12 بمثابة مدونة التعاضد محتجزا داخل مجلس المستشارين بدون مصادقة، رغم أهمية هذا القانون الذي يهم أزيد من أربعة ملايين منخرط في التعاضديات. وجاء هذا القانون، الذي صادق عليه مجلس الحكومة في شتنبر 2012، من أجل مواجهةِ الصعوبات والنقائص التي يعرفها قطاع التعاضد، ووضعِ الأدوات القانونية والتنظيمية المناسبة لتحديثه، ولترسيخ قواعد الحكامة الجيدة.
وأحالت الحكومة هذا القانون على مجلس المستشارين منذ شتنبر 2012، وصادق عليه المجلس في شهر يوليوز 2015، أي بعد حوالي ثلاث سنوات، وأحيل على مجلس النواب، الذي صادق عليه في شهر غشت 2016، ثم أحيل مرة أخرى على مجلس المستشارين في إطار القراءة الثانية، وبقي «محتجزا» منذ حوالي ثلاث سنوات في رفوف لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، التي يترأسها المستشار البرلماني الاستقلالي، رحال المكاوي.
وأثار هذا القانون جدلا كبيرا داخل المجلس، بعدما تم إقحام تعديلات خطيرة خصوصا على المادتين 2 و138 من القانون، من أجل تمكين التعاضديات من فتح مصحات خاصة وبيع الأدوية، وهو ما يتعارض مع مقتضيات قانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، والتي تمنع بشكل صريح وجلي على كل هيئة مكلفة بتدبير نظام أو مجموعة من أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، الجمع بين تدبير نظام من هذه الأنظمة وتدبير مؤسسات تقدم خدمات في مجال التشخيص أو العلاج أو الاستشفاء أو مؤسسات توريد الأدوية و المعدات والآلات وأجهزة الترويض الطبي أو هما معا.
وأثناء مناقشة القانون بمجلس النواب، صوت النواب البرلمانيون على إسقاط هذه التعديلات التي طالت المشروع من طرف مجلس المستشارين، والتي شملت المادتين 2 و138 من المدونة، لكونهما تخالفان تماما روح ومضمون المادة 44 من القانون رقم 65.00، الأمر الذي من شأنه أن يمنع التعاضديات من فتح مصحات خاصة، لذلك قامت بعض التعاضديات المتورطة في خروقات مالية وإدارية في ممارسة ضغوطات على فرق برلمانية تربط بعض أعضائها مصالح شخصية مع هذه التعاضدية، من أجل عرقلة إخراج المدونة.
وكان مشروع قانون رقم 109.12 بمثابة مدونة التعاضد أثار جدلاً واسعاً ولقي معارضة شديدة من طرف أطباء الأسنان والصيادلة والمبصاريين، والنواب البرلمانين، الذين اعتبروا أنه يفتقر إلى الشروط الأساسية لضمان قواعد الحكامة الجيدة، والتي تنص على المنافسة الشريفة بين القطاعين العام والخاص، ولوحت الفدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب بخوض إضراب وطني عام، احتجاجا على التعديلات التي أدخلها مجلس المستشارين على المدونة، وحذرت الفدرالية من «المخاطر الكارثية لهذه التعديلات غير المحسوبة العواقب على المنظومة الصحية والسياسة الدوائية، بما فيها الأمن الدوائي وجودة الخدمات العلاجية المقدمة للمؤمنين»، وعبرت عن رفضها لهذه التعديلات الارتجالية جملة وتفصيلا.
وتراهن هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، التي تتولى مراقبة التعاضديات، على المدونة من أجل مواجهةِ الصعوبات والنقائص التي يعرفها قطاع التعاضد، ووضعِ الأدوات القانونية والتنظيمية المناسبة لتحديثه، وذلك من خلال إعادة تحديد غرض التعاضديات من خلال تغطية خطر المرض ومخاطر الشيخوخة والوفاة، والوقاية من المخاطر والإسعاف، وتوفير العلاج للمنخرطين، ووضع بعض الشروط المرتبطة بإحداث واستمرارية نشاط التعاضديات، ووضع قواعد التسيير والحكامة، ووضع شروط الاستحقاق والكفاءة وشروط الانتقاء وتحديد عدد ولايات أعضاء هيئات الإدارة والتسيير، ووضع القواعد التقنية وقواعد المراقبة الدائمة (الخاصة بالدولة والمراقبة الداخلية والخارجية)، والفصل بين نشاط إدارة المخاطر ونشاط إدارة المشاريع الاجتماعية.
ويواجه قطاع التعاضد جملة من الصعوبات والمشاكل التي عرفها القطاع، تتمثل على الخصوص في عدم مسايرة الإطار القانوني المنظم للتعاضد للتطورات التي عرفها القطاع منذ 1963، وعدم احترام التعاضديات لبعض مقتضيات ظهير 1963 (الجموع العامة – القواعد المحاسبية – طلب الترخيص…)، وجمع السلط التقريرية والتنفيذية في الأجهزة المنتخبة، وعدم ضبط الحسابات المالية للتعاضديات. لذلك تهدف المقتضيات الجديدة للمدونة إلى تحديد دور التعاضديات في مجال تأمين بعض الأخطار، وتحديد الشروط المتعلقة بإحداث التعاضديات وكيفية تدبيرها، وإرساء قواعد حكامة جديدة تعتمد على تحديد الأدوار والمسؤوليات بين مختلف الأجهزة الساهرة على شؤونها، وتعزيز مراقبة الدولة على التعاضديات وتوضيح مجال تدخلها، وتحديد القواعد والضمانات التقنية والمالية الملائمة لتحقيق أهداف التعاضديات، بالإضافة إلى إجبارية إخضاع حسابات التعاضديات لافتحاص سنوي خارجي.