شوف تشوف

الرأي

لمسة أصبعين تكفي لقلب الصفحة !

  في كافة أوجه المعادلات السياسية، يشكل حزب الاستقلال رقما أساسيا، إذا انعطف في اتجاه المعارضة أكسبها زخما ونفوذا وشرعية، وإذا شارك في الحكومة منحها خصائص الدعم. معتمدا في ذلك على رصيده التاريخي وتجذر القيم التي يتبنى الدفاع عنها في كينونة الشخصية المغربية.
لا يعني هذا أنه بعيد عن التأثر بالموجات والحساسيات والمستجدات التي تضعف وضعه أحيانا وتعززه أحايين أخرى، ولكن وجوده في الموقع الذي يختاره ينعكس سلبا أو إيجابا على مجمل التطورات. وإذا كانت حكومة عبد الإله بن كيران تضررت كثيرا من انسحاب الوزراء الاستقلاليين، فإنها لم تكن المرة الأولى التي يغادر فيها الحزب الكراسي الوثيرة. فعل ذلك في ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، وظل شعار «الحكومة المنسجمة» يؤثر في مساره.
الظاهر الآن أن فكرة الحكومة المنسجمة هاته انسحبت على مجال «المعارضة المنسجمة» ولا يمكن فهم ردود أفعال قيادة الاستقلال خارج الغصة التي لم يستطع ابتلاعها في أشواط انتخابات المجالس الجهوية. ومثله لا يبدو أن «العدالة والتنمية» في وارد هضم ما تسرب إلى حنجرته، أقله أن حظوظ الائتلاف الحكومي في الاستمرار بنفس التركيبة ونوع الانسجام في تراجع، وإن كان الأرجح في قضايا كهذه أن يصار إلى تقليب المعادلات من كافة الأوجه، لأن الرهان على الصعيد السياسي أن يذهب الائتلاف القائم إلى تشريعيات العام القادم بنفس التحالف، إلا أنه لا يمكن في غضون ذلك إسقاط تلويح الاستقلال بفكرة المساندة النقدية لحكومة عبد الإله بن كيران.
سواء نظر إلى المسألة من زاوية أنها طرحت في الوقت الضائع لحظات قليلة قبل إعلان صفارة نهاية المنافسات على مجالس الجهات، أو من منطلق أنها تندرج في إطار ممارسة النقد الذاتي، ومعاودة تقويم المواقف والاختبارات، فالنتيجة واحدة، هي أن الاستقلال لن يكون هو نفسه في المعارضة كما كان قبل هذه التطورات، ومن المستبعد كذلك أن يعاود احتلال مكانته في السلطة التنفيذية، إلا في حال حدوث مفاجآت مبهرة، تنسي العدالة والتنمية والاستقلال على حد سواء تبعات فترة الاحتقان والمواجهة.
لا عداوات دائمة في السياسة، ومن خبر مراحل المواجهة العنيفة بين الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في زمن ولى، لم يكن يتصور أنه سيأتي وقت يتحالف فيه الغريمان اللدودان. كذلك فإن من عاين الاتهامات المتبادلة بين «العدالة والتنمية» وتجمع الأحرار، منذ التجربة الفاشلة للأحزاب الثمانية التي تقلصت وتبخرت تحالفاتها بعد اقتراع نوفمبر 2011، لم يكن يخطر بباله أن صلاح الدين مزوار سيجلس في نفس الطاولة إلى جانب عبد الإله بن كيران.
من السابق لأوانه الحديث عن فرز سياسي نهائي في ضوء نتائج انتخابات البلديات والجهات، ليس لأنها تنصرف إلى قضايا محلية في شؤون التدبير فحسب، ولكن لأن الأبصار مشرئبة إلى ما ستكون عليه ملامح الطبعة القادمة لتشريعيات العام 2016. وكل طرف يضع في الاعتبار الإجابة عن السؤال الأساسي حول أفضل الطرق التي يمكن أن تقوده لحيازة نتائج على قدر التمنيات. وفي الوقت الذي يبدو فيه «العدالة والتنمية» أكثر اطمئنانا إلى مساره التصاعدي الذي شمل البلديات والجهات، ولاحقا مجلس المستشارين، تتوزع مواقف باقي الفرقاء في المعارضة والأغلبية على مساحة متباينة، بين من يريد إنقاذ ماء الوجه، ومن يريد إزاحة نفوذ الحكومة نصف الملتحية، ومن يرغب في خلخلة التركيبة الحالية للمشهد السياسي.
على رغم أن القاسم المشترك بين الأغلبية والمعارضة يكمن في أنهما تلقيا معا ضربات موجعة، اختلفت في منطلقاتها وأهدافها، فالنتيجة أن رياح التصدع هبت عليهما دفعة واحدة وفي وقت واحد. فالأغلبية لا شك ستتأثر بالموقف الذي اتخذه تجمع الأحرار، كما أن المعارضة ستتضرر من موقف حزب الاستقلال. وبحسابات الربح والخسارة، يبدو اللاعب الوحيد الذي يتمدد على راحته هو «العدالة والتنمية» مستفيدا من ركام التناقضات، فقد جنى ثمار صراعه والاستقلال من دون أن يخسر شيئا من موقعه، فيما مكاسب أحزاب أخرى تطبعها مشاركة آخرين.
أن يتعرض الائتلاف الحكومي إلى اهتزاز في السنة الأخيرة من الولاية الحكومية والتشريعية، ليس ذلك مفاجئا إلى حد بعيد، طالما أن الآفاق ستنفتح على ترقبات أخرى، لكن أن تنهار المعارضة، فإن ذلك يرجح كفة الائتلاف الحكومي في كل الأحوال. فالمرحلة لا تحتمل ردود أفعال متشنجة من هذا الطرف أو ذاك. وعلى نخب السياسيين أن يعاودوا التأمل واستقراء نتائج الانتخابات الأخيرة، بقدر أكبر من الموضوعية والنباهة والتوقعات.
إذا كان حزب الاستقلال يبدو جريحا في الوقت الراهن، فلن تكون المرة الأولى التي يتعرض فيها إلى موقف مماثل، لكنه استطاع الصمود. وقبل اللجوء إلى قلب الصفحة يتعين إعادة قراءتها أما شطب الأرقام على الصفحات فلا يحتاج لأكثر من أصبعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى