لماذا استهدف تنظيم «الدولة» مخيما للاجئين الفلسطينيين بالأردن؟ (2/2)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عبر عن التزام الأردن بمحاربة تنظيم «الدولة» في كل مكان، عندما كشفت وثيقة جرى تسريبها إلى بعض الصحف البريطاينة، تضمنت نص لقاء جرى بينه وبين أعضاء بارزين في الكونغرس الأمريكي بينهم جون ماكين رئيس اللجنة العسكرية، والمرشح الرئاسي الجمهوري الأسبق، أكد فيها الملك عبد الله على أن بلاده أرسلت وحدات قتالية خاصة إلى ليبيا والصومال والعراق لمحاربة «الدولة الاسلامية» في هذه البلدان، وحماية المنشآت النفطية الليبية على وجه الخصوص، والحيلولة دون وقوعها في يد هذا التنظيم الذي يزداد قوة وخطرا في منطقة الاتحاد المغاربي، ويتطلع للسيطرة على آبار النفط الليبية بعد أن خسر معظم مثيلاتها في سورية والعراق.
هجومان للتنظيم في غضون أربعة أشهر يوحيان بأن هناك قرارا باستهداف الأردن وأمنه واستقراره، واختيار مخيمين فلسطينيين في أربد والبقعة محاولة لخلق فتنة داخلية تؤدي، إذا ما أعطت أكلها، إلى زعزعة استقرار البلاد وأمنها، وهذا ما يفسر الإدانة القوية والسريعة التي صدرت عن السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس من ناحية، وحركة «حماس» ممثلة في السيد خالد مشعل، رئيس مكتبها السياسي من ناحية أخرى، فهذه الإدانات، مضافة إلى إدانات داخلية لافتة، أبرزها من حركة الإخوان المسلمين في الأردن، وعشائر أردنية قوية، توحي بأن هناك وعيا بالأهداف الخطيرة التي ترمي إليها هذه الفتنة، ووجود استعداد لدى كل الأطراف لتطويقها في مهدها.
«الدولة الاسلامية» تتصرف هذه الأيام مثل «النمر الجريح»، فهي تواجه حروبا شرسة في الفلوجة والرقة وحلب، تعكس تفاهما أمريكا روسيا سوريا إيرانيا، وتلعب القوات الكردية السورية والعراقية دورا رئيسيا فيها إلى جانب الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، والغطاء الجوي الأمريكي (العراق) والروسي (سورية).
في ظل هذه الهجمات المنسقة، يمكن تفسير محاولة «الدولة الاسلامية» تصدير هجماتها العنيفة والارهابية إلى الخارج، والجوار الأردني أولا، والعواصم الغربية ثانيا، ويمكن الرجوع إلى الشريط الذي أصدره أبو محمد العدناني، المتحدث باسم التنظيم، الذي طالب فيه أنصار التنظيم وقواعده بشن مثل هذه الهجمات قبل أربعة أسابيع فقط، ويبدو أن هذه الدعوة الدموية تلقي بعض الاستجابة.
الأردن في ظل هذه الحرب يحتاج إلى تحرك سريع لتطويق هذه «الفتنة»، وتحصين الجبهة الداخلية في مواجهتها من خلال خطاب مختلف، مثلما يحتاج إلى دعم دول الجوار العربي الذي يدفع ثمنا من أمنه، وربما استقراره لاحقا، بسبب حمايته لحدودها، وتحوله إلى سد في مواجهة عمليات اختراقها، بالإضافة إلى استيعابه لأكثر من مليوني لاجئ سوري، كان يمكن أن يشكلوا «تسونامي» يخترق الحدود السعودية ودول الخليج، لو فعل الأردن ما فعله الرئيس أردوغان على سبيل المثال.
الاستيلاء على الرقة والفلوجة والموصل لو تحقق في هذه الهجمات «الصيفية» المنسقة، قد لا يعني نهاية التنظيم، بل ربما يعطي نتائج عكسية، ويؤدي إلى زيادة خطورته وتوحشه، لأن هذا الاستيلاء لو تحقق، وما زال من المبكر إغراق البعض في التفاؤل، سيعني نزول هذا التنظيم وأنصاره إلى تحت الأرض، وإعفاء قيادته في الوقت نفسه، من إدارة مدن كبرى وتوفير الخدمات لأكثر من تسعة ملايين انسان يخضعون لحكمه، وهي «ورطة» تتواضع أمامها «ورطة» حركة «حماس» وحكمها في قطاع غزة، وإن كانت المقارنة ليست في محلها.
هجوم البقعة يبعث على القلق فعلا، لأنه أراد ضرب المثلث الأهم الذي ميزّ الأردن عن جواره منذ نشأته قبل ما يقرب من المئة عام، وهو مثلث الأمن والاستقرار والتعايش، ولكن الأردن استطاع تجاوز تحديات أكبر من هذا التحدي طوال العقود الماضية.