شوف تشوف

الرأي

لعبة الشطرنج (2-4)

بقلم: خالص جلبي

بدأ مشروع طلاب جامعة بيتسبرغ بتواضع بالغ، حيث رصد الاثنان مبلغ 500 دولار لإنتاج المادة القاسية من دماغ الكمبيوتر الجديد (HARD WARE)، ولم يدر في خلدهما أن هذا المشروع تعمل عليه الشركة (آي . ب . م I.B.M) العملاقة ذات العلاقة المباشرة بإنتاج الكمبيوترات، والتي ترصد للأبحاث سنويا 5,1 مليارات دولار من ميزانية تتجاوز 76 مليار دولار منذ فترة طويلة؛ فقد كانت تطمح منذ زمن بعيد إلى فهم آليات الذكاء عند الإنسان، وكيف يعمل الدماغ من أجل الوصول إلى مشروع (هال 9000 HAL)، حيث يمثل الكمبيوتر الأعقد والأكمل في كل إنتاج الجنس البشري، ومُثل هذا المشروع العملاق في فيلم (الأوديسة لعام 2001 م)، حيث تقوم بعثة فضائية بارتياد زحل، في رحلة تصل إلى سنة ونصف السنة، وفيها نرى هذا الكمبيوتر المرعب وهو يهزم رائد الفضاء (فرانك بول FRANK POOLE) في لعبة الشطرنح بثلاث حركات ليس.
بعد ذلك استعد كل من (هو فينغ يونغ) و(كامب بيل) للنزال العالمي، وكان ذلك عام 1989 م، حيث شُده العالم وهو يرى الآلة تقارع الإنسان الذكي النزال العقلي، والتحليل المنطقي البارد، بكل صلابة وتماسك، وتحقق انتصارا عليه، عندما أحرز الكمبيوتر الذي سموه الفكر العميق أول انتصاراته العالمية. عندها استدعت شركة (I.B.M) الطالبين إلى العمل في (يورك تاون TOWN YORK) في مكتب فخم وتجهيزات هائلة، ورصدت لمشروعهما استثمارا بمقدار 20 مليون دولار لهدف واحد محدد، وهو هزيمة العقل الإنساني ممثلا في بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف.
وبدأت عملية بناء وشحن الجهاز بالإمكانيات الهائلة حتى تم الوصول إلى جهاز متقدم يصلح للمنازلة الدولية، وكان ذلك في ربيع عام 1996 م، حيث تم استدعاء كاسباروف لمنازلته، أمام أنظار العالم المتوترة، وكانت المفاجأة مروعة لتجربة كاسباروف، حيث هزم في الجولة الأولى أمام الآلة الخرساء الصماء العمياء، ولكنه تماسك بحيث استطاع أن يتعادل مع الجهاز في جولتين أخريين ليحقق في النهاية قفزة عليه ويربح اللعبة، ولكن مع فرط التعب والإجهاد وصدمة المفاجأة.
بدأ كاسباروف يستعيد ذكرياته عندما كان يضحك على ترهات ولاعقلانية الكمبيوتر، بتصور منازلة آلة لعقل إنساني، وكان أول تعرفه على جهاز كمبيوتر عندما زار بريطانيا للمرة الأولى عام 1983، حيث تلقى جائزة تشجيعية كمبيوتر من نوع (آكورن ACORN) وعندما اتصل بصديقه الألماني في هامبورغ أطلعه على التطورات الجديدة في عالم الكمبيوتر، عندها أدرك أن ثورة غاليلو تتحقق الآن في مستوى الكمبيوتر والشطرنج. واعترف بأن هزيمة الإنسان أمام الآلة ليست إلا مسألة وقت. وأن بعض اللحظات العجيبة تعتريه وهو يلاعب الآلة، وكأنها تمارس نوعا من الذكاء الإنساني، إلا أنه يستدرك فيقول: «لا أعتبره يمارس الذكاء الإنساني ما لم ينظم الجهاز قطعة موسيقية رائعة، أو يلقي نكتة يضحك لها الإنسان».
إن هذا يحرك عندنا سؤالا فلسفيا وعلميا: هل إذا هزم العقل الإنساني في لعبة الشطرنج يعني تلقائيا هزيمة الذكاء الإنساني أمام الآلة؟ ثم ما هو الذكاء الإنساني؟ وما هي العبقرية؟ في ثلاثة أسئلة سنحاول الإجابة عنها.
يصل عدد المبتدئين والهواة للعبة الشطرنج في العالم إلى حوالي 500 مليون، وهناك نقاط عقلية تعطي وتدل على قوة اللاعب ويرمز إليها بـ(إيلو ELO)، وهي تتأرجح عند المبتدئين بين 500 و1250 نقطة، ومن هذه الملايين الكثيرة ينكمش الرقم إلى 6 ملايين من محترفي النوادي العالمية، والمشعر العقلي عندهم يتأرجح بين 1200 و1900 نقطة، لينضغط الرقم مرة أخرى إلى 300 ألف لا يزيد من اللاعبين الدوليين، الذين يقفز عندهم الرقم ما بين 1720 و 2080 نقطة من نقاط الإيلو، ويأتي فوقهم الأبطال العالميون وعددهم في الوقت الراهن 1662 شخصا في كل أرجاء المعمورة، ممن لمعت أسماؤهم وسطع نجمهم في هذه اللعبة المثيرة، ويتراوح المؤشر عندهم بين 2100 و2520 نقطة، ليجلس فوقهم الأبطال المتميزون العظام (المعلمون) ويصل عددهم إلى 620 شخصا، وتقفز عندهم نقاط القوة العقلية إلى 2320 و2600 نقطة. ويبقى نخبة من كل هؤلاء لا يزيدون على 64 لاعبا في العالم وصل عندهم مؤشر الإيلو إلى 2610 و2800، وقفز كمبيوتر الأزرق العميق مع أول تجلياته إلى هذه العتبة، حينما حقق رقم 2550 نقطة في عام 1993 أول ظهوره. وفي النهاية يجلس على رأس الهرم العالمي للعبة الشطرنج ثلة من الشباب، أشدهم قريحة وأدهاهم مكرا، وأمضاهم باعا (كاسباروف) وكان عمره يوم المباراة 34 سنة، ويأتي بعده مباشرة الشاب الهندي (بيزواناتان آناند VISWANATHAN ANAND) وكان عمره 27 سنة، وهي سن العبقرية على ما أظهرته الإحصائيات العلمية، صعد فيها عقل كاسباروف إلى رقم 2828 نقطة، وحاز آناند الهندي على 2758 نقطة، وبقية الأربعة هم (كارميك) 2754 نقطة، و(كاربوف) 2710 و(يوزوبوف) 2609، وينضاف إليهم كمبيوتر الأزرق العميق إنتاج 1996 م الذي حقق رقم 2680، وخسر الأخير اللعبة أمام كاسباروف كما ذكرنا.

استعد كل من (هو فينغ يونغ) و(كامب بيل) للنزال العالمي، وكان ذلك عام 1989 م، حيث شُده العالم وهو يرى الآلة تقارع الإنسان الذكي النزال العقلي، والتحليل المنطقي البارد، بكل صلابة وتماسك، وتحقق انتصارا عليه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى