شوف تشوف

الرأي

لحية تظهر وتختفي

إذا علمت أن هناك كتابا ألفه صاحبه للحديث عن طرق لفّ العمامة فوق الرأس، فلن تستغرب إذا خرج أحدهم اليوم ليؤلف كتابا يشرح فيه كيف أن الأرض لا تدور.
هناك نقاش كبير في المغرب يستحق أن نتوقف عنده، يتعلق بالشأن الديني. لا حاجة لنا طبعا بإعادة سرد المسار الذي مر منه تأسيس الفكر الديني في المغرب، فبين الذين جاؤوا بممارساتهم من الزوايا، والذين جاؤوا بها من المشرق وكتب الوهابية، فرق كبير، رغم أنهم يلتقون في بعض النقاط.
إلى حدود 2003، كان الإسلاميون، بمختلف انتماءاتهم الفكرية، غير مرغوب فيهم، ويحاربهم الجميع، وقيل فيهم ما لم يُضرب به غيرهم. وفجأة بعد سنة 2011 أصبح أبناء العدالة والتنمية أحباء، ولهم حلفاء حداثيون وشيوعيون. وما يعاب على هذه التجربة غير الناضجة، أن العدالة والتنمية لم يحاولوا تصحيح المفاهيم، فكانت النتيجة أن يتحول كل شيء إلى مسرحية سخيفة، حضر فيها الجميع وغابت عنها مواقف الحزب القديمة. حتى أن وزراء وأسماء بارزة داخل الحزب، تبرؤوا من المرجعية الدينية لحزبهم، وهم أكثر الناس علما بأنهم يكذبون فقط ويحاولون الانسلاخ من «المحرك» الذي جعل الكثير من الناس ينخرطون في حزبهم.
في الجانب الآخر، هناك السلفيون. قسم كبير منهم يتمنى صادقا زوال نعمة اسمها «اليوتوب». لأن هذا الأخير الكائن مقره في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يعترف بشيء اسمه المراجعات الفكرية. وهذه الكلمة مضحكة في الحقيقة. إذا عدنا إلى أرشيف الشيخ الفيزازي وحده، فإننا سنجد خطبا له تفهم منها، وبالمباشر، أن الشيخ يدعوك إلى التوجه إلى أوربا الكافرة وبإمكانك سرقة أموال الناس هناك ولن يحاسبك الله، لأنهم كفار. ولم يقدم لنا الشيخ الفيزازي إلى اليوم، أي اعتراف صريح وشجاع، يصحح من خلاله مواقفه السابقة ويدعو الناس علنا إلى اجتناب هلوساته وهلوسات أصدقائه السابقة.
لا أحد من هؤلاء الشيوخ يقبل اليوم أن تنعته بالمتعصب، ببساطة لأنهم يريدون القطع مع المرحلة السابقة، تماما كما فعل قياديو حزب العدالة والتنمية، دون أن يصححوا المفاهيم، ولا شك أنهم سيصطدمون بالجدار، تماما كما وقع لوزراء العدالة والتنمية. فأكبر الإنجازات التي قام بها بنكيران والخلفي والرميد، هي تجربة طرق جديدة لحلق اللحية وإعادة رسم حدودها، حتى أن مصطفى الخلفي ظهر مرة في التلفاز وهو «أملط» كما ولدته أمه، واختفت اللحية وكأنها لم تكن. لا تستهينوا باللحية، فهي ركن أساسي من الفكر الديني، واليوم هناك شيوخ مغاربة يكفرون من يحلق ذقنه ويشككون في إيمانه.
هذا التحول في الأفكار والمواقف بهذه الطريقة الارتجالية يكشف طبيعة الانفلات الفكري الذي نعاني منه. فحتى «الحداثيون» الذين يعيشون بيننا اليوم أصبحوا يتقبلون الإسلاميين بعد أن كانوا يرهبونهم. والجرائد التي كالت السب والشتم لعبد الإله بنكيران قبل وصوله إلى كرسي الوزارة، هي أول من فتح له صفحات الجريدة لكي يرد فيها على الخصوم. وهكذا نرى كيف أن المواقف مثل الجوارب.
هذا الغلو الديني ليس قادما من فراغ. رحم الله أياما كان فيها الفقهاء يقرؤون القصائد ويؤلفون في الأدب ويتغنون بالحب ويفهمون في الطب.. ويشتغلون مثل باقي الناس ليكسبوا قوت يومهم. جاءت أيام عجاف يتحدث فيها الشيوخ أمام الكاميرا ويكفرون الذين اخترعوها واخترعوا الكهرباء الذي يجعل الشيخ الجليل قادرا على الرؤية ليلا، بينما لم يقدم هو لهذا العالم إلا الهرطقات. قديما كانت خطب الجمعة تحث الفرد على تربية نفسه دينيا على الأقل. اليوم يقف الخطباء فوق المنابر، ويبدو واضحا أن وجوه أغلبهم لا ترى الشمس لأنهم يمضون اليوم كله نائمين في انتظار الصلاة، ويخطبون في الناس متوعدين بالعذاب، ويستنكرون على المواطن المغلوب على أمره عدم التزامه بالصلاة في مساجد وزارة الأوقاف. عندما تسمع هذا الكلام، تخال أن الفقيه يحمل «مفاتيح» الجنة تحت جلبابه. الأجدر أن تخطبوا في الناس لكي يقطعوا مع الرشوة ومع الريع و«الكريمة».
بعد كل هذا، تقرأ كتابا يصف الجنة وكأنك تراها رأي العين، أو يصاحبك في رحلة إلى القبر حيث الثعابين الصلعاء التي تنتظر كل هؤلاء الذين لا يؤدون فاتورة الكهرباء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى