شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

كيلوت دونور

 

 

حسن البصري

خلال المباراة الأخيرة للرجاء الرياضي رفع الجمهور لافتات تسخر مضامينها من الإصلاحات التي يعرفها «دونور»، وتساءلت عن سر تكسية واجهته بقطع ثوب بيضاء أشبه بـ«كيلوطات» الكنغر. كما استغربت لتأخر أشغال إصلاح وترميم الملعب، وتحويله إلى «محلبة» يشرب منها القائمون على المشروع.

حين تحولت واجهة الملعب إلى مادة للسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي، خرجت نبيلة الرميلي، عمدة الدار البيضاء، عن صمتها، واعترفت بسوء المظهر الخارجي للمركب الرياضي محمد الخامس، ومطالبتها للشركة المسؤولة بإعطاء تصور جديد للواجهة، بعيدا عن القماش الذي تطاير في السماء مع أول نسمة هواء.

امتص «دونور» ميزانية ضخمة فاقت 25 مليار سنتيم، بل وتحول إلى ورش يفتح كل خمس سنوات لتصب في جوفه الملايير، يبدو أن شهيته لا تضاهيها شهية ملعب «أرينا»، أو أي ملعب آخر.

في ظل الجدل القائم حول تبان واجهة «دونور»، فضل رئيس لجنة الرياضة في مجلس المدينة ابتلاع لسانه، وهو الذي كان سعيدا لارتداء الواجهة «دو بياس»، قبل أن يختار الصمت الطوعي.

في انتظار ابتكار واجهة أخرى، سيتحمل جمهور الوداد والرجاء بطء الإصلاح، وسيحتاج إلى رصيد من الصبر ليعيش شغف الفرجة في ملعب كبير، وسيعرف بعد مرور الزمن بأن علامة التشوير التي تعتذر عن الأشغال لن تراوح مكانها، وأن القائمين يؤمنون بالقول المأثور «لا زربة على صلاح».

ملعب «دونور» لم يكن ميدانا لكرة القدم، بل كان مجمعا تتعايش فيه الرياضة مع الشأن الجماعي، في مرافقه السفلى تسكن الجمعيات والجامعات، وفي سراديبه مخازن للآلات الموسيقية للجوق الجهوي للإذاعة، كما خصص جناح منه لوكالة استخلاص عائدات الجماعة الحضرية، في أسفل المدرجات المكشوفة مسبح احتلته الضفادع، وغرف تستخدم للطوارئ.

ذات يوم سألت صديقي عبد الله لماني، أقدم معتقل مدني في سجون البوليساريو، عن سر توفره على بطاقة وطنية تحمل عنوان المركب الرياضي محمد الخامس، فروى لي قصته مع ملعب آمنه من خوف.

حين أطلق سراح عبد الله جاء إلى الدار البيضاء، بعد ربع قرن من الأسر، اكتشف أن الوالدين قد ماتا وأن أخته قد تزوجت ولديها أبناء، وأنه أضحى بدون مأوى.

قصد عبد الله رفقة أسيرين مفرج عنهما، مكتب الوالي، فعرضوا عليه مشكلة الإيواء، وبعد مكالمات من مدير الديوان، تقرر إحالتهم على «دار الخير»، انفرجت أسارير وجوههم لمجرد سماع كلمة الخير، لكن سيارة العمالة قادتهم إلى مركز إيواء المشردين بتيط مليل.

بعد توقف اضطراري هناك، سيطلبون من المدير إعادتهم إلى الولاية، لأنهم ببساطة ليسوا مشردين، بل أسرى مفرج عنهم، لا يطالبون إلا بمقر إيواء يحفظ كرامتهم، وبطائق هوية تجدد انتماءهم للوطن. كل ما يملكون ورقة عليها أسماؤهم وصفتهم كمعتقلين.

عرض عليهم مدير الديوان الإقامة في مركب محمد الخامس، فأصبحوا سكان الملعب في مدخل الباب رقم 15، في غرف توجد تحت المدرجات المشبعة بالرطوبة، وأصبحوا يحملون بطائق تعريف عليها عنوان مركب محمد الخامس بالدار البيضاء.

يوم المباراة كان يوم عذاب بالنسبة إلى عبد الله ورفيقيه في الأسر، غالبا ما يمنعون من ولوج الملعب، لأن التأشيرة الوحيدة للعبور هي التذكرة، وحين يحاول قاطنو الملعب إقناع الحراس العموميين والخصوصيين بأن مسكنهم تحت المدرجات، وأنهم سكان الملعب الأصليون وأن الجمهور مجرد ضيوف، تنهال عليهم الضربات ويرمى بهم خارج ممر العبور، وفي أحسن الأحوال يرجى منهم انتظار إجلاء المتفرجين، ليدخلوا الملعب آمنين.

على هذا الإيقاع عاش الأسرى الثلاثة سنوات الإقامة في «دونور»، قبل أن يتم إجلاؤهم بعيدا عن صخب الكرة وعن ملعب يعشق استنشاق الإسمنت المسلح.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى