شوف تشوف

ثقافة وفن

كيف يتصرف الكاتب مع الناشر

محمود عبد الغني

يحير الكتاب، حين ينهون مخطوطات كتبهم وتصبح جاهزة للنشر، كيف يتعاملون مع الناشر؟ كيف يقنعونه بجدارة ما أنتجته عقولهم؟ كيف يتصلون بالناشر؟ كيف يقابلونه؟ متى؟ في أي مكان؟ إن الطريق طويل أمام كاتب يريد نشر كتابه. الشيء الذي يجعل من معرفة ملامح ومسالك هذه الطريق وقواعدها العامة شيئاً ضرورياً بالنسبة لكل كاتب. هنا نقدم الخطوط العامة لهذا المسار الذي يزداد تشعباً يوماً بعد آخر، كما نشير إلى الفخاخ الصغيرة التي يجب اجتنابها لتيسير الطريق للكتاب نحو ناشره. وسنعتمد على تجربة شخصية في النشر، كما على تجارب كُتاب أصدقاء، واعترافات ناشرين عرفناهم عن قرب، وملفات نشرتها بعض المجلات والصحف العالمية.

 

كيف تقدم مخطوطتك للناشر؟ 

الرزانة، والوضوح والأناقة هي ثلاث قواعد من ذهب يجب أن يحترمها كل مخطوط إذا أراد أن يُقبل من طرف أعضاء لجنة قراءة المخطوطات المعتمدة من طرف الناشرين. ففي أيام الكتابة بالأقلام كانت لجان القراءة تعيد المخطوط إلى صاحبه داعية إياه إلى كتابته على الآلة الكاتبة. وقد كان هذا الرفض يتضمن دعوة إلى الكاتب لإصلاح الأخطاء. وقد يصاحب ذلك ملاحظات من قبيل احترام المساحة بين السطور، وعدم الكتابة على ظهر الورقة. كذلك يجب أيضاً، وبشكل قطعي، اجتناب التشطيبات. وما التشطيب في نهاية المطاف سوى تغيير للفظة، أو تراجع عن تعبير، لذلك فهو أمر محبب عند الكُتّاب، فـ “غوستاف فلوبير”، مثلا، ظل يُعتبر أستاذ التشطيب في الرواية الفرنسية، وقد كانت رواياته مليئة بالتشطيبات، لكنه كان يتجنب إرسال مخطوطات مليئة بالتشطيب إلى ناشره احتراماً للقاعدة الذهبية التي أشرنا إليها أعلاه: الأناقة.

لكن الوجه الآخر لهذه المسألة هو أن العديد من المحررين كانوا يرون في التشطيبات التي تشوب المخطوط علامة حسنة أو ميزة. فالمخطوط الذي لا يتضمّن أي تصحيح (النظيف) سيتم التخلي عنه، أو على الأقل تأجيل قراءته، لأن “نظافة” المخطوط تدل على شيئين: 1- الكاتب لم يُعد قراءة مخطوطه. 2- الكاتب لم يكن صارماً مع ما يكتب، مع ذاته.

عملية النسخ عادة يجب أن يكتسبها الكاتب. النسخ يعني وضع نسخة ثانية من المخطوط في قِمَطر الاحتياط. لأنه يحدث أن يفقد الناشر مخطوطتك، وهو أمر عادي، بالنظر إلى مئات المخطوطات التي تصل إليه. ومن باب اللباقة فعل كل ما يلزم كي لا يشعر القارئ لدى دار النشر أنه الرقم العاشر الذي يصل إليه نفس المخطوط.

 

عند الاستعداد لإرسال المخطوط يتردّد الكاتب في مسألة إرفاق كتابه برسالة، أو طلب، إلى الناشر. هناك آراء كثيرة في هذه المسألة، وهي تختلف باختلاف الناشرين في كل الثقافات. لكن بصفة عامة يُعتبر أمر إرفاق المخطوط برسالة دلالة على لباقة الكاتب وحُسن تصرفه. والرسالة هي سيف ذو حدّين، فلا يجب أن تكون طويلة، ومليئة بالإطراء، وألا تلح في الطلب. باختصار يجب أن تكون رسالة معتدلة، متزنة، لا تتجاوز حدود موضوعها: طلب نشر الكتاب إن لم ير الناشر مانعاً، ولا بأس أن ترفقها بوثيقة أخرى مستقلة عنها، وهذه الوثيقة تلعب دور “ملخص الكتاب”. ويجب هي الأخرى ألا تخلو من عبارات اللباقة، ومن معلومات عنك: رقم الهاتف، العنوان… لذلك كانت “مونيك نيمير”، المديرة الأدبية لدى دار النشر الفرنسية “ستوك”، تشعر بالقرف والاشمئزاز من رسائل كانت تأتي مصحوبة بمخطوط كتاب، فيها تضخم أنا الكاتب: “مخطوط كتابي هو فرصة لكم”. على الكاتب ألا يُشعر الناشر بأن كتابه، مهما كانت أهمية موضوعه واستثناء معالجته وقيمته الفكرية، سيوصل الناشر إلى القمم العليا، وأنه سيزيد من دخله المالي. رسالة من هذا النوع لا يقبلها الناشر إطلاقاً، وبسببها لن يقبل نشر الكتاب، ومعه الكاتب طوال مسار الناشر، سيدخل الكاتب إلى لائحة سوداء، كان سيتجنب دخولها لو تحلّى بالتواضع والاتزان. العديد من الناشرين وجدوا في رسائل الكتاب تجسيداً للتفاهة والضحالة الفكرية. إذن، المطلوب: رسالة قصيرة، لطيفة، معتدلة وفارغة من الادعاء.

وماذا عن صورة الكاتب؟ هل يجب أن ترسلها مع مخطوط الكتاب؟ لا، ليس ضرورياً. فإذا كانت ملامح وجهك مقلقة أو مثيرة لشعور سلبي، فإن الصورة تحتوي على خطر كبير، أو إذا كان الوجه قبيحاً، فإن شهوة قراءة المخطوط تتضاءل، وقد تنعدم كلياً. لذلك نجد ناشراً مثل “المتوسط” لا يلتقط صور المؤلفين إلا بعد الموافقة على النشر. وفي أحيان كثيرة يكون طلب صورة المؤلف من طرف الناشر مساوياً لطلب سنة ميلاده، فهو يريد معرفة عمرك عن طريق صورتك. وهنا لا تختلف اللعثمات الأدبية الأولى بين كاتب عشريني وآخر ستيني. هذا أمر تعيه لجان القراءة جيداً .

 

إرسال المخطوط إلى الناشر

بواسطة أي وسيلة تبعث المخطوط؟ يبقى البريدان العادي والإلكتروني هما أضمن طريقة لإيصاله إلى أيدي الناشر. وعليك أن تنتظر من يوم إلى ثلاثة أشهر. فهناك كُتاب تلقوا خبر نشر كتابهم بعد ليلة واحدة، إذ عكف عليه محرّر الدار طيلة الليل، وفي الصباح تمّ الاتصال به لزفّ خبر قبول دار النشر. هذه حالات وقعت مع الأديب الفرنسي “جان- ماري غوستاف لولكلوزيو”، وميشيل ريو و”إيزابيل جاري” التي حكت عن مخطوط روايتها “رجل الجسر” التي أخبرها محرّر أدبي في دار “سوي” بعد يومين من استلامه المخطوط. وفي النشر العربي نعطي مثالاً دار النشر “الساقي” ببيروت التي تحترم موعد الرد على المخطوطات، والذي لا يتعدّى ثلاثة أشهر. هذا يعني، من جانب آخر، عدم فعالية أن يحمل الكاتب مخطوطه بيده ويذهب ليسلمه للناشر مباشرة، فأغلبية الناشرين يفضلون إرسال المخطوط عبر الوسائل المتاحة والمضمونة، حفاظاً على مسافة موضوعية داخل عالم كل خطوة فيه محسوبة لصالح الكاتب أو ضدّه. فالناشر في هذه المرحلة الأولى يريد معرفة شيء قليل عنك. ودعه هو يتصل بك ليعرف عنك المزيد. كما أن الاتصال به هاتفياً أمر غير محبّب، بل قد ينفّره منك. لتتصور، أيها الكاتب، أن الناشر يستقبل في مكتبه عدد المؤلفين الذي هو عدد المخطوطات التي تستقبلها منشأته، ولتتصور أنه يردّ على كل المكالمات، وعلى كل الرسائل، إذا فعل كل ذلك فإنه سينتهي كناشر، وينقرض من الوجود. فساعده على البقاء بهذه الوسيلة السهلة والعظيمة النتائج: حافظ على المسافة الطيبة التي بينك وبينه. وهو سيطلبك لا محالة للاستفهام حول شيء في كتابك، غامض أو غير معبر عنه بالطريقة الأفضل… لا حاجة إلى الضغط عليه. لا حاجة إلى انتظاره في المقهى الذي يجلس فيه، أو الوقوف لانتظاره عند باب مكتبه، أو باب منزله، هذا تصرف يفهمه الناشر على أنه ضغط، بل تهديد لعمله الهادئ الذي يتطلب إيقاعاً معيناً من السكينة والوحدة. فكما كتبت مخطوطك وحيداً، فدع للناشر حصة من وحدته، إنه سيكرسها بدون شك لمخطوطك. وكل دقيقة على الهاتف، أو في المقهى، أو أمام باب المنشأة هي مجتزأة من المدة الزمنية لقراءة مخطوطك، أو مخطوط نظرائك من الكُتّاب. كذلك لا حاجة لك بدعوته لقضاء ليلة في مطعم “س” وقضاء ليلة مجنونة. سترهق ناشرك، وفي الغد ربما لن يذهب إلى مكتبه، أو سيذهب متأخراً ولا قوة له على العمل. لنتذكر ما كتبه إمبرتو إيكو عن طريقة كتابته لروايته الخالدة “اسم الورد”. حكى أنه التقى الناشر في مطعم واقترح عليه كتابة رواية بوليسية في 700 صفحة، ووافقه الناشر من دون أن يخوض معه في التفاصيل. وحين انتهى من “اسم الوردة”، أرسلها للناشر الذي غيّر أشياء كثيرة فيها منها العنوان، إذ إن إيكو كان قد وضع اسماً علماً، والناشرون الإيطاليون يرفضون نشر روايات عناوينها أسماء أعلام. وهذا درس في أن الناشر يحترم قواعده الذهبية، ولن يحيد عنها مهما كان.

 

الناشر يرفض كتابك.. كيف تتصرف؟

سُئل بول أوتشاكوفسكي، الرئيس المدير العام لمنشورات “بول”، هل يستقبل كاتباً جاء ليقدم له مخطوطته بنفسه، فأجاب: لا، أنا لا أحب أن أرى الكاتب قبل قراءته. لماذا هذا الرفض؟ إنه لا يدل على تعالي الناشر على الكاتب، وقد سمعت الشيء الكثير عن هذه المسألة من أفواه كثير من الكتاب. وهذه فرصة لتصحيح الظن. حين يرفض الناشر رؤيتك قبل نشر كتابك، وقبل أي معرفة مسبقة بمخطوطتك وعالمها، فهو يتجنب قول أي شيء عن كتاب لم يقرأه بعد. إن تصرف الناشر هذا هو دليل صحة وعافية وعنفوان. مقابلتك لن تخدم مخطوطتك في شيء.

حين تحدث أوتشاكوفسكي عن أفضل ذكرى يحتفظ بها منذ اشتغاله في مجال النشر، استحضر حالة الكاتب “إيمانويل دارلي”. استقبل مخطوطة روايته “أطفال صغار”، وأضاعها. مرت سنة وعثر عليها صدفة تحت ركام من الأوراق. شرع في قراءتها وأنهاها بسرعة فائقة. كانت رواية جيدة ومتقنة من الناحية الأدبية. اتصل بالكاتب وأخبره بموافقة الدار على نشر روايته. لكن الشيء المفاجئ في هذه الحالة هو أن كاتب الرواية لم يبعث بها لأي ناشر آخر، ولم يتصل به منذ سنة. بقي ينتظر ردهم بهدوء. إنه شيء رائع وحضاري.

حين يُرفض مخطوطك، لا تنزعج ولا تحاول تغيير رأي لجنة القراءة. إن تصرفك سيكون بلا نتائج. وعليك أن تفتح آفاقاً واسعة في ذهنك عن أسباب الرفض. والرفض يكون قاطعاً؛ لا يوافق كتابك الخط التحريري لدار النشر. وغالباً ما يصلك الرد في ظرف يتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، وفي حالات كثيرة قد يطول الرد، أو لا يصل إليك إطلاقاً، هنا لا بد أن تتبع تصرف إيماويل دارلي. اهدأ في مكانك وانتظر. وحين يصلك الرد، وإذا كان إيجابياً فهنئ نفسك وانطلق مسرعاً في التفكير في تأليف عمل آخر، أما إذا كان سلبياً ومهما كانت الأسباب: 1- قرار لجنة القراءة، 2- مخالفة المخطوط للسياسة التحريرية للدار، 3- خطأ في تقدير الناشر، فلا يجب أن تطلب تقريراً مفصّلاً عن أسباب الرفض، أو لقاء مع الناشر. فلا شيء من ذلك سيحدث. فقد قلنا سابقاً إن الناشرين لا يقبلون الضغط.

مبروك.. الناشر قبل مخطوطة كتابك.. كيف تتصرف؟

في حالة قبول مخطوطتك، هكذا تعمل لجان القراءة معك؛ سيمسك عضو اللجنة بقلم رصاص بيده اليمنى، وبكتابك بيده اليسرى. الأمر شبيه بطبيب يجس نبض كل شيء يخفق داخل المخطوط. سيضع الملاحظات، أو حسب الجاحظ: سيصلح الفاسد ويزيد الصالح صلاحاً، في النهاية، ولأن الناشر يعتبرك شريكاً في هذه العملية الكبرى، الخطيرة والحاسمة، سيطلعك على التغييرات التي يجب إحداثها في كتابك. لا ترفض، لا تتصرف بأسلوب أحادي، خذ المخطوط وأعد النظر في الاقتراحات الإصلاحية. وستجد، بدون شك، أن شريكك على حقّ. لكن الفكرة القابعة وراء كل ذلك هي الآتية: الناشر يدع لك فرصة ثانية لتأمل نصك. لأن الأخطاء، كيفما كانت، يمكن إصلاحها بألف طريقة، بما فيها، وعلى رأسها، أخطاء التعبير. وتأكد من شيء واحد لا جدال فيه: الناشر يتتبعك، ويدعو الله كي يوفقك في عملية الترميم الأخيرة. وهناك ناشرون يعون جيداً أن اللحظة المخيفة للكاتب هي تصحيح أخطائه وهو في عزلة معها، لذلك ستجده يراسلك من أجل إيناسك أو تشجيعك والاطمئنان عليك. ونادراً ما يرفض الكتاب اقتراحات الناشر. فحتى الكتاب المتشدّدون يعون أن هذه العملية هي تجميل للنص.

غير معقول

 

 

اللوائح المضحكة

 

 

محمود عبد الغني

 

تظهر كل سنة، بين أكتوبر ومارس، نتائج الجوائز العربية في الأدب. وهي جوائز تختلف قيمتها المالية، بل والأدبية أيضاً. ومن سوء حظ هده الجوائز أنها تظهر تقريباً في نفس الفترة التي تعلن فيها الجوائز الأوروبية نتائجها. فتبدو جوائزنا متدنية، باهتة، مضحكة، هزلية…لأنها في الغالب، لا ترشح أو تتوج ضمن قوائمها الطويلة، وبعدها القصيرة، إلا روائياً أو ناقداً أو شاعراً مغشوشاً، أو مبالغا في قيمته. والجميع يذكر فضيحة جائزة البوكر العربية للرواية سنة 2019 حين توجت روائية لم تقدم أصلاً روايتها للجائزة، لأنها ربما كانت يائسة من الفوز. فقامت اللجنة بكل ما استطاعت القيام به من أجل هذا الفوز، ليتبين أن لعبة القوائم المضحكة، قائمة طويلة…وبعد شهر أو شهرين لائحة طويلة…ثم هووووب يفوز من أرادته اللجنة أن يفوز في خرق تام وظاهر لكل قواعد ومبادئ وأخلاقيات الجوائز الأدبية. ويزيد من استهتار اللجنة الملفقة، أنها تعلن قراراتها، بل وتكشف عن الأعمال المرشحة، في جلسات خاصة، أو في مكالمات ومحادثات هاتفية. ونذكر تبرم وتأفف الكاتب والناشر اللبناني رياض الريس من بروتوكولات التعامل مع أعضاء اللجنة التي كان عضواً فيها، إذ كانت إدارة الجائزة تخُص رئيسة اللجنة، وهي شاعرة مغمورة لكنها مشهورة بأعمال أخرى، في عمر حفيدة الريس، ببطاقة درجة أعمال في الطائرة بينما باقي الأعضاء، وهم من أهم الكتاب والأدباء العرب ببطاقة الدرجة العادية. وفي إطار سرد الفضائح المخزية للجن، يمكن أن نحبر مئات الصفحات..فمن عضو لا يعرف شيئاً في الجنس الأدبي الذي يُحَكم فيه، ومن آخر وصل إلى اللجنة بالتملق والتقرب والاستعطاف، ومن آخر شوفيني وصل إلى اللجنة لتصفية حسابات مع بعض الأدباء…والفضائح المخزية تطول. لكن آخر صيحة في هذه الفضائح هو قطع الطريق أمام مجموعة من المرشحين للجائزة من طرف أبناء نفس البلد. لقد بدأت تتسرب أخبار عن كون المغاربة أصبحوا متخصصين في إقصاء أبناء بلدهم من جميع اللوائح. ما المنتظر إذن من جوائز يُصرف عليها مال كثير، وفي الأخير لا يتم اختيار الكاتب المناسب للفوز، وحتى الكتب الفائزة لا تتعدى عدداً قليلاً من المبيعات. هذا استثناء عربي آخر وجب توجيه الإصبع إليه، من أجل نقده وتقويمه.

تجارب مع الناشر (1)

آيت العميم: حرف الشين فيه شيء من أسنان المنشار

 

للاقتراب من تجارب الكتاب والمؤلفين مع دور النشر، توجه الملحق الثقافي لجريدة «الأخبار» إلى مؤلفين مغربيين، الأول ناقد ومترجم، هو محمد آيت العميم، والثاني هو الروائي عبد الكريم الجويطي.

أفاد آيت العميم بأن أول كتاب نشره لم يكن مع دار نشر، بل نشره أحد المحسنين كان معجبا بما يكتب، وبذلك كان أول لقاء له مع النشر في منأى عن خيبة أمل الناشرين، ولذلك احتفظ، يضيف آيت العميم، بذكرى جميلة مع هذا الكتاب الأول حول “بورخيس أسطورة الأدب”، الذي نشر عام 2005. وقد وزع الكتاب بطريقة محلية، لكنه نال حظوة لدى  القراء والكتاب والنقاد، وكُتب عنه في المغرب وخارجه.

وفي ما يخص مسألة العقد الذي ربط بينه وبين الناشر، يقول آيت العميم إنه وقع مرتين عقود نشر، مع دار نشر مشهورة، وأخرى فتية لكنها دخلت سوق النشر بقوة غريبة. وبنود العقود تكاد تتشابه، حصة هزيلة من النسخ، ونسبة المبيعات تبقى شيئاً هلامياً «وسراباً يحسبه الكاتب ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، فلا يجد سوى الناشر بعنجهية وتغافل». يحس الكاتب، حسب ضيفنا، أنه من بقايا سلالة بني ساسان، المكدين والمتسولين، مؤكدا أن حرف الشين في كلمة النشر فيه شيء من أسنان المنشار.

 

الجويطي: النشر في العالم العربي عملية بئيسة جداً

 

تعتبر تجربة الروائي عبد الكريم الجويطي شديدة الشبه بتجربة آيت العميم، فالروائي نشر أولى رواياته «ليل الشمس» لدى اتحاد كتاب المغرب، لأنها فازت بجائزة الشباب في دورتها الأولى. منحه أعضاء مكتب الاتحاد كحقوق نسخا وانتهى الأمر. ويذكر أن طبعة الاتحاد صدرت بأخطاء مطبعية كثيرة لأنه لم يقم بتصحيحها. وهذا ما تداركه في الطبعة الثانية…

وعن عقود النشر قال الجويطي: «لا أحتفظ في أرشيفي بأي عقد. كل العقود ضاعت لأنني لم أهتم بها. النشر في العالم العربي عملية بئيسة جداً. وما يباع أتفه من أن يشغل الواحد نفسه به. لم أحصل على مقابل مالي محترم جداً إلا مع رواية «المغاربة» لأنها طُبعت مرات عديدة وتعامل معي الناشر بشرف ومسؤولية. كما أني حصلت على حقوقي على الطبعة الأولى من رواية «ثورة الأيام الأربعة» بعد شهر من تداول نسخها، نظراً للإقبال الكبير عليها.

زاوية : بطاقة حرة

 

 

 

فاطمة الزهراء البيش*

* باحثة في السوسيولوجيا – سلك الدكتوراه

 

جربوا معها الكفاح أولا..

 

“البهجة الخادعة، كثيرا ما تكون  أغلى من الاسى الحقيقي” / رينيه ديكارت

 

تلك الليالي المجحفة التي تمر فيها اللحظات أعواما، واشعر بروحي فيها تزهق وتطرح أرضا دون موت وكأن الحزن يدوم ونسعد به أكثر من السعادة ذاتها، وكأن وجودي الاني يعبر عن ما قاله الشاعر نزار قباني ”يا وطني الحزين حولتني بلحظة من شاعر يكتب الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين”،  لولا الانصاف الحظي الذي وجودته في أبي ما دامت سريرتي، تعلمت في مدرسة هذا الشهم  ان الألم مربي والقدر رسالة، اليأس لحظي وغربته داخل ارض العلم مهانة، من قالوا لم يفعوا ومن فعلوا دون قول لم يدركوا المحبر إلا وانفسهم تضطلع عن نذبة وقراره، ردد على مسامعي أكثر ما مرة  “يا ابنتي” تلك عقول والعقول اختلفت فكل حدث بفعل حادثه شخص مسؤول؛ والصمت ليس كالسكوت اختاري من انت، ماذا تكونين، وكيف تودين قطع الطريق، العشوائية في الاختيار مرات مناسبة  لكن حين  تختارك لوحدها  يعود الامر أنسب…

تذكري دائما أن لا احد يتحمل مسؤولية المجانين غير العاقلين حولهم، فلتقربي العقلاء ما استطعت حتى لا تغتمي ولاحظي ما يفعله الحمقى حتى لا يقضى عليك كفعل الارض مع الرواء إن زادت، تلك قضيتك اللاشخصية وذاك وطنك، تعلمي الحرف بإستغناء وطبقيه بحذر؛ العمل ليس كالاستشهاد داخله تمت أمور لا يمكن التغافل عنها وأي حدث مر عليك اعلمي انه رسالة تشفيرها يتوقف على ما تمتلكينه وما لا تلاحظينه من قبل، لن أقول لك خذي الوسطية مادمت تسايرين نفس الحياة  ولا أمر اعلمي أو افعلي فأنا لست ادري ان كان حظك في الحياة قائما ام عدلا ام لا وجود له من الأساس لكن ما متيقن منه ”أنك سعد ابيك…”

اليوم تأملت قول البارحة وأضحيت أسأل نفسي: أيا شمس ابيها انمت ام غزاك القدر، أم نسيتي أن جدك كان “مسؤول بناء” الجامعة – Université التي تخرجتي منها سنوات طوال لم اعزم فيهن من أنا وما خصني في ذلك، أيا قدر أنسيت أنك ما تركت لي عزم الاختيار فمررت من هنا؛ ااصبت بفقدان الذاكرة أم حسبت انني لن أتذكر حينما كنت ها هنا طفلة ذات الأربع سنوات، تحلق بأحلامها عاليا تنظر بشغف واقفة بحزم فوق المنصة،  تقتطف النظر وتستمع قول الحضور اجمع؛ بعد صمت دقائق تصفيقات وضحكات علت مخارج المدرج عن ما ابتغي أن اصيره مستقبلا، بجسم صغير وحركات طفولية لم تكن منطقية البته، رغبتي التي تأكدت وحان وقت الإفصاح عنها، سؤال الأستاذ المحاضر هز دواخلي، أيا شمسة السعد لم تعتلي السلالم بل صعدت على يدي عالم وخاطبك بما تودين الإجابة عنه؛ يدين صغيرتين لاتقدران حمل اللاقط الصوتي، رغم صغر سني آنذاك دون تفكير إلا أنني عزمت الإجابة غير ما شك أو ارتياب “مثلك”؛

أنا الشابة التي كاد يصيبها الجنون كلما سمعت كلمات لا تليق بمقام اختارته عن قناعة، رغم ما يتردد من اقاويل قلب المجتمع وخارجه، تخصصي منذ رمت عقلي غير محبذ؛ لم يأخذ حقه كما يجب بل كثرت المغالطات شأنه، وتداولت الانتقادات في أن تداهم كل شخص اختار نفس الاتجاه؛  فتح الردهة كان مفتعل الوسط الاجتماعي الذي حارب كل من فضل  التكوين فيه، علمنا بعدها أن  العلم  لا يحتاج من يدافع عنه، بل هو رصاصة في صدر من عاداه، ومن فيه أجمار وضعت فوق النار أوقدت كلما سمعت كلاما لا صائبا أصابها، تلك الكلمات المتوارثة التي لا نعلم من هم/ن أًصحابها، من عاقب من، من احسن الاختيار، ومن لاذ الفرار …

لم اكن اعي بعد، أن هناك خلل في امر ما وأن القضية تخصني ولا دخل للاخر بها، حتى انني الان اعاتب نفسي عن الساعات الطويلة التي اطلت الشرح والتفسير فيها لهؤلاء الناس عن ما سقيت به روحي وما حل بها ابتعادا عن الغربة والضياع بعبارة سيغموند فرويد ”معظم الناس لا يريدون الحرية حقا لأنها تتطلب منهم المسؤولية ومعظم الناس يخافون من المسؤولية” إذن حملت مسؤوليتي وبت اعاقب عن حريتي، شهاداتي لم تعد تعبر عني، ليست لي حتى راهنية الوقت لأبيع ما لا يطلبه السوق، الى أين؟ كيف؟ ما العمل الان…؟

ربما يا أبي أصبحت أستاذة بيتك أحاول تدبيره ما أمكن  والحرص فيه عن عدم ضياعك مني، مرضك بات يرعبني مؤخرا، أخاف فقدانك دون تحقيق المطلوب …؛ سعادتك التي وددت رؤيتي فيها سنين طوال ”محاضرة كبيرة حريصة التقدم لا غير”، ابنتك تود ذاك قيد الاستمرار في العلم والعمل به اخر الرمق لاشيء اخر، رفعت رأسي ناظرتا اليك وكيف سيكون ذلك، أجبتني بعينيك ما نهايته، الحقيقة التي تعرفها انا وانت فقط ولا يدريها أحد غيرنا، وحدك تعرف ابنتك وجديتها…؛ انت الأقرب إحساسا بما  اريد والوحيد الامن بما املك، تضحكك كلماتي إخبارا بما افعله في يومي، فخرا بي حتى تتهاطل الدموع، استيقظت من الحلم الذي طالني رغبة في المزيد من الحياة، فوجدتك منتشلا بين يدي مرة أخرى احسك تقول تلك بطلتي وابنتي واصلي دون انقطاع كنت حيا أم مغادرا؛ لا اعلم متى يتحقق الوعد وهل لنا منه نصيب.

تعلم انني سهرت أياما قليلة تعليم أبناء باتوا ابنائي قبل أن انجب، لست وحدك يا رجل معك الالاف، أنا ومن معي سنكون يوما ما نريد؛ قصتك تحرقني أيها العالم الكبير وثقافتك وقفت امامك وحدك، أبي أيها البطل لا اريدك مغادرا حتى ننهي قصتنا معا انا وأنت كل القصة معا، فلا يمكن  أن يكون القدر حليفي منذ الصغر ويتبخر حينما أردنا تحقيقه معا.

”أنت لا تعلم معنى أن يعاقب المرء نفسه بترك ما يحب” / دوستويفسكي

ثمرات المطابع

 

«في شعرية ديوان «روض الزيتون» لشاعر الحمراء».. كتاب جديد لأحمد اليبوري

 

عن دار الثقافة بالدار البيضاء، صدر للأستاذ أحمد اليبوري كتاب جديد، من 167 صفحة، بعنوان «في شعرية ديوان «روض الزيتون» لشاعر الحمراء محمد بن إبراهيم». ويتكون المؤلف من مقدمة ومدخل وسبعة أبواب وملحق تحليلي.

حدّدت المقدمة توجه الكتاب في مقاربة تعتمد على تحليل قصائد ومقطعات الديوان، مع تطبيق طرائق تحليل النصوص والقواعد العامة للبلاغة العربية. أمّا المدخل العام (محمد بن إبراهيم.. عصر وسيرة) فقد توقف فيه الناقد عند موقع الشاعر في خريطة التغيرات التاريخية، على المستويات الاجتماعية والثقافية والشعرية المعاصرة له والمؤطرة لإنتاجه.

أما الباب الأول، فقد بحث في موقع «روض الزيتون» في مرآة النقد، ذلك أن ابن إبراهيم شغل الناس بحياته وبشعره في الثلاثينيات والأربعينيات، بل وحتى بعد موته، ولا يمكن تصنيف شعره في خانة واحدة. بينما تناول الباب الثاني التفاعل النصي كاشفا عن إمكانيات وحدود شاعر الحمراء في مجال الإبداع الشعري بجميع مستوياته وأغراضه غير منساق وفق نموذج أسلوبي واحد، بل وفق طرائق مختلفة في التعبير.

وتطرق الباب الثالث  إلى الأبعاد الوجدانية وما يمكن أن يُعتبر «نوعا من التسامي في مجال الإبداع في علاقته بالجمال، راسما رحلة الشاعر نحو عالم أكثر انسجاما وهدوءا». أما الباب الرابع حول الذات بين الوعي والإرادة فيتوقف عند المعاناة بوصفها حالة نفسية تتوزع فيها الذات بين الوعي بالمأزق، وعدم القدرة على تجاوزه.

وينتقل أحمد اليبوري، في الباب الخامس، إلى البحث في قصائد ذات طابع إصلاحي ووطني، ويخلص إلى أن «بعض معانيها وصورها وتلويناتها الدلالية الصادقة، عمَّقَ حُبّ الوطن في محمد بن إبراهيم، مما يؤهل هذا الجزء من شعره ليكون القلب النابض، والصوت الصادق، والضمير اليقظ، في ديوان (روض الزيتون).

وفي البابين الأخيرين، السادس والسابع، التفات إلى أصداء ذات أثر في شعر شاعر الحمراء، من قبيل الحرب العالمية الثانية ثم أصداء عربية كما تعكسها الأحداث السياسية الكبرى التي عرفها الوطن العربي، في فلسطين وفي ليبيا.

وبعد الخاتمة التي عرضت لخلاصات دقيقة للمباحث السابقة، يعود أحمد اليبوري إلى الاختتام بملحق ضمَّ نماذج تحليلية مركزة.

 

يعتبر أحمد اليبوري أحد كبار النقاد  والباحثين المغاربة وبالوطن العربي، من المؤسسين للدرس الجامعي الحديث وللبحث العلمي، فضلا عن إسهامه النقدي والثقافي خلال فترة طويلة، ومازالت أبحاثه  حاضرة في الجامعة المغربية والمرجعيّات النقدية.

رواق

 

الفنان التشكيلي عبد المجيد صبري يعرض «رهافة الخطوط وتعبيرية اللون» بمراكش

 

استضاف رواق «خالد للفن الجميل» بمراكش لوحات فنية لعبد المجيد صبري. وبذلك يكون الرواق قد استأنف أنشطته بمعرض لواحد من أهم الفنانين المغاربة. افتتح المعرض، الذي يحمل عنوان «رهافة الخط وتعبيرية اللون»، يوم 29 أكتوبر وما زال مستمراً إلى اليوم.

إن المتأمل في لوحات المعرض يجدها فعلا منسجمة مع عنوانه، فالخطوط رهيفة ودقيقة، والألوان طاغية، صاخبة ومعبرة عن كل شيء يحدث في محيط الفنان المراكشي. فاستفادته من الفنون والأساليب التي تعكس الحياة اليومية، كفن التصاوير الشعبية وتقاليده الراسخة، ظاهرة في اللوحات. فالبيوت والأماكن الشعبية العمومية تبدو كأنها صعدت من الواقع، وخضعت لتغييرات وتحولات فنية في مرسم الفنان، وصعدت إلى قماشاته خفيفة، رهيفة، دقيقة وملونة بأبهى الألوان.

عبد المجيد صبري فنان شديد الاندهاش والاحتفال بالحياة اليومية؛ العربات، فن الفروسية التقليدية (التبوريدة)، «الحلقة» في الساحة الشعبية العجيبة «ساحة جامع الفنا»، جلسات النساء المغربيات الخاصة، النافورات التقليدية الموجودة في البيوت وأزقة المدينة العتيقة، الأعراس المغربية، المساجد وخطباؤها المعتلون المنابر، الاحتفالات الشعبية…كلها حياة صاخبة أو هادئة أو بينهما حاضرة ببهاء اللون والخطوط.

تبدو اللوحات، بموضوعاتها المشتركة والمتفرعة، كأنها متوالية فنية من لوحة إلى أخرى، تتشابك خلالها الألوان والشخوص والدلالات.

نصيحة لكاتب

أيها الكاتب المهجور، لا يهم إن كنت شاعراً أو روائياً. الذي لا يكتب عنك النقاد، ولا يترجمك المترجمون، ولا يكتب الصحفيون أخباراً عما تؤلف وتنشر.. بل لا يكتبون حرفاً واحداً عنك وأنت تشارك في ندوة (هذا إن كنتَ تُدعى إليها أصلاً)، ولا يقبل منك الناشرون كتاباً دون أن تغطي تكلفة نشره. هل أنت كاتبٌ فعلاً، أم مجرد شخص يهوى الزحام، واستهلاك الورق، ويملأ المكتبات بكتب لا نفع فيها؟ هذه نصيحة تُسدى لك دون مقابل: أترك عالم الكتابة دون رجعة، ألا تشعر أنك كائن يطفو فوق سطح الحياة، دون أهمية، ولا حتى ذكر طيب أو أثر؟ فما مبرر استمرار وقوفك في زحام طابور طويل؟

عبد الواحد استيتو.. على بعد مليمتر واحد فقط

يرشف كأس الشاي الساخن ببطء وينظر إلى سقف الغرفة متأملا. الغرفة عالمه والسقف سماؤه. يقضي هنا كل يومه. بل ونصف ليله. عاطل هو. غير يائس وغير متفائل. يعتبر نفسه شخصا محايدا. لقد كفّ عن التفلسف منذ مدة. فقط يجلس ويُفسبك. يبحر في عالم الفيسبوك ليل نهار. يقتل الوقت. يقتله الوقت.

لديه 2111 صديقا لحد الآن لا يعرف عُشرهم لكنهم يؤنسون وحدته.. يملؤون فراغه الذي فرغ من كل شيء منذ تخرّج.. هكذا. مثل بالونة شككتها بدبوس فأصبحت كجلد عجوز في الغابرين.

درسَ. اجتهدَ. تفوق أحيانا. اجتاز الأمر بصعوبة في أحيان أخرى. ومارس هواية النقل من الآخرين أحيانا كثيرة. في الأخير نجح في التخرج بمعجزة ما. هو ابن بيئته ولا مفر له مما يحدث. أحيانا يشعر أنه مجرد كرة بين أقدام لاعبين. يتقاذفونها كما يشاؤون دون أن تمتلك –هي- حيلة أو تهتدي سبيلا.

يطلق زفرة قوية. حارة كشهر غشت. يعيد رشف الشاي ويقرأ بعض تعليقات على ما كتب على جداره الفيسبوكي.

«محاولة فاشلة للتذاكي.. هل كتبت ما كتبت لأنك تؤمن به أم لأنك تريد أن تظهر لنا أنك حكيم زمانه؟».

كتبت له إحدى «صديقاته» التي لا يعرفها هذا التعليق على جملة كان قد كتبها في جداره. تقلصت ملامحه. يكره هذا النوع السلبي من البشر. آخر ما يحتاجه في هذا الوقت بالضبط هو أن ينزل أحدهم بمعنوياته إلى الحضيض. في قرارة نفسه يعرف أنها قد تكون صادقة. لكن مزاجه بعيد جدا عن قدرة المحاورة أو الرد. المسألة بسيطة جدا ويفعلها في كل مرة دون تردد. هكذا تجري الأمور في الفيسبوك.. سلسة وسريعة. اضغط زرّ «امسح» وينتهي الأمر إلى الأبد.

بشكل ما. بطريقة ما. دون سبب معقول إطلاقا.. توقفت سبابته على بعد مليمتر واحد من زرّ الفأرة. تردد لثانية واحدة. ثم قرر التراجع والرد عليها.

في رده «حسنا.. حسنا.. أنا أعرف هذا النوع من البشر. أنت لا تعلقين أبدا.. أنت تقبعين منتظرة مثل هذه الفرص كي تفرغي كل ضغوطك وعقدك في أحد الفيسبوكيين. ويبدو أن اليوم كان دوري في خطتك الأزلية لتصيد الضعفاء الذين يحبطون بسهولة !! يمكنك أن تكتبي ألف تعليق مثل هذا. لكن الحقيقة أنني لا أعبأ.. للأسف».

ردّت عليه. ردّ عليها. خفّت حدة الحوار تدريجيا. توادعا بأدب وبدون مودة. لم يتفقا على لقاء. لم يهتم كثيرا هو بالحديث الذي دار بينهما. لكنه شعر أنه استعاد بعض الثقة التي كان سيخسرها لو انتصرت عليه في حوارهما السريع. لم يرفع الراية البيضاء ولم يدخل في معركة من الأصل. انتهى الأمر بتوقيع معاهدة سلام غير مكتوبة معها. ابتسم ابتسامة رجل راض عن نفسه. لقد نجا من ليلة اكتئاب فيسبوكية حادّة. هكذا قال لنفسه قبل أن يقهقه بقوة ويدير ظهره لجهاز الكمبيوتر ولجدار الفيسبوك. وينظر إلى ذلك الشق في حائط جداره. ويضم الوسادة بقوة إلى رأسه كما يفعل دائما منتظرا معجزة النوم. وغدا يوم آخر.

 

ضياء جبيلي.. لعنة ماركيز

… عزيزي (A)

إليك الرواية، وأنا على ثقة تامة أنك أذكى من أن تنطلي عليك خدعة إلكترونية صغيرة.

إن الناس في مجتمعاتنا تبهرهم حكايا الجن والشياطين التي تتلبّس أجساد البشر. وفي الغرب ربّما لا يصدقون شيئا من ذلك، إلا أنهم يصغون إليها ويشاهدونها باهتمام: في السينما وأفلام الكارتون.

الإصغاء: هذه الكلمة، تبدو أكثر أهمية من أن تصدّق شيئا يبدو لك كخرافة أو أسطورة. وقد أصغى الناس إلى كافكا وماركيز وساماراغو وخوان رولفو وغيرهم ممن تعاملوا مع المسوخ والكوابيس والخرافات والأشباح والأموات، فما بال هذا العالم لا يصغي إلينا ونحن نروي قصتنا الحقيقية؟ !

أرجوك: اقرأ بإمعان ولا تنس أن تختار لي اسما مناسبا تضعه تحت العنوان. في الختام، أعتقد أني سأشتهر قريبا من خلال هذه الرواية، وغاية ما يتمناه الروائي هو أن يكون معروفا.

(Shift) + (Alt) =ل-م

صديقك المخلص

فائز

رسالة غريبة حقا، والأغرب منها هذه المخطوطة التي أرفقت معها. ظننت أنها ربما تكون مكتوبة باللغة الإنكليزية التي أريد منها التمويه على الرقيب الذي لا محيص له عن فظ المظروف وفحص ما في داخله. لكنني اكتشفت أن لغتها مشوهة جعلتني أشعر بالملل وأنا أتعقب الغموض الذي ملأ صفحاتها.

… أمضيت أياما في محاولاتي البائسة. فتارة غارقا بين الأوراق والقواميس من شتى اللغات. وتارة أخرى أرى أنني أصبحت كالأعمى الذي يحرك الملعقة خارج الإناء. الأمر الذي دفعني إلى أن أهجر بحثي المضني لفترة قبل أن أعود إلى نفس النقطة التي كمنت فيها حيرتي.

وذات مساء كنت أمام شاشة الكومبيوتر في مقهى الإنترنت، وقد وصل بي اليأس إلى حدّ بتُّ فيه عاجزا تماما عن إدراك كنه ما عثرت عليه في دائرة البريد التي أعمل فيها، وهي حزمة الأوراق المطبوعة بلغة مجهولة. فتحت بريدي الإلكتروني وشرعت بكتابة رسالة إلى أحد أصدقائي المغتربين، أشكو فيها قلّة حيلتي ومدى عجزي إزاء المخطوطة الغريبة التي عثرت عليها. لقد كتبت بإسهاب وانفعال جعلني لا أنظر إلى شاشة الكومبيوتر. كنت أنقر على أزرار الكي بورد بحقد وبسرعة لم أشهدها من قبل. حتى أنني لم أعر لإغراء علبة السجائر على المنضدة اهتماما يذكر، فما زلت أنقر وأنقر حتى انتابني الإعياء وشعرت بالألم في أصبع السبابة من يدي اليمنى.

نظرت إلى الشاشة، ولا أدّعي أنني لم أصدق ما رأيت عليها، إذ لم يكن للجنون الذي ظننت أنه ربما أجهز على «فائز» أي تأثير في ما تبدّى أمامي حينها، وكنت متيقنا أنّ كل ما كتبته كان حقيقة، وإن تكن مرعبة للوهلة الأولى، لكنها لا تعدو كونها فعلا أنا الذي قمت به، دون أن يكون ثمة تدخل من الشياطين أو الجنّ.

الشيء المثير في ما كتبته ساعة ذاك هو أنّ اللغة التي ظهرت على الشاشة كانت تشبه إلى حدّ كبير المخطوطة العائدة إلى «فائز»، بل إنّها هي بحذافيرها ! ولعل ثمة من يتساءل: من أين جاءت هذه اللغة المبهمة لتحطّ على شاشة الكمبيوتر؟ هل هي قصة أخرى، أم أن العدوى انتقلت إليّ أخيرا؟

كل ما في الأمر هو أنني اكتشفت بعد انتهائي من كتابة الرسالة أني لم أستخدم زرّي (Alt) و(Shift) –اللذان أشار لهما «فائز» في رسالته- في الانتقال بالكتابة من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية، وكم كنت غبيا حين أهملت تلك الإشارة المهمة. لقد كان الأمر مقتصرا على هذا الفعل من خلال الضغط على الأول ثم الثاني أو باستعمال (الماوس) والنقر على اختيار اللغة العربية في أسفل الشاشة لأتمكن من كتابة رسالتي على نحو لا يقبل الغموض. لكني لم أفعل ذلك، أو نسيت أن أخطو هذه الخطوة التي من شأنها أن تبقي الأمر شاذا وغامضا ويبعث على الملل.

 

 

محمد سناجلة.. شات

… أبقى جالسا ببلاهة على عتبة الغرفة، أدخن وأرقب الناس العائدين إلى حجراتهم، أحلم ببلاد بعيدة تهفو إليها روحي، بلاد ليست كهذي البلاد، فجأة يفتح باب الغرفة المجاورة، ليس فجأة تماما، فهو يفتح كل يوم في مثل هذه الساعة بالضبط، يخرج رجلان أشيبان، خمسينيان، متشابهان كأنهما توأمان، يخرجان دائما معا، يلبسان ملابس متشابهة، شورت وتي شورت بنيا اللون، هما رومانيان من بوخارست كما عرفت في ما بعد، تبعد حجرتي عن حجرتيهما حوالي الخمسة أمتار، أقرب جيراني إليّ، يمشيان في الممر الإسمنتي الفاصل بين صفين من الغرف الجاهزة، ينظران إليّ نظرة كابية، أفهمها تماما، لأنها نفس النظرة التي أرمقهما بها، نظرة تعبر عن الملل من المشهد اليومي المتكرر بلا نهاية، كل يوم يخرجان ليجداني جالسا بنفس المكان والطريقة، وكل يوم يخرجان من غرفتيهما أمامي في نفس الوقت، ويذهبان إلى قاعة الطعام الواقعة في آخر الممر… أما زلت هنا… أما زلتما هنا… لم لا تغير هذه الجلسة الكئيبة… لما لا تغيران طريقكما… لما لا تبقى في غرفتك حتى نغادر، ولم لا تغادران قبل أن أخرج من غرفتي، لم لا تذهب قبلنا لقاعة الطعام… لم لا تتأخران حتى أكمل سجائري وجلستي المسائية… مللنا من وجودك… مللت من رؤيتكما… مللنا من هذا الروتين… مللت من العالم…

يمرّان من أمامي يبتسمان ويحنيان رأسيهما بالتحية المعتادة، أبتسم وأردّ التحية بمثلها. يمضيان بخطى وئيدة، أرقبهما وأتنفس الصعداء… أنهما قد مضيا الآن وتركاني لشرودي المسائي اللذيذ، لا شيء يقطع هذا الشرود الحزين سواهما كل يوم، وأبقى متقلقلا حتى يخرجا، وعندها أحس بالراحة التامة، شيء ممل أن تشعر أن هناك أناسا قد ملّوا منك، حتى لو كانوا يعرفون أنك أنت أيضا قد مللت منهم. ثم إنني أستغرب تماما وجودهما في هذا المكان الكئيب، في الحقيقة لا أفهم أن يبقى رجلان على أبواب الستين من عمرهما يعملان إلى هذا الوقت،أما آن لهما أن يستريحا، ألم يملّا هذا الذهاب اليومي الممض إلى العمل، أيّ فاشلان تافهان هما حتى يبقيا يكدحان إلى هذا الوقت المتأخر، أية حياة بقيت لهما ليعيشاها، فشل ذريع…

بالنسبة لي لن أعمل بعد الخامسة والثلاثين، سيكون لدي ما يكفي لأعيش بقية عمري في بحبوحة بدون عمل، لدي مخطط كامل لهذا… سأبقى أكدح طوال السنتين القادمتين، سأحتمل كل شيء، الحرّ والبرد، الهجير والمطر، الغربة والعيش في أمكنة لا أكاد أطيقها، سأحتمل كل شيء، وفي نهاية هاتين السنتين سيكون لدي ما يكفي من المال لأتقاعد.

والأمر بسيط جدا، ليس بحاجة لعبقرية فذة، فبعد هذه السنوات من العمل الشاق المضني، سأبني عمارة من أربعة أدوار، كل دور فيه شقتان، وسأؤجر هذه الشقق الثماني، ومن أجرتها سيكون لدي دخل ممتاز يكفيني ويزيد، إن الأمر بسيط جدا، وعندها لن أعمل، وسأتفرغ للدنيا، سأسافر، أتعرف على نساء جديدات كل يوم… وأعيش في مدن تضجّ بالحياة لا كهذه المدن الميتة، وطبعا لن أتزوج مرة أخرى، أغبى شيء ممكن أن يفعله الرجل هو الزواج… تصور أن تذهب مختارا نحو عبوديتك، أن تضع الأغلال في عنقك وأنت تبتسم، من أجل ماذا… لا تقل لي العائلة والأولاد والأمان والاستقرار… إلى آخر هذه السيمفونية المملة من المبررات التي يحاول الإيمان بها من تورطوا… لا يا سيدي بالنسبة لي لن أتزوج أبدا، هذا مؤكد…

الشيء الثاني المؤكد هو أنني لن أكون مثل هذين الفاشلين اللذين ما زالا يعملان وهما على حافة القبر… غبيان… بعد أن يذهبا أسترخي تماما وأشعل السيجارة الثالثة، أحتسي الصودا وأسرح في اللاشيء، وكلّ شيء، أحلم بحياتي القادمة، وأبني قصورا وأحلاما، أتخيلني بين أحضان مئات الصبايا، مستلقيا على شواطئ المسرة، بين نهد وكأس وخضرة يانعة، أية حياة تلك التي لم نعشها بعد… وأية حياة بائسة هذه التي عشناها حتّى الآن…

إنّ رعبي الأساسي يكمن في لحظة النهاية، عندما تنتهي الحياة، وأكون في أول الموت، تلك اللحظة المرعبة، حين أنظر لحياتي التي مضت على هذه الأرض، أريد في تلك اللحظة الخابية بالذات أن أعرف أنني قد عشت الحياة طولا وعرضا، وأنه لم يفتني شيء من متعها الرائعة، في تلك اللحظة بالذات لا أريد أن أشعر بالغصة والحسرة على شيء ما لم أستطع الحصول عليه، على مسرة لم أنلها… فرح فاتني… هذا هو رعبي الحقيقي…

في تلك اللحظة المتلاشية أريد أن أشعر بالرضى عن الذات، وأنني لم أمض هذه الحياة في الكدّ والشقاء، ولا يهمني ماذا يحدث بعد الموت، هذه أشياء اعتقادية، كل إنسان يعتقد ما يريد، وأحزن كثيرا على أولئك الذين ملأ الرعب قلوبهم، فمضت حياتهم بين خوف ورجاء ورعب وأمل فأضاعوا الحياة، هذه التي لن تتكرر…

 

زهور كرام.. الأدب الرقمي.. أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية

 

تركيب مفتوح على التفاعل مع تجربة الأدب الرقمي

-إنّ موضوع الأدب الرقمي هو موضوع يأتي في سياق تكنولوجي، يخصّب مساحة الحرية أمام الأفراد. وهي حرية يمكن التعامل معها بوعي كبير. من أجل استثمارها وتحويلها إلى قدرة إبداعية في ممارسة الحوار.

-إن الانخراط في الأدب الرقمي هو مطلب حضاري بامتياز. وليس نزوة أو موضة عابرة أو شيئا من هذا القبيل. والمسألة محسومة معرفيا وثقافيا وأنثروبولوجيا. فبالعودة إلى مختلف الأشكال التعبيرية القديمة والحديثة، سنلاحظ أنها وحدها التي عبّرت عن قدرتها على احتضان معنى وجود الإنسان في كل مرحلة تاريخية. فالشعوب تترك معنى وجودها وكينونتها من شكل حكيها. وكلما اختلفت وسائل التعبير، وتعددت وتنوعت، كلما وجد الإنسان أشكالا كثيرة لترميز حياته وتصوراته وإدراكاته.

-إن حالة التردد التي تتسم بها عملية التعامل والتواصل مع الأدب الرقمي، من قبل مجموعة من الكتاب والنقاد هي حالة تعبر عن وضعية الثقافة التكنولوجية في الممارسة العربية، وأيضا في الانشغال الذهني والفكري.

-إنّ تراكم النصوص الرقمية في التربة العربية يعد مدخلا عمليا لتفتيت حالة التردد، كما يساهم في إدخال القارئ العربي إلى هذا العالم العجيب والمدهش والغريب والجديد.

-تقبّل النص الرقمي التخييلي مشروط بخلق مادة نصية تخييلية، تكون مؤهلة كميا وكيفيا لإثارة انتباه القارئ، وتحفيزه على التواصل مع هذا التخييل الرقمي.

-إنّ مفاهيم الأدب الرقمي ما تزال ملتبسة وغامضة من حيث الاشتغال، ليس فقط في التجربة العربية، وإنما أيضا في التجربة الغربية وذلك لكون تجربة الأدب الرقمي حديثة العهد. ولهذا لا ننتظر ثباتا في التحديد المفهومي، لأن ذلك يحتاج من جهة إلى تراكم النصوص، ومن جهة ثانية إلى نشاط حركة النقد. وعليه، فإن تعدد تسميات المفهوم كما يحدث مع التفاعلي والمترابط والرقمي، هو تعدد يترجم حالة النص التخييلي الرقمي. ومن ثمة، فالضرورة النقدية تقترح الانخراط في تجربة التحليل الأدبي الرقمي، من أجل خلق حركية اشتغال المفهوم.

-بناء على طريقة تأملنا في تجربة الأدب في علاقاته بالتكنولوجيا، فإنّ الأدب الرقمي هو مفهوم عام تنضوي تحته كل التعبيرات الأدبية التي يتم إنتاجها رقميا، والمترابط مفهوم يعيّن الحالة الأجناسية لهذا الأدب، أما التفاعلي فهو إجراء رقمي عبره تتحقق رقمنة النص. لكنها تأويلات لدلالات مفاهيم قابلة للتحول مستجدات تجربة النصوص.

-مادام إنتاج النص التخييلي الرقمي يتمّ في سياق ثقافة علمية تكنولوجية تتطور بسرعة تفاجئ العقل البشري، فإنّ هذا الوضع يتطلب من الحكومات العربية، بما فيها وزاراتها في التربية والتعليم ووزاراتها في الثقافة والتواصل، ضرورة الانتباه إلى التربية على ثقافة التكنولوجيا، من أجل خلق جيل مؤهل لكي يبدع ثقافته وإبداعاته ورموزه بناء على ممارسته لثقافة التكنولوجيا وذلك حتى لا يبقى الفرد العربي مجرد مستهلك للمفاهيم –نظريا- وللتكنولوجيا كمتلقٍ دون أن يتحول إلى منتج.

-لن يستقيم الوعي بالأدب الرقمي إلا بانخراط المبدعين والنقاد والمثقفين في التجربة، كتابة وتأملا ونقدا وتفكيرا.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى