كما تدين تدان
حسن البصري
اشتهر القاضي الأمريكي مايكل سكونتي بعقوبات غريبة تحت مبدأ «الجزاء من جنس العمل»، ومن أغرب الأحكام التي أصدرها هذا الرجل حكمه على سبعة شبان بزرع سبعين شجرة بعد قطعهم أشجارا من الشارع العام وبيعها كحطب. وحكم مايكل على مراهق ضرب رجلا مسنا بالخدمة لشهرين في دار المسنين، كما حكم على رجل في حالة سكر وضع قطته بالفرن، بإطعام القطط في حديقة عمومية لشهرين كاملين. وحكم سكونتي على شخص سرق شريطًا من أحد محلات الفيديو فعاقبه بالوقوف أمام المحل لمدة أسبوعين وهو يحمل لوحة كتب عليها «السرقة عمل مشين»، وحين قبضت الشرطة على أحد الأطباء بتهمة شرب الكحول أثناء القيادة خيره بين السجن لمدة ستة أشهر، أو إلقاء محاضرات في المدارس عن أضرار الكحول، فاختار الرجل دور المحاضر.
كثيرة هي الأحكام السالبة للمال وللحرية القابلة للتعديل وللاستبدال بعقوبات أخرى، لأنه لا جدوى من ضرب الجيوب ووضع المخالفين خلف القضبان، خاصة في حالات قابلة لإعادة التكييف، خاصة وأن السجون تحولت من فرط الاكتظاظ إلى إقامة مجانية تعج بمخالفي القانون الذين يتلقون كل يوم دروسا إضافية في الإجرام.
من هذا المنطلق أضحت العقوبات البديلة ذات البعد الإنساني مطلبا يقطع مع النمط التقليدي الذي يجعل العقوبة مقابل الجرم، دون البحث عن العبرة من العقوبة السالبة للحرية أو السالبة للدراهم، في زمن أصبح فيه المجرم شخصا كغيره فقط تم القبض عليه متلبسا، والباقون في حالة سراح مؤقت.
من خلال مراجعة العقوبات الصادرة عن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم طيلة العام الماضي، سواء الصادرة عن اللجنة المركزية للتأديب والروح الرياضية أو لجنة الأخلاقيات، تبين أن الغرامات المالية المستخلصة من لاعبين ومسرين ومدربين ومن الأندية قاربت 152 مليون درهم، وهو مبلغ مالي يؤكد عمل اللجنتين بمبدأ «الضرب للجيب»، ناهيك عن عقوبات سالبة للعب والركض في الملاعب.
لو كان مايكل سكونتي عضوا في لجان الزجر والتأديب في عالم كرة القدم، لاستبدل الكثير من العقوبات وحولها إلى أفعال من شأنها أن تغير سلوك الرياضي وتحوله من لاعب يركض خلف كرة مملوءة بالهواء، إلى شخص يركض وراء المبادرات الإنسانية. حتى المال المستخلص من العقوبات ليس حلا نهائيا للانفلات، علما أن المال شيء لا نتوقف جميعا عن القول بأنه ليس كل الدنيا أو «طمع الدنيا» ولكننا نقلب هذه الدنيا بحثا عنه.
غالبا ما نكتفي بنصف تسمية اللجنة ونتوقف عند التأديب علما أنها لجنة للتأديب والروح الرياضية، والغاية من القرارات التأديبية ليست دائما الزجر والتنكيل، بينما تظل الروح الرياضية مجرد باقة ورود بلاستيكية في ركن من أركان غرفة الحكم.
لكن هل يمكن للاعب من ذوي السوابق في الطرد وتكديس البطاقات الحمراء، أن يحال على دورة تأهيلية بإشراف من حكام محنكين، أو أن يحول إلى مدرسة النادي ليشرف على حصص تدريبية ويحث الناشئين على الروح الرياضية، ويقوم بمبادرات إنسانية لفائدة النادي؟
وهل يمكن لمدان بشتم حكم المباراة أن يرتدي بذلة حكم ويقوم بتحكيم مباريات الفئات الصغرى لمدة معينة، حتى يشعر بقدرة التحمل التي يمتلكها قضاة الملاعب؟ وقس على ذلك من العقوبات البديلة التي تراهن عليها الشعوب، وبلغة الفقهاء فإن الفاجر المستهتر الذي يعبث بحرمات الناس وينتهك خصوصياتهم، لو علم أن عدل الله قد يقضي بأن ينتهك هو أيضا لتاب وترك أعراض الناس.
قبل ثلاث سنوات احتضنت مدينة مراكش فعاليات مؤتمر إقليمي حول بدائل العقوبات السالبة للحرية، وخلصت إلى التشديد على ضرورة سن بدائل العقوبات السالبة للحرية كأسلوب جديد للعقاب والإصلاح وإعادة الإدماج، لكن التوصيات ولدت ميتة، واكتفت لجنة الصياغة بعبارة «كما تدين تدان».