حسن البصري
يبدو أن خللا قد حصل في «كاستينغ» اختيار المدرب التونسي فوزي البنزرتي بديلا للمدرب المغربي عادل رمزي، إلا إذا اعتقد رئيس الوداد أن هذا السبعيني التونسي يحمل صفة إطفائي قادر على إخماد لهيب نيران الغضب الساطع.
هذا الرجل الذي أصبح اسمه مقرونا بصفة «المحنك»، ليس نسبة إلى «لحناك»، بل قياسا على تجربته الطويلة في التنقل من فريق إلى آخر، لأنه يجيد الارتباط بالفرق ويتقن العزف على وتر الرؤساء، كأنه ساحر من أرض تونس أتى.
حين غادر الرجاء الرياضي، برأ في حواراته الصحفية مع المنابر التونسية نفسه من تهمة ضياع لقب البطولة المغربية، وقال إن المباراة الأخيرة للرجاء ضد أولمبيك آسفي فيها «إن وأخواتها».
وحين غادر الوداد هرول صوب منبر إذاعي، وقدم شهادة براءته أثيريا، وقال إن الوداد يحتاج إلى مسير يحميه من غارات البرمجة المختنقة.
بين هذا وذاك يصر مسؤولو الرجاء والوداد عند الانفصال عن هذا المدرب، على كتابة بيان الفراق بحبر التراضي، والحال أنه ترامي على حقوق مدربين مغاربة هرعوا إلى استوديوهات التحليل الرياضي، هربا من حملة استيراد المدربين العجائز.
يؤمن سعيد الناصري في تدبيره الانفرادي لشأن الوداد بقولة المخرجين المصريين: «الجمهور عايز كده»، فيسعى إلى التعاقد مع مدرب الشباك ولاعب الشباك، وكل من انفتحت له شهية المناصرين.
نحمد الله الذي وهبنا نعمة النسيان، ووضع على أذهاننا طبقة سميكة تنسينا ما قاله فينا مدرب مقال بصيغة التراضي. نحمد الله ونشكره على نعمة الهضم السريع، لأننا نملك القدرة على ابتلاع الكلام الجارح الذي يقوله في حقنا مدربون يأكلون الغلة ويبصقون في الإناء.
لكن البنزرتي ليس من طينة المدربين الذين يرضون بأنصاف الحلول، فهو يملك جرعة جرأة زائدة وطموحا لا يقف في وجهه عامل الزمن. فللرجل وجه سياسي بانتمائه لحزب «نداء تونس»، بل إنه قاد لائحة تسمى «الجرأة والطموح»، في الانتخابات التشريعية التونسية لسنة 2011، لكنه انهزم بضربات الجزاء. وحين يلتقي الناصري السياسي بالبنزرتي السياسي، فاحذف ما «علق».
كان البنزرتي ومعه حزب «نداء تونس» في صف السياسي الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية التونسية 2014. ليس دعما طبعا لـ«السبسي» ولا رغبة في رائحة دخانه، بل لأنهما معا يؤمنان بأن السن لا تقف في وجه الطموحات. بل إن الرجلين معا لا يثقان إلا في ابنيهما، فالباجي جعل من نجله حفيظ علبة أسراره، وفوزي حول ابنه إلى وكيل أعماله يفاوض باسمه وينال نصيبه من الكعكة، أليست الصدقة في المقربين أولى؟
الراتب الشهري للمدرب التونسي لا يقل عن 45 ألف أورو، فضلا عن باقي الامتيازات من منح المباريات ومنح الإنجازات ومنح الإجازات، وسيارة وشقة وإعفاء تام من الضرائب. لذا يبدو أن فوزي هو المدرب الوحيد الذي أنهى صلاحية المثل القائل «اجري أصغري على كبري»، وأجرى عليه تعديلا يجعل القول الشعبي المأثور يأخذ معنى آخر «اجري أكبري على كبري».
كلما ضربت نزلة برد فريقا مغربيا، عطس الرؤساء وسقط من خياشيمهم مدربون مغضوب عليهم، لا يهم جنسيات المدربين ولا تاريخهم ولا معضلة التواصل التي قد تواجههم، المهم «أنا أغير إذن أنا موجود».
تعاقد الدفاع الحسني الجديدي مع طاقم تدريب برتغالي، فاكتشف أنه بحاجة إلى مترجم، وحده ارتباط الجديدة بالغزو البرتغالي يشفع لمسؤوليها هذا الاختيار.
وفي الطاقم التقني للرجاء الرياضي خمس جنسيات وثلاث ديانات وقبلة واحدة. ويملك الاتحاد البيضاوي رقما قياسيا عالميا حين غير الرئيس ثلاثة وثلاثين مدربا في ثلاث ولايات، وهلم شرا.
في منطق الاقتصاديين، «زيادة التنافسية تؤدي إلى خفض الأسعار»، لكن في عالم التدريب فزيادة التنافسية ترفع أسعارهم.