قلوب عارية
كان الحزن يشل كياني وأنا أغادر مدينة القنيطرة في تلك الصبحية الباردة التي لم تشرق شمسها بعد.
شمس قلبي أعلنت طلوعها المبكر من مغربها، لم أعارض فما عاد في الدنيا ما أتمهل لأجله.
بصعوبة كنت أحبس تلك الدموع المتدحرجة على خدي المتورد سالكة سبيل الوجع المعتاد.
لم أكن أعرف بشكل جيد أحياء مدينة القنيطرة لأتمكن من الوقوف على ساقي كوليد فرس وأمشى دون دليل..
صادفت فتاة بطريقي، لأسألها عن السبيل الذي سيعرج بي لحي «الخبازات» إذ كنت بحي «الساكنية» وهو حي شعبي معروف يرتاده الطلبة للاستقرار فيه، وحتى العاملات وربما كل من ضاقت عليه ذات اليد ليقطن بحي راق، سيكلف الكثير ليستر الناس أنفسهم تحت سقفه.
في تلك الرحلة أدركت فعلا ما معنى أن يسترك جدار بيت لا جدار رجل.
الرجال غير آمنين.
القاعدة لا تشمل كل الرجال لكنها لا تبرئ الكل.
حتى الرجال أحيانا يحتاجون لجدار يسترهم.
لا تزال عالقة بذهني صورة ذلك الرجل الذي كان مستلقيا على الأرض شبه عار، كل دثار عليه ممزق، كان يرتجف بردا وهي تمطر في المكان المقابل لأحد الأبناك بمدينة القنيطرة، مزق حاله قلبي حتى أن عيني دمعت، لكني لا أمتلك لنفسي أمامه حيلة غير أني حملت صورته وعذابه معي لأتساءل عن أولئك الذين صادفتهم عيني بنفس الشارع الطويل المليء بالمتناقضات.
رجل يقتني لحبيبته سيارة فارهة من أحد المحلات الأرستقراطية ليهديها لها في عيد الميلاد المقبل.
وآخر يخطط لقضاء رأس السنة في باريس أو إسطنبول أو بالحانات بين قوارير الخمرة والنساء.
من سيفكر في ذلك الرجل المسكين؟
من سيؤمن له الدفء في هذا الفصل الشتائي القارس المميت؟
لابد أن الأرض سترحمه لتدفنه تحتها ويحسب عند الله من الشهداء دون أن ترق له قلوب فاحشي الثراء.