قصص نووية!
بقلم: خالص جلبي
في 6 دجنبر من عام 1965 م أبحرت حاملة الطائرات الأمريكية (تيكون ديروجا TICONDEROGA) وكانت نار الحرب محتدمة في فيتنام، وهي تحمل على ظهرها العديد من الطائرات المزودة بالقنابل الهيدروجينية (الالتحامية الحرارية النووية من عيار الميجاطن)، وكان ذلك ضمن الاستنفار النووي الأمريكي خوفا من تطور نووي غير محسوب، فحدثت واقعة نووية تم التكتم عليها في وقتها، وهي سقوط إحدى الطائرات من نوع (سكاي هوك) تحمل في بطنها قنبلة هيدروجينية، من عيار واحد ميجاطن سقطت من ظهر حاملة الطائرات إلى قاع البحر لتستقر في عمق 4880 مترا في ظلام المحيط، تحمل 33 رطلا من البلوتونيوم، باتجاه الساحل الياباني قريبا من أوكيناوا على بعد 130 كيلومترا بين تايوان والجزيرة اليابانية الكبرى شيكوكو. وطوى البنتاغون سر القنبلة الثمينة الضائعة يومها، وليس هذا هو السر النووي اليتيم، فقد تم إماطة اللثام في الفترة الأخيرة عن أن مدينة ناغازاكي ضربت بقنبلتين وليس بقنبلة نووية واحدة، كما هو معروف تاريخيا إلا أن إحداهما لم تنفجر! والذي كشف الواقعة هو كاتب أمريكي اسمه (ويليام أركين WILLIAM ARKIN)، الخبير في القضايا الاستراتيجية، حيث نشر كتابا أشار فيه إلى ما يزيد على 1200 واقعة نووية من هذا النوع في البحار، منها 11 مفاعلا نوويا ضمن غواصة نووية هوت إلى القاع، ومنها 48 رأسا نوويا غرقت في قاع البحر من الشكل الذي بين أيدينا، وبعد مضي عشرات السنوات عرف أهل الجزيرة بأن أمام ساحلهم وفي قاع البحر يرقد شر سلاح عرفه الجنس البشري، ولكن البنتاغون هدأ من روع أهل الجزيرة، بأن فترة الاثنتي عشرة سنة قد انتهت، ولذا فلا خوف من بأس القنبلة الراقدة في أعماق المياه الباردة، ولا ندري ما هي مشاعر سمك القرش وهو يحوم سابحا، حول هذا الضيف الغريب غير المرغوب فيه، حيث لا أمل من مغادرته ضيافة قاع المحيط!
ومن جملة الأسرار التي خرجت إلى السطح أيضا في الفترة الأخيرة، أن ناغازاكي ضربت بقنبلتين من نوع الرجل السمين (FAT MAN البلوتونيوم 239) بدلا من واحدة، وإن كان بعض الخبراء قد شكك في الواقعة، وتم تسليمها إلى السوفيات عن طريق اليابانيين، قبل دخول الجنرال الأمريكي (مارك آرثر) الجزر اليابانية بأيام قليلة، وكان حرص اليابانيين على ذلك أن لا تنفرد أمريكا بسر السلاح النووي، وربما كان مخطط ضرب المدينة بقنبلتين بسبب جغرافية المدينة المحاطة بالجبال، ولذا كان تأثر ناغازاكي أقل من تأثر مدينة هيروشيما بالكارثة النووية نسبيا.
وسواء ضربت ناغازاكي بقنبلة واحدة أو اثنتين، فإن المحصلة النهائية أن عهدا جديدا قد انبثق، وأطل العصر النووي برأس الفطر المرعب، وهو يحلق فوق مصير الجنس البشري، تماما كما في الأساطير التي نعرفها ما حصل مع علاء الدين والمصباح السحري. وفي 4 غشت 2020 م حينما انفجر سلاح حزب الله في مرفأ بيروت، ظن الناس أنها قنبلة نووية! وورطة لبنان مع حزب الله تذكر بقصة السندباد والعجوز، حين ركب على ظهره فلم يتخلص منه إلا بخمر سكر منها فسقط. وكذلك حزب الله في لبنان، حتى يتم إخماد نيران عبدان وقم بخمر مجهولة.
تروي الأساطير أن علاء الدين الفقير أغراه الساحر بالدخول إلى مغارة سحيقة ليخرج منها مصباحا عتيقا، والذي حصل أن علاء الدين عندما وقع على المصباح رآه قد علاه التراب، فلما أراد تنظيفه خرج من فوهة المصباح جنيا هائلا يفعل الأعاجيب، انتشر كالدخان ينتظر الأوامر من صاحب المصباح، ولكن ميزة العصر الجديد الذي أخرج الجني (النووي) من القمقم أنه ليس مصباحا واحدا يتيما، كما أن السحارين يزداد عددهم باضطراد، ليست كوريا الشمالية وإسرائيل آخرهم، ولذا فإن العالم يعيش أزمة نووية حتى اليوم، فهو استطاع ترويض الجني (النووي) وما زال ممسكا به، ولكن كثرة السحرة والمصابيح التي بها يمسكون والجن المختبئ فيها، يجعل العالم الذي نعيش فيه عالم الجن وعبقر وعالم الخوف وعدم الاطمئنان للمردة الجدد، الذين أعادوا إلينا روح الأساطير وقصص الجان مرة أخرى.
وفي الواقع يجب أن لا نضحك أو نستخف بالأساطير، لأنها مخزن الحكمة الإنسانية، كما تحكي رغبات الإنسان الخفية والمظلمة والتي تحرك اللاوعي عنده، من مثل امتلاك قوة لا تخطر على بال أحد.
ليس المهم في الأسطورة أنها تمثل حقيقة أم لا، المهم فيها أنها تمثل وقود تحريك الإنسان، فالسيارة تحتاج إلى البنزين لتسير، أما الإنسان فيمكن أن يتحرك ويمشي بوقود وهمي، بل ويقتل فالذاكرة الجماعية للصرب مثلا ما زالت تتغذى من معركة
(أمسل فلد AMSELFELD) التي جرت في كوسوفو عام 1389م، كما أن الخيال اليهودي ما زال يشحن من تهديم (تيطس TITUS) للمعبد عام 60 للميلاد، وهذه الظاهرة لا تخلو منها أمة، ومنها تتغذى ذكريات الأطفال، وتشحن بها الذاكرة الجماعية للأمة، وتخلد بها الأمة ذكريات أبطالها بكيفية ما، وفي تراثنا من الأساطير كفاية.