قصة نقابي توبع بتهمة الإرهاب لأنه ندد بفساد مدير مؤسسة عمومية
يونس جنوحي
لم تكتب الصحافة الجزائرية عن الحادث الذي تعرض له الصحافي ثابت حناشي من أسبوعية الحرية، حيث كان يعمل خلال مرحلة التسعينيات. إذ طالت هذا الأخير شرارة العُشرية السوداء وكاد أن يلقى حتفه برصاصة في الرأس على يد مجموعة من الجنود فقط لأنه أراد مغادرة مكان حفل بعد منتصف الليل، وكانت التعليمات التي تلقاها العسكريون ألا يغادر أحد نهائيا مكان المعرض إلا بعد انتهاء النشاط رسميا. كادت رغبة الصحافي في أن يغادر صوب الفندق ليرتاح، أن تُكلفه حياته.
يعطي هشام عبود مثالا آخر على تسلط الجنرالات وجبروتهم خلال مرحلة تسعينيات القرن الماضي، بقضية النقابي عمار نصوح. هذا الأخير كان موظفا في مكتب التدبير العقاري، لكنه وجد نفسه ذات يوم معتقلا لأسبوعين عن الدرك الوطني الجزائري. والسبب؟ الإرهاب.
إلى أن يثبت العكس
الواضح أن جميع الموظفين والمثقفين والمسؤولين في الجزائر إرهابيون إلى أن يثبت العكس. إذ إن الأمثلة التي سردها هشام عبود هنا، محددا الأسماء والأماكن أيضا، كلها تفيد بأن الجزائريين جميعا كانوا في مرحلة سراح مؤقت، وأن مسألة اعتقالهم للتحقيق معهم أو نسب شبهة الإرهاب إليهم، كانت مسألة وقت فقط، وقد تقع لأتفه الأسباب.
يقول هشام عبود إن النقابي عمار نصوح تم إيقافه لأسبوعين في مقر فرقة الدرك الوطني في منطقة أم البواغي ووضع في ملفه أنه مشتبه في قضية إرهابية.
ما وقع أنه كان في اجتماع ندد خلاله، باعتباره نقابيا، بالرشوة والفساد المنتشرين في مكتب التدبير العقاري ونفوذ مدير المكتب.
المدير لم يرقه هذا الاتهام الذي وجهه إليه النقابي عمار نصوح، فلجأ إلى صديقه الكوماندان صبري، رئيس وحدات الدرك، وطلب منه أن ينتقم له على طريقته.
كان هذا مثالا صارخا على وجود حالات تحرش بمواطنين جزائريين من مختلف الطبقات.
وأخطر ما في الموضوع، كما يقول هشام عبود ملخصا الوضع برمته، أن العسكريين كانوا ينفذون التعليمات كيف ما كانت عندما تأتي من الأعلى. كانوا يطبقون التعليمات بدون تفكير أو إعمال للعقل أو إحالة على القانون. كلما نزل الأمر من الأعلى، كان تنفيذه أسرع وبدون أي تفكير، حتى لو كان الأمر يتعلق بتنفيذ عملية اغتيال في واضحة النهار.
لكن هذا لم يمنع هشام عبود من الإشارة إلى أن بعض المسؤولين كانوا يتجنبون قدر الإمكان أن يكونوا في موقع يتلقون فيه الأوامر من الأعلى للانتقام.
للوصول إلى هذه الدرجة من التحكم، كان يلزم الكثير من المال. إذ إن جعل المُطيعين كذلك، لا بد من توزيع المكافآت والامتيازات والترقيات. وفي سبيل هذه الباقة من الهدايا والإكراميات، كان بعض المسؤولين بمختلف الرتب مستعدين لخدمة الجنرالات والضباط السامين الذين يدورون في فلكهم، وتنفيذ أوامرهم مهما كلف الأمر.
انفجار مُدو
هذا التمويل الذي خصصه الجنرالات ومن يدور في فلكهم لعمليات الانتقام، كان مكلفا. ليس فقط لخزينة الدولة وإنما أيضا في طريقة عمل الأجهزة الأمنية. إذ إن أغلب الأمنيين من مختلف الفرق والتخصصات انشغلوا بتلفيق التهم وتوزيع يافطة الإرهاب في كل مكان، ونسوا الاهتمام الفعلي بالقضايا الأمنية الملحة. وكانت نتيجة التلاعب بالملفات الاجتماعية الحساسة، مكلفة جدا.
إذ إن تدخل المخابرات العسكرية وتواطؤ المسؤولين لتنفيذ أوامر رؤسائهم، حتى لو لم ترد بشأنها تقارير ميدانية، أدى إلى كارثة في 14 يونيو 2001. يتعلق الأمر هنا بالمظاهرات التي اندلعت بين “القبايل” وعرب الجزائر. إذ إن تلك المواجهات كان سببها تدخل المخابرات العسكرية ومختلف الأجهزة الأمنية التابعة للدرك والأمن وتمويل النزاعات لإرهاب الجهة التي كانت تحرك المتظاهرين لممارسة حقهم الطبيعي في الاحتجاج والنزول إلى الشارع.
سقط أبرياء من مختلف مناطق الجزائر خلال تلك العمليات، وتم تلفيق التهم إلى المتظاهرين وصلت حد اتهامهم بالتخطيط لتفجير أماكن عمومية ونسبت إليهم عمليات تصفيات نفذها مخبرون في حق مواطنين أبرياء. الغاية كانت تشويه سمعة المتظاهرين في أعين الرأي العام الوطني والدولي، وتحولت الجزائر إلى ساحة حرب غير مُعلنة. وكان لا بد من تخليص الشارع من عمليات التلاعب وتزوير الوقائع.