شوف تشوف

الرئيسية

قصة متابعة أربعة موظفين في شركة للتنمية تابعة لبلدية الرباط أمام جرائم الأموال

كريم أمزيان
لم يسلم حتى الموظفون التابعون لشركة التنمية المحلية «الرباط باركينغ»، من المتابعة القضائية أمام الهيأة القضائية المكلفة بقسم جرائم الأموال بغرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، إذ إن الاشتباه في تورط عدد منهم في تهم «اختلاس وتبديد أموال عمومية والغدر والتزوير في تواصيل، والمشاركة في ذلك»، جرهم إلى القضاء، وجعلهم يقفون بدورهم أمام القضاة في جلسة محاكمة علنية. فقضيتهم لا تختلف كثيراً عن القضايا التي نظر فيها القسم نفسه. فهم كانوا يشتغلون في «الرباط باركينغ»، وهي واحدة من  شركات التنمية المحلية، التابعة للمجلس الجماعي لمدينة الرباط، التي تعد إحدى الآليات الموضوعة رهن إشارة الجماعة، لضمان تدبير الخدمات والتجهيزات العمومية، ويتم اللجوء إليها من أجل إضفاء طابع المهنية على تدبير الخدمات العمومية، وبالتالي تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، غير أن الشركة المذكورة، التي عهد إليها تدبير مرفق مرأب السيارات في عاصمة المغرب، اعترتها مجموعة من الاختلالات المالية، عجلت بمتابعة بعض موظفيها بتهم ثقيلة، كلفتهم أحكاما قضائية لم يتوقعوها قط.
الموظفون الذين يشتبه في تورطهم في اختلالات مالية هم أربعة، وأسماؤهم على التوالي، (س.ز.ر) و(ع.ع.ب) و(ا.س) و(ر.إ) زوجة أحدهم، وتوبعوا في ملفين منفصلين أمام الهياة القضائية نفسها، المكلفة بالنظر والبت في قضايا جرائم الأموال التي تحال على غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، من قبل مكتب التحقيق بغرفة التحقيق الخامسة الموجود في المحكمة ذاتها، وبالضبط، بمحاذاة القاعة التي تعقد فيها جلسات جرائم الأموال. الملف الأول يحمل رقم 2015/2623/8 والثاني 2015/2623/5، قبل أن تقرر الهيأة القضائية ضمهما إلى بعضهما بالنظر إلى أن وقائعهما هي نفسها، ولأن الجهة التي انتصبت مطالبة بالحق المدني هي ذاتها، في كليهما.

مرأب المامونية
تفجير الملف سيكون بناء على شكاية وضعها الممثل القانوني للشركة، وفق شكاية تقدم بها في شهر أبريل 2015، حينما اكتشفت أن عطباً تقنياً استهدف حاسوبها المركزي لمرأب المامونية، في 2013، وعلى الرغم من ذلك لم يتم إبلاغها به، من قبل المسؤول عن الاستغلال العام المباشر، إلا بعد مرور يومين عن وقوعه، فبادر دون استشارة مسؤوليه إلى إصلاح العطب، على الرغم من أنه ملزم قانونياً بإخطار الإدارة به حال وقوعه، قبل أن تكتشف الشركة أن الحاسوب جرى العبث فيه لإتلاف المعطيات والمعلومات التي يتوفر عليها.
المعطيات التي (حصلت عليها «الأخبار»)، تشير إلى أن شكاية توصلت بها النيابة العامة، تقدمت بها شركة التنمية المحلية «الرباط باركينغ»، في موضوع اختلاس أموال عمومية وخيانة الأمانة، تسببت في أضرار للمشغل، واستهدفت مبالغ مأخوذة من ماليتها، هي التي فجرت الملف، واستناداً إليها صدرت الأوامر من أجل فتح بحث في الموضوع، شرعت فيه الفرقة الاقتصادية والمالية الثانية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية، لولاية أمن الرباط سلا تمارة الخميسات، بتاريخ 09 ماي 2015، وبدأت تحقيقها أولاً من خلال الاستماع إلى الممثل القانوني لشركة التنمية المحلية «الرباط باركينغ»، والذي كشف أن الشركة التي يمثلها اكتشفت خللاً في أحد الحواسيب التي يتم استعمالها، من أجل إدخال مجموعة من المعطيات فيه ومعالجتها وتقديمها عند الحاجة إليها. هذا العطب جرى اكتشافه بالضبط في يوليوز 2013، وفق ما تمت الإشارة إليه، ولم يبلغ عنه (ن.د.ع)، المسؤول عن الاستغلال المباشر، إلا بعد يومين، ملفتا الانتباه إلى أن هذا المسؤول بادر من تلقاء ذاته إلى إصلاح العطب، دون أن يكلف نفسه القيام بأخذ مشورة الجهة التي تشغله، قصد إرساله إلى الموزع المعتمد، من أجل إصلاحه بنفسه، حتى لا يتم إتلاف ما يتوفر عليه من معطيات مهمة مخزنة فيه، مع العلم أنه، بحسب ما يشير القانون الذي يشتغل وفقه، ملزم بالتبليغ بهذه الواقعة لتتخذ الشركة ما تراه مناسبا. شركة «الرباط باركينغ» اعتبرت هذا السلوك خارجا عن المسطرة القانونية التي يجب العمل وفقاً لها، ما جعل مسؤوليها يشككون في ما قام به هذا الموظف، قبل أن يأخذوا الحاسوب المذكور ويخضعوه لخبرة تقنية، تبين بعدها، من خلال النتائج التقنية، أنه استهدفه عبث، تم من أجل تغيير معطياته، خصوصاً أنه كان يحتوي على قرص مدمج.
طلبت الشركة، بحسب ممثلها القانوني، من الموظف الموضوع في حلقة ودائرة الشك، تمكينها من لائحة بعدد المنخرطين، غير أنه اتضح لها أن تلك اللائحة بدورها جرى تغيير معطيات مضمنة فيها، من حيث عدد المنخرطين، فتبين لها أن الشخص المذكور لم يصرح بالعدد الكامل للمنخرطين، إذ أوردت أنه لم يسجل سوى 190 منخرطا، في الوقت الذي تأكدت الشركة من كون العدد الحقيقي للمنخرطين يفوق ذلك الذي تم تمكينها منه، إذ أوردت أنها تأكدت من أنه محدد في 305 منخرطين، وفقا للائحة تم تسليمها للإدارة من قبل (ز.ر)، وهو أيضاَ موظف آخر متهم في الملف.
بعد جمع إدارة شركة «الرباط باركينغ» المعطيات كاملة، تبين لها، وفق ما أورده ممثلها القانوني، خلال الاستماع إليه من قبل المحققين التابعين للفرقة الاقتصادية والمالية الثانية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية أمن الرباط، المكلفين بإجراء بحث تمهيدي في الموضوع، أن الموظفين المذكورين في الشركة كانا يستوليان على أموالها بدل تحصيلها لفائدتها، ذلك أن واجبات الاشتراك بالمرأب كانت تمنح من قبل المنخرطين لكل من الموظف (ز.ر) باعتباره المسؤول المباشر عن مرأب المامونية، و(ن.د.ع) ابتداءً من سنة 2006 وإلى غاية 2013.
ولم تتوقف تصريحات ممثل الشركة، خلال الاستماع إليه من قبل المحققين عند هذا الحد، بل أضاف أن الموظف (ز.ر)، اعترف بموجب إقرار محرر بخط يده ويحمل بصمته، بـ«وجود عمليات اختلاس تم ارتكابها من قبله وزميله (ن.ع)، مشيراً إلى أنه قدّم إلى إدارة الشركة مظروفين يضمان بيانات محررة بخط اليد، تهم مبالغ مالية حصل عليها بنفسه، أثناء غيابه لما كان في رخصة.
التهم الموجهة إلى الموظفين تجاوزت ذلك بكثير، فقد تبين أن أحدهما كان يعيد استعمال وصولات سبق استعمالها، وأنهما معاً كانا يعملان على اختلاس المبالغ المالية الخاصة بها، والمتأتية من أداءات المنخرطين، وهم منخرطون لم يتم التصريح بهم، من طرف (ن.د.ع)، بحسب ما أكده (ز.ر)، مضيفاً أن الشركة لا يمكنها حصر قيمة المبالغ المالية المختلسة من قبلهما بالتدقيق، والتي بلغت في ما يتعلق فقط بمرأب المامونية عن سنة 2013، مبلغا يتعدى 372.330.00 درهما شهريا.

مرأب السوق المركزي والتلاعب بالوثائق
الاختلاسات التي ضبطتها شركة «الرباط باركينغ» لا تهم فقط هذا المرأب، بل كذلك مرأب السوق المركزي في الرباط، والذي كان يشرف عليه الموظف (ع.ع.ب)، إذ أشار ممثل الشركة إلى أن لجنة تدقيق تمكنت من اكتشاف وجود تلاعبات في عدد المنخرطين المصرح بهم، والذي لم يتعدى ثلاثة أشخاص، في حين أن عددهم الأصلي هو 12 شخصا، بالإضافة إلى شخص آخر له علاقة مع (ن.د.ع)، الموظف المتورط أيضا في الملف، الذي كان يحتفظ لنفسه بالفارق المتمثل في المبالغ المختلسة، من تسعة منخرطين، غير مصرح بهم، والذي يعادل 19.845.00 ردهما، عن سنة 2013، وفق تقرير اللجنة.
أما في ما يخص المنطقة المنظمة للوقوف في الشق المتعلق بالحجز الخاص، فإنه تبين للشركة، من خلال ما أورده ممثلها خلال الاستماع إليه، أنها وقفت على وجود تلاعبات تمثلت في تخصيص مركنين محسوبين عليها بزنقة عزة، دون التصريح بهما لديها. وكشفت المعلومات الميدانية، بخصوص هذا الأمر، أن الموظف (ن.د.ع) هو من أمر مصلحة الصيانة في شخص المستخدم (ب.ح)، بتثبيت علامات التشوير، وبعدم تسليم فاتورة الأداء عن المركنين، لأنهما غير مصرح بهما لدى قسم المحاسبة، علما أن المبلغ الذي يعادل خدمة المركنين، إنما يصل إلى 9512.80 درهما سنويا، وحجز المركنين تم منذ سنة 2011، وهو ما ترتب عنه، وفق المسؤول ذاته، حرمان الشركة من تحصيل  مبلغ محدد في 28.538.40 درهما عن ثلاث سنوات.
وفي ما يخص المنطقة المنظمة للوقوف في الشق المتعلق ببطائق الانخراط، فإنه اتضح، من خلال ما أفاد به ممثل الشركة، أن المستخدمة (ر.إ) بدورها متورطة في عملية الاختلاس، لأنها، بحسبه، نفت وجود أي خطأ لديها في تسجيل المنخرطين بقاعدة المعطيات بالحاسوب الممسوك لديها بمكتبها، وعندما تمت مواجهتها بقائمة بأرقام لوحات سيارات غير مصرح بها، أكدت أن بطائق الانخراط مزورة، في الوقت الذي كشفت تحريات لجنة التدقيق أن الأمر يتعلق فعلا بمنخرطين حقيقيين، يستفيدون من الخدمة المقدمة لهم من الشركة، ويؤدون مقابلها مبالغ مالية لها، كانت تحتفظ بها، وفق ما تبين من خلال الوثائق، وفاق المبلغ 11.670.00 درهما، عن سنة 2013، دون احتساب السنوات السابقة.
وفي الوقت الذي كانت تباشر تحرياتها للوقوف على قيمة المبالغ المالية المختلسة، أوردت الشركة أن الموظف (ن.د.ع) عمل على استرجاع البطائق غير المصرح بها، عبر أخذها من أصحابها مقابل مبلغ 1000 درهم عن كل بطاقة، أي بقيمة تفوق بكثير مبلغ الانخراط المحدد في 650 درهما، كما قام، وفق المصدر ذاته، بـ «اختلاس مبلغ 1600 درهم بعد استرجاعه من مستخدم سابق لدى الشركة، والذي كان يتعين تخصيصه لإبراء ذمة سيارات كانت مخالفات مسجلة في حقها».

ضم الملفين والإدانة بالسجن والغرامة
وبناءً على معطيات الملف، فإن عناصر الشرطة استدعت كل الذين وردت أسماؤهم في إفادات وتصريحات الممثل القانوني لشركة «الرباط باركينغ»، وبناء على ما ذكره جرى الاستماع إليهم، من قبل عناصر الشرطة القضائية التي أحالتهم على الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، والذي استمع إليهم من أجل المنسوب إليهم، قبل أن يقرر بدوره إحالتهم على قاضية التحقيق بالغرفة الخامسة، المكلفة بإجراءات التحقيقين الإعدادي والتفصيلي في الملفات المالية، والتي قررت في 31 يوليوز 2015، متابعة المتهمين الأربعة من أجل جرائم «اختلاس وتبديد أموال عمومية، والغدر والتزوير في تواصيل، والمشاركة في ذلك»، ثم أحالتهم على الهيأة القضائية المكلفة بقسم جرائم الأموال، بغرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستنئاف بالرباط، التي شرعت في البت في الملفين، بشكل منفصل الأول جرى تعيينه في 08 يوليوز 2015 والثاني في 06 غشت 2015، من خلال جلسات منفصلة، إلى أن تم ضم الملفين في 07 شتنبر 2015، ومنذ ذلك الحين والمتهمون الأربعة يتابعون جميعا في ملف واحد، إلى أن جرى النطق بالأحكام فيه في 07 مارس 2016، إذ وزعت المحكمة السجن والغرامة على المتهمين، وحكمت على المتهم الأول بثلاث سنوات حبسا موقوف التنفيذ، وغرامة مالية قدرها عشرة آلاف درهم، فيما قسمت ثلاث سنوات على زوجين، اثنتين موقوفتا التنفيذ للزوج، وسنة واحدة موقوفة التنفيذ لزوجته، وغرامة مالية قدرها خمسة آلاف درهم لكل واحد منهما.. فيما برأت المتهم الرابع من كل المنسوب إليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى