شوف تشوف

الافتتاحية

قصة فشل

قال محمد بنعبد القادر، وزير الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة، إنّ النهج الذي اختارته الحكومة للقضاء على الرشوة لا يقوم على مقاربة تصفية الحسابات وتسييس الملفات والزجّ بالناس في السجون، بل اخترنا المقاربة الشمولية الوقائية. تصريح الوزير الاشتراكي داخل قبة البرلمان يلخص قصة الفشل أمام معاقل الفساد، فمن حكومة تدعي محاربته ووضعت استراتيجية وطنية وأحدثت لجنة وزارية لم تجتمع قط، ووضعت خطوطا حمراء وصفراء وخضراء وكل ألوان الطيف لمقاومة هاته القوة المدمرة، التي تكلف ميزانية الدولة 20 مليار سنتيم سنويا، بدأ الاستنجاد بقاموس الوقاية خير من العلاج وعدم مطاردة الساحرات، وتجنب الانتقائية والانتقامية وتعزيز الشفافية، خير من مكافحة الفساد، وأن مواجهة الفساد لا ينبغي أن تتم في ملعب القانون الجنائي بل بالتربية والتهذيب والتأطير.
من الطبيعي القول إن الحكومة، التي فشلت في محاربة شبح البطالة وفيروس الأمية وسوء الخدمات الصحية وضمان السكن اللائق، لا يمكن التعويل عليها بتاتا لخوض معارك حقيقية وشجاعة تجاه القوة المدمرة للفساد الذي يتألم منه الفقراء والطبقة الهشة، وآثار ذلك واضحة للغاية. فالفساد هو الذي يحرم ملايين المرضى من العلاج بكرامة، ويحول دون تعليم جيد، ويؤدي إلى انجراف الطرق تحت الأمطار بسبب الصفقات المشبوهة، ويتسبب في سقوط البيوت على رؤوس أصحابها، ويؤدي إلى إنتاج مئات الآلاف من العاطلين بدون أفق، أقصى ما يحلمون به هو الحصول على تأشيرة هروب من هذا الواقع المر أو الركوب في «فانتوم» نحو الضفة المقابلة من المتوسط.
هل يمكن أن نطالب حكومة بهذا العجز بمحاربة أخطبوط الفساد وقطع أوصاله؟ بالتأكيد لا، فهي أقصى ما يمكن أن تفعله هو إلهاء الرأي العام بإثارة ملفات زائفة وتافهة، لكنها لن تجرؤ على النبش في القضايا التي فوتت على بلادنا العديد من فرص التنمية الحقيقية. لن تستطيع حكومة بحجم حكومة العثماني ترتيب الجزاءات على البرنامج الاستعجالي الذي صرفت عليه بلادنا 4000 مليار دون فائدة، أو برنامج مدن بدون صفيح الذي كلف بلدنا 5000 مليار سنتيم، أو محاسبة المسؤولين عن إفلاس صناديق التقاعد، أو الذين تسببوا في إفشال مشاريع ملكية طموحة.
على حكومة العثماني أن تدرك جيدا أن مكافحة الفساد لا تتم بجلسة برلمانية يزبد فيها رئيس الحكومة ويرغد، أو لجان وزارية ولدت ميتة، أو استراتيجيات وطنية بقيت حبرا على ورق، أو مجموعة نصوص قانونية جامدة، بل هو مسار يحتاج إلى شجاعة سياسية وترك السلطات القضائية تقوم بدورها من دون أي تأثير سياسي، وهي خطوة مهمة على درب بناء النموذج التنموي الذي نبحث بعناء عن ملامحه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى