قصة «دونور» من ملعب «مارسيل سيردان» إلى «ستاد دونور» إلى مركب «محمد الخامس»
حكاية ملعب تاريخي أصبح بؤرة توتر في قلب العاصمة الاقتصادية
انطلقت أشغال بناء ملعب «مارسيل سيردان» في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، بغاية التخفيف من الضغط الذي يعرفه ملعب «فيليب»، والذي لم تعد طاقته الاستيعابية تسمح بالفرجة، بحكم أن مدرجاته لم تتجاوز سعتها 500 متفرج، فيما يقضي باقي المتابعين المباريات وهم واقفون متصلبون مزدحمون في ملعب يستقبل مواجهات مغاربية ودولية.
كان بناء ملعب كبير بمواصفات عالمية (في تلك الحقبة الزمنية) مطلبا للمغاربة وللسلطات الاستعمارية أيضا، لكن هذه الأخيرة لم تكن تعلم أن فرقها لن تنعم بهذه المعلمة، بعد أن بزغ فجر الاستقلال.
في السادس من مارس 1955، تم تدشين الملعب في منطقة المعاريف، واختارت له الحماية الاستعمارية بإيعاز من المندوب الرياضي للحكومة الفرنسية، اسم «مارسيل سيردان»، تكريما لهذا الملاكم الذي توفي في حادث جوي، حين تحطمت طائرته على صخرة جبل طارق.
لكن سنة بعد التدشين سيحمل الملعب اسم «الملعب الشرفي»، بعدما تشرف الملك محمد الخامس بحضور نهائيات كأس العرش فيه، حيث كان يجلس في مدرجاته العادية، قبل أن يتم التفكير في بناء مقصورة رسمية.
بعد خضوع الملعب للترميم والإصلاح والتوسعة أيضا، استعدادا لاستضافة المغرب لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983، سينتهي العمل باسم «الشرفي» وسيحمل اسم «المركب الرياضي محمد الخامس»، بعدما ضم قاعة مغطاة ومسبحا أولمبيا وملعبا ملحقا وفندقا ومرافق رياضية، حولته من مجرد ملعب للكرة إلى مجمع رياضي.
ظل الملعب يخضع لوصاية قطاع الشباب والرياضة، قبل أن تسحب المجموعة الحضرية في صيغتها السابقة البساط من تحت أقدام القطاع الرياضي، ليتحول الإشراف إلى مجلس المدينة. وكانت صيانته جزءا من التزامات الجماعة الترابية، قبل أن يحمل «البلوكاج» السياسي في المجلس الجماعي وصفة تفويت تدبيره إلى شركة من شركات التنمية في عهد الوالي سفير، وأصبح المركب الرياضي تابعا في تدبيره لشركة الدار البيضاء للتنشيط والتظاهرات، التي تم تأسيسها من طرف سلطات مدينة الدار البيضاء في 28 أبريل 2015، وهي شركة مساهمة خاضعة للقانون الخاص وذات رساميل عمومية.
في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار» ترتيب جديد لقصة ملعب كان فضاء للفرجة، وتحول إلى بؤرة توتر مقلقة.
حسن البصري
السلطات الاستعمارية تنزع قطعا أرضية من معمرين لبناء ملعب
في عام 1949، عقدت السلطات الاستعمارية الفرنسية اجتماعا خصص للبحث عن بقعة أرضية لبناء ملعب كبير يليق بالسمعة الرياضية لمدينة الدار البيضاء. وحسب المستندات الرسمية، فإن قرارا وزاريا صادرا في العدد 819، بتاريخ 7 أبريل 1950، والموقع من قبل محمد الحجوي، نيابة عن الصدر الأعظم (الذي اطلع عليه وأذن بنشره، بتاريخ 12 أبريل 1950)، وكذا فرانس لاكوست، الوزير المفوض المعتمد بالإقامة العامة.
حسب الباحث يونس الخراشي، «فإن القطعة الأرضية التي بني عليها ملعب «مارسيل سيردان»، تعود إلى كل من ميشال كاسطون ومدام ميشيل كيي، الزوجة، وفابر بيير ومدام كالسيا طيريز، الأرملة، وأميكليو وألبيرطين لوشفانطون وإيم أميكليو وأولادها، ورولان وجوزيان ومفيلو زوجة لوشفانطيون».
وما يؤيد ذلك هو المبرر الذي قدم، ومن خلال الجريدة الرسمية التي تضمنت القرار الوزاري القاضي بإنشاء الملعب، نقرأ: «في التصريح بأنه من المصلحة العمومية والأمور المستعجلة إحداث ملعب بالدار البيضاء، وفي نزع قطعتي أرض لازمتين لهذا الغرض، بمقتضى الظهير الشريف، المؤرخ في 09 شوال 1332، الموافق 31 غشت 1914، المتعلق بنزع الملكية لأجل المصلحة العمومية».
يقع المركب على مساحة تقدر بـ12 هكتارا (12262 مترا مربعا بالضبط/ الرسم العقاري 5387 د)، وهي المساحة التي تتضمن ملعب كرة القدم، والملعب الملحق، فضلا عن القاعتين المغطيين (إحداهما للرياضات المتعددة، كرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة وفنون القتال والجمباز والمسايفة وغيرها، والثانية للسباحة والغطس)، وإن كانت الأخيرتان تتبعان من حيث الملكية والتدبير المباشر لوزارة الشباب والرياضة، فيما يتبع الملعب في ملكيته للبلدية، قبل أن يتم تفويض تدبير أنشطته لشركة التنمية «كازا إيفنت».
قصة إطلاق اسم مارسيل سيردان على ملعب الدار البيضاء
في السادس مارس 1955، أعلن رسميا الانتهاء من تشييد الملعب، وتقرر أن يحمل اسم الملاكم الفرنسي «مارسيل سيردان»، وفي السنة الموالية بعد استقلال المغرب، تم تغيير اسمه لـ«الملعب الشرفي»، (سطاد دونور)، وقتها كانت طاقته الاستيعابية تتسع لـ30 ألف متفرج.
عاش المغرب حالة حداد، بعد وفاة ملاكم كان مقربا من حكام المغرب، وكانت له مكانة اعتبارية في المحيط الاستعماري. خاض مارسيل المقيم في المغرب نزالا بالولايات المتحدة الأمريكية أمام الملاكم الأمريكي جاك لامورطا، برسم بطولة العالم للوزن المتوسط، انتهى بهزيمة مارسيل بالانسحاب من الحلبة إثر إصابته في الكتف، وصرح الأخير لوسائل الإعلام الأمريكية بأنه خسر معركة دون أن يخسر الحرب، وأضاف أن المباراة الثأرية التي ستقام، بعد شهر في الدار البيضاء، هي التي ستحسم أمر اللقب.
اعتبر العديد من المتتبعين أن التصريح الذي أدلى به مارسيل كان يحمل نوعا من التحقير للأمريكيين، سيما حين توعد بجعل الدار البيضاء قبرا لمنافسه، وكتبت الصحافة الأمريكية مقالات غريبة تؤكد أن الحسم تم بأمريكا، وأن النزال المقرر في المغرب لن يجري.
بعد يومين، وبالتحديد في يوم 28 أكتوبر من سنة 1949، امتطى سيردان الطائرة عائدا إلى المغرب، وفوق صخرة جبل طارق تحطمت أشلاؤها وقتل كل ركابها وطاقمها التقني، وبلغ عدد الموتى عند سفح الصخرة حوالي 44 شخصا كانوا يتجهون صوب الدار البيضاء.
أجمعت الكتابات التي نقلت حينها وقائع الحادث على وجود محاولة للإطاحة ببطل العالم، وتحويل التاج العالمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذهبت بعض الروايات إلى حد التساؤل عن سر تراجع مدربه الخاص روب وبعض الشخصيات الأمريكية في آخر لحظة عن السفر على متن الطائرة نفسها، وتأكيد الصحافة الأمريكية على أن المباراة الفاصلة في الدار البيضاء لن تنظم.
دفن جثمان الفقيد في مقبرة «النصارى» بالعاصمة الاقتصادية، غير بعيد عن مقبرة الشهداء بمنطقة الصخور السوداء. لكن أسرته التي انتقلت إلى فرنسا ظلت تمني النفس بنقل تربة القبر إلى حيث تقطن، وهي الرغبة التي حققها لعائلة سيردان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي نقل جثمانه إلى مقبرة في فرنسا ووضع على قبره مجسم قفاز الملاكمين، وفي المقبرة تقرر تكريمه بإطلاق اسمه على مرافق رياضية في المغرب وفي الجزائر.
ارتبط مارسيل طويلا بالمغرب الذي اعتبره بلده الثاني، رغم أنه من مواليد مدينة سيدي بلعباس بالجزائر يوم ثاني يونيو من سنة 1916، حيث انتقل إلى الدار البيضاء رفقة والده الإسباني الجنسية ووالدته الفرنسية، وعمره لا يتجاوز أربع سنوات، بل إنه انضم إلى أحد نوادي الملاكمة في عهد الاستعمار وعمره لا يتجاوز ثماني سنوات، كما لعب للمنتخب المغربي لكرة القدم، الذي كان حينها يضم خليطا من اللاعبين المغاربة والأجانب، كالعربي بن مبارك وأحمد الشهود وعبد القادر الخميري، وغيرهم من نجوم الحقبة الاستعمارية.
تحول مارسيل إلى أسطورة بعد أن تداولت الصحافة أخبارا عن رجل غير عادي، جعل من الرياضة عشقا أبديا، فعاش من أجل قيمها ومات دفاعا عن شرف المنافسة. وأجمل ما كتب عن الراحل من طرف صحفي إسباني: «لم يهزم مارسيل فوق الحلبة لكن القدر هزمه جوا، فلم يفقد لقبه العالمي، بل دفن معه».
مات سيردان، وخلد اسمه على أكثر من مرفق، أبرزها ملعب «مارسيل سيردان»، وهو الذي سيحمل اسم «الملعب الشرفي» مع حصول المغرب على الاستقلال، ثم مركب «محمد الخامس» حاليا. أما ابنه فقد ورث القفاز وظل يبحث عن موقع قدم بين المحترفين، رغم أن مساره توقف عند حاجز الهواة، حين نال لقب بطل أوروبا لهذه الفئة، ثم قرر إعادة القفاز إلى مكانه.
مات مارسيل الذي رفض مرارا الصعود إلى الحلبة، إلا إذا أحضر المنظمون العلم الوطني.. مات سيردان وقد خلد اسمه الوهرانيون بإطلاق اسمه على زقاق حيوي، كما وضع اسمه على زقاق في لافال، وفي الدار البيضاء ما زال اسمه على خمارة.
لاعب الوداد هريرة أول مغربي يداعب الكرة في ملعب «سيردان»
كان الفتى مصطفى هريرة يتمرن مع فريق الوداد الرياضي لكرة القدم، في الملعب القريب من حوض الحوت، حيث يوجد المعرض الدولي للدار البيضاء، وهو ملعب كان فريق البحرية الفرنسي يتدرب فيه، ولأنه كان يقطن في حي كوبا القريب من هذا الملعب، فإنه انضم إلى الوداد بقرار من المدرب الأب جيكو، الذي التمس من والدته الترخيص له بالانضمام إلى الفريق.
دخل الفتى التاريخ حين أصبح لاعبا في شبان النادي الأحمر، قبل أن يطرق باب فئة الكبار. يقول هريرة في حوار سابق مع «الأخبار»: «لقد طرق باب منزلنا الأب جيكو، وطلب من والدتي السماح لي بالانضمام إلى الوداد، لكنها رفضت في بداية الأمر، لأن الآباء كانوا يرفضون ممارسة أبنائهم للكرة، ويحثونهم على الدراسة. لعبت للوداد مع أجيال عديدة وللمنتخب المغربي مع ثلاثة أجيال، وأشرف على تدريبي نخبة من المدربين المغاربة والأجانب، أولهم العربي بن مبارك الذي عينه الملك محمد الخامس على رأس المنتخب، مباشرة بعد نيل المغرب الاستقلال».
يضيف هريرة الملقب بـ«مصطفى لكحل»، أنه حمل شرف خوض مباراتين تاريخيتين، الأولى في السادس من مارس عند افتتاح ملعب «مارسيل سيردان»، حيث كان أول من لمس الكرة وشارك في ضربة البداية بحضور السلطات الفرنسية، في مباراة جمعت الوداد بفريق فرنسي «بوزنصون».
كما شارك في افتتاح ملعب، خلال مباراة لعبها مع الوداد كانت ودية في القنيطرة، ضد فريق «بور قنيطرة»، الذي أصبح يحمل اسم «البلدي»، «لعبت مع نجوم كنت أسمع عنهم، انتابني خوف، لكنني قدمت مباراة جيدة، ومع مرور الوقت تحولت إلى لاعب أساسي في الوداد ومنتخب الشبان والمنتخب الأول».
ويضيف هريرة أن الملك الراحل الحسن الثاني، «كان يتصل بالمدربين واللاعبين عقب المباريات الرسمية الهامة عبر هاتف في غرفة بالملعب الشرفي، وكان يعرف لاعبي الوداد والمنتخب واحدا واحدا، ولا يخلف موعدا مع مبارياتهما. ولقد ضم الوداد رموز الكرة و«علماء» المستديرة، أمثال الشتوكي وعبد السلام وكبور ورفقي وإدريس والزهر والعفاري وولد البحيرة، رفقة عدد من المدربين الكبار والمسيرين المحنكين».
هاتف مركب «محمد الخامس» يرعب المدربين وينقل تعليمات الملك
في إحدى غرف الملعب الشرفي، وضع هاتف يربط الاتصال بين الملك الحسن الثاني ومدربي المنتخب المغربي لكرة القدم. فقد كشف بوجمعة بن خريف، اللاعب الدولي السابق، عن حجم اهتمام الملك الراحل الحسن الثاني بالمنتخب الوطني، وقال إنه تدخل شخصيا لتحديد تشكيلة المنتخب المغربي في مباراة الإياب أمام منتخب الجزائر، وهي مواجهة كانت مؤهلة إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا سنة 1972 بالكاميرون.
من جهته، يروي محمد عبد العليم «بنيني»، اللاعب السابق للرجاء الرياضي والمنتخب الوطني، لـ«الأخبار»، حكاية مباراة نارية بين المنتخبين المغربي والجزائري، في إطار التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية، في عز التوتر بين المغرب والجزائر.
تلقى اليوغوسلافي فيدينيك، مدرب المنتخب الوطني، التشكيلة هاتفيا من الملك وقرأها على مسامع الجميع، وختمها بالقول: «هذه التشكيلة حددها الملك الحسن الثاني، ولا دخل لي فيها»، لكن الغريب في النزال أن المنتخب المغربي انتصر بثلاثة أهداف دون رد، سجلها كل من بيتشو وباموس، ثم بوجمعة، ولأن النصر كان من صنع الملك، فقد توصل المدرب فيدينيك بقرار الإقالة هاتفيا بمجرد نهاية المواجهة.
في زوال التاسع من دجنبر 1979 وقبل انطلاقة المباراة بساعتين تقريبا، حطت طائرة هليكوبتر على مقربة من فندق «سامير» بالمحمدية، حيث كان المنتخب الوطني يقيم معسكره التحضيري استعدادا لملاقاة الجزائر، وعلى الفور نزل الجنرال حسني بنسليمان، وأمر المدرب بمرافقته على متن الطائرة ذاتها إلى القصر تلبية لدعوة الملك الراحل الحسن الثاني، هناك تلقى كليزو آخر التعليمات، وقدم مبررات وضع التشكيلة النهائية التي ستواجه الجزائر.
وقال منصف اليازغي في كتابه «مخزنة كرة القدم»، إن هاتفا خاصا قد وضع بإحدى قاعات الملعب الشرفي من أجل استقبال مكالمات الحسن الثاني، كما وُجِدَ كل من الوزير الأول ووزير العدل المعطي بوعبيد، رفقة إدريس البصري، وزير الداخلية، وعبد الحفيظ القادري، وزير الشبيبة والرياضة، جنبا إلى جنب مع المدرب في مستودع الملابس.
لم يرافق المدرب كليزو لاعبيه في ما بين الشوطين، حيث تلقى مكالمة من الملك الراحل كلها لوم وعتاب، خاصة حول بعض مكونات تشكيلته، أما اللاعبون فعاشوا حالة ذهول قصوى، وظلوا يبحثون عن مدرب يقدم توجيهات اللحظة الأخيرة دون جدوى، ومع صافرة الحكم عاد كليزو سريعا إلى مستودع الملابس، ليرافق اللاعبين نحو رقعة الملعب كجزء من أثاث المباراة.
طباخ الملك يتدخل لنقل نهائي كأس العرش إلى «دونور» ضدا على رغبة البصري
في سنة 1979، كان فريق شباب المحمدية لكرة القدم يستعد لخوض المباراة النهائية لكأس العرش أمام الوداد الرياضي، في نهائي قادر على منح الجماهير الفرجة المتوخاة، بالنظر إلى قيمة العناصر الودادية والفضالية. ازداد قلق مدربي الوداد البطاش والخلفي، وأيضا مدرب شباب المحمدية عبد القادر الخميري، بعد أن علموا بأن الملعب الشرفي بالبيضاء لن يكون جاهزا لاستقبال المواجهة النهائية، وبالتالي فإن المباراة ستدور في الملعب الشرفي لسطات، وهو الطرح الذي تم بدعم من إدريس البصري، كاتب الدولة في الداخلية آنذاك، حيث ألح على تمكين السطاتيين من معاينة نهائي تاريخي، رغم الأرضية السيئة لملعب سطات، بل إن الوزير الشاوي قال للحسن الثاني إن أبناء الشاوية التمسوا منه تبليغ الملك رغبة ترؤس طلعته للنهائي.
انتقل فريق شباب المحمدية إلى مدينة إفران، لإجراء تداريب مغلقة استعدادا للحدث الرياضي الكبير، وأقامت البعثة في مركز اصطياف تابع لشركة «التبغ»، كان المدرب عبد القادر الخميري غير مرتاح لخوض المباراة في مدينة سطات، وصادف وجود فريق مدينة الزهور في إفران وجود الملك الحسن الثاني بالمدينة نفسها، التي كان يقضي فيها جزءا كبيرا من عطله الصيفية والشتوية، بل كان مقر إقامة الفريق لا يبعد إلا بأمتار عن القصر، وهو ما ساهم في لقاء بالصدفة بين المدرب الخميري ورئيس طباخي الملك الراحل، ولأن بين الرجلين صداقة قديمة، فقد كشف عبد القادر للطباخ عن القلق الذي يسيطر عليه من جراء برمجة نهائي كأس العرش بالملعب الشرفي لسطات، حينها أكد له الطباخ بأنه سيبلغ الملك هواجسه، بحكم معرفة الحسن الثاني بالمدرب الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية مع الأمير مولاي عبد الله، وتردد طويلا في إقحامه في هذا الموضوع. وبفضل تدخل الطباخ توصل مقر إقامة فريق شباب المحمدية بمكالمة هاتفية من الملك شخصيا للمدرب الخميري، تدعوه للمثول بين يديه.
وفي جلسة غمرها الانسجام وسيطر فيها الحس الفكاهي للمدرب الخميري، سأل الملك المدرب عن أسباب رفضه الانتقال إلى سطات، فرد عليه مازحا: «ناس فضالة وناس الشاوية ميتلقاوش»، وقيل إن المدرب سخر من ملعب سطات، وقال إنه يستخدم في باقي أيام الأسبوع كـ«محرك» للخيول، مما أغضب الوزير. وقبل أن تنتهي الجلسة نقل الملك موافقته على إجراء المباراة في مدينة الدار البيضاء، وعلى الفور أعطى الحسن الثاني تعليماته لوزير الرياضة من أجل تسريع وتيرة الأشغال، ملغيا مقترح الجامعة بنقل النهائي إلى ملعب سطات. بل إن الملك قرر أن تكون مواجهة المحمدية والوداد، بمثابة مباراة لتدشين الملعب والتخلص من اسمه القديم «سطاد دونور»، ليحمل اسم «محمد الخامس» الذي ترأس أول نهائي كأس العرش لكرة القدم، بعد الحصول على الاستقلال في الملعب نفسه. في الليلة ذاتها أشعر محمد النصيري لاعبي الشباب بنهاية المعسكر وتأجيل النهائي، في الوقت الذي كان فيه لاعبو الوداد يتدربون في هضاب الشاوية.
حين اصطف لاعبو الفريقين للسلام على الملك الحسن الثاني، قبل المباراة، أمام أزيد من 60 ألف متفرج، توقف الملك أمام المدرب الخميري وقال له: «بقيتي على خاطرك».
ومن المفارقات الغريبة في هذه المباراة النهائية لسنة 1979، أنها تزامنت مع معركة ضارية في الصحراء المغربية ضد البوليساريو، حيث لوحظ أن ذهن الملك كان مشغولا بما يقع في الصحراء أكثر مما يحصل في المباراة، التي انتهت بفوز الوداد بهدفين مقابل هدف واحد، حيث لاحظ أفراد الناديين أن الملك الراحل كان يتحدث مع مسؤولين عسكريين، بل إنه ربط الاتصال بالقيادة العسكرية من هاتف بالملعب في ما بين الشوطين، وبدا مستعجلا في نهاية المباراة، رغم أنه خص اللاعب أحمد فرس بدقائق من وقته، عقب انتهاء المواجهة.
محمد علي كلاي يحول «الملعب الشرفي» إلى فضاء للملاكمة
لم يتمكن الحسن الثاني من لقاء الملاكم العالمي محمد علي كلاي، رغم أن الملك الراحل كان وراء دعم فكرة زيارة بطل العالم للوزن الثقيل إلى المغرب، فقد شاءت الظروف السياسية أن يحل بالدار البيضاء في 29 يوليوز من سنة 1972، ثلاثة أيام بعد مغادرة الحسن الثاني للمغرب صوب فرنسا على متن الباخرة، ليعود بعد أسبوعين على متن طائرة «البوينغ»، ويتعرض في الأجواء المغربية لغارة جوية، تبين أنها انقلاب مدبر من طرف سلاح الجو المغربي كان يستهدف الملك الراحل، في ما يعرف بـ«عملية البراق».
في صبيحة يوم الجمعة 29 يوليوز كانت حرارة مطار «النواصر» تتجاوز 34 درجة مئوية، لكن هذا الطقس لم يحل دون تهافت مئات الرياضيين إلى المطار لتحية البطل العالمي محمد علي كلاي، وكان على رأس المستقبلين مولاي العربي العلوي، عامل الدار البيضاء، وأرسلان الجديدي، وزير الشغل والشبيبة والرياضة، ومحمد التبر، رئيس الجامعة الملكية المغربية للملاكمة.
كان الضيف الرياضي الكبير مرفوقا بطاقمه التقني والإداري، وعلى رأسهم مدربه الإيطالي أنجليتو دوندي، ومنظم المباراة الاستعراضية التي خاضها في البيضاء، والمرافق الخاص جورج كونتير، لكن ملاكما يهوديا من أصول مغربية يدعى ماكس كوهين كان مهندس النزال الاستعراضي.
قضى كلاي أربعة أيام في المغرب، حيث حظي بحفل عشاء ترأسه ولي العهد الملكي آنذاك، الأمير سيدي محمد، كما زار محكمة حي الأحباس والمعلمة التاريخية للحي، وتفقد السوق الشعبي لحي «الحبوس»، حيث تعرض منتوجات الصناعة التقليدية، وتفقد أيضا الملعب الشرفي الذي احتضن المباراة الاستعراضية التي خاضها ضد ملاكم مالي مشاكس، يدعى باكايوكو سونكالو. كان الهدف من المبارزة الاستعداد لمباراة قوية كانت ستجرى بعد شهر، ضد الملاكم فلويد باتيرسون، والتي مكنت كلاي من المحافظة على لقب بطل الوزن الثقيل باتحاد أمريكا الشمالية للملاكمة، للسنة الثانية على التوالي. واختارت الجامعة الملكية المغربية للملاكمة الحكم الدولي المغربي، العربي هواض، لتحكيم الحدث العالمي، بالرغم من طابعه الودي، بينما أسندت إلى حكم دولي مغربي آخر يدعى الطيب تدبير مباراة رفع الستار.
يقول العربي وهو يستحضر هذا الحدث الرياضي التاريخي: «كان الملعب الشرفي مملوءا عن آخره، رغم أن سعر تذاكر الدرجة الأولى بلغ 400 درهم، وهو مبلغ كانت له قيمته في بداية السبعينيات، امتلأت المدرجات وأرضية الملعب بالرغم من الطابع الاستعراضي للمواجهة، وكنت سعيدا بتعييني حكما لهذا النزال، لأن تحكيم مباراة يوجد كلاي طرفا فيها لا يتأتى لأي حكم، ولأن ولي العهد آنذاك الأمير سيدي محمد كان في صفوف المتفرجين، كنت أتحرك فوق الحلبة، لأن كلاي كثير التحرك لا يستقر في موضع، استنادا إلى طريقته في اللعب التي تجعله يتحرك كالفراشة ويلسع كالنحلة، ولأن النزال ودي واستعراضي فقد استمتع الجمهور الحاضر بالفنيات العالية للبطلين معا، وفي نهاية الجولة الأخيرة رفعت يديهما معا للتأكيد على أن المباراة ودية.
قضى الملاكم العالمي أربعة أيام في العاصمة الاقتصادية، وفي اليوم الأخير حصل خلاف بين منظم النزال والتلفزيون الإسباني الذي نقل المواجهة مباشرة، حيث طالب الأول القناة الإسبانية بأداء مبالغ مالية نظير استفادتها من حقوق نقل مباراة تاريخية، خاصة وأن القناة نفسها قامت ببيع حقوق النقل إلى دور السينما المغربية، التي حولتها على شريط عرض على شاشاتها ولقي إقبالا منقطع النظير.
الملك الحسين والشاه رضا بهلوي والشيخ زايد بن سلطان والبابا في مقصورة الملعب
في سنة 1960 قام الملك الحسين بن طلال، عاهل المملكة الأردنية الهاشمية، بزيارة هي الأولى من نوعها إلى المغرب، ولأنها صادفت إقامة نهائي كأس العرش في كرة القدم، بين المولودية الوجدية والفتح الرياضي، على أرضية الملعب الشرفي بالدار البيضاء، فقد قرر المغفور له محمد الخامس استدعاء ضيفه العربي لحضور هذا الحدث الرياضي، حيث استمتع الملكان بطبق كروي جميل لقي استحسان الضيف، الذي وجه إلى محمد الخامس دعوة لحضور نهائي الكأس في الأردن، إلا أن الموت لم يمهل عاهل المغرب، الذي كانت تلك المباراة آخر لقاء يحضره.
وفي سنة 1966 شهد الملعب الشرفي بالدار البيضاء نهاية كأس العرش لكرة القدم، على شكل «كلاسيكو» حارق بين المغرب الفاسي والنادي المكناسي، الذي نزل إلى القسم الثاني، لكنه عوض جماهيره بالظفر بلقب الكأس الغالية بعد الفوز على «الماص» بهدفين لصفر، في مباراة شهدت تألق المهاجم حميدوش، عميد «الكوديم»، الذي تسلم الكأس الفضية من يد شاه إيران محمد رضا بهلوي، وكان ذلك في 12 يونيو من سنة 1966، الذي أعجب بأداء النادي المكناسي ووجه إليه دعوة لزيارة طهران، إلا أن الفريق رفض، بدعوى انشغاله بالنزول وحالة الإحباط التي سادت مدينة مكناس، بينما رحل حمادي حميدوش إلى طهران، وقضى فترة في ضيافة الشاه. وخلال مراسيم تسليم كأس العرش وجه حميدوش للحسن الثاني تظلما، ودعاه إلى فتح تحقيق في نزول الفريق المكناسي إلى القسم الوطني الثاني.
كما حل البابا يوحنا بولس الثاني يوم 19 غشت 1985، بالملعب الشرفي بالدار البيضاء، بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني، في سابقة هي الأولى من نوعها التي يستقبل فيها البابا من طرف رئيس دولة مسلمة. حيث تزامنت الزيارة مع تنظيم المغرب للألعاب العربية، وأمام 100 ألف متفرج ألقى البابا خطابا تناول فيه قيم التسامح بين الشعوب.
في كتابه «ذاكرة ملك» تناول الحسن الثاني جزءا من هذه الواقعة، حيث قال: «عندما حل الأسقف المسؤول عن حماية البابا يوحنا بولس الثاني، للإشراف على الترتيبات المتصلة بالزيارة، وقعت مشكلة، حيث طلب من المسؤولين المغاربة بأن البروتوكول يقتضي من البابا أن يدخل ملعب الدار البيضاء وحده، حيث سيلقي خطابا، كما هو معمول به في جميع البلدان التي يزورها قداسته. أصيبت مصالح البروتوكول ومصالح الأمن، بالحرج لتجيب الأسقف: «نحن بحاجة إلى التشاور مع جلالة الملك بهذا الخصوص».
يقول الملك: سألني الأسقف: «أليست لديك سيارة مصفحة؟»، قلت لا، أنا لا أخرج في سيارة مصفحة. في النهاية، وجدنا حلا وسطا. ركبنا سيارة «مرسيدس 600»، وتقرر أن يركب البابا في إحدى السيارات وأنا في الأخرى».